الوقت - بعد أسبوع من انتهاء الاشتباكات بين حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية والجيش الصهيوني في غزة، دعا الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق مستقل وشفاف حول ما حدث في غزة، ولا سيما مقتل الأطفال في هجمات حربية للجيش الإسرائيلي خلال المواجهة الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية. يأتي طلب الاتحاد الأوروبي بشأن جرائم تل أبيب في وقت التزم فيه الاتحاد الصمت أمام الهجمات العدوانية للكيان الصهيوني على قطاع غزة ، والتي استمرت لمدة ثلاثة أيام ، وبهذا الإجراء تُركت أيدي الصهاينة مفتوحة للمزيد من القتل.
يأتي التحقيق في جرائم الجيش الصهيوني في قطاع غزة في الوقت الذي اعترف فيه جيش الكيان رسمياً، الثلاثاء، باستشهاد خمسة أطفال فلسطينيين في قصف صاروخي للكيان على قطاع غزة، إضافة إلى عدد القتلى الكبير من النساء والأطفال الفلسطينيين.
اعتداءات إسرائيل الوحشية هي أكثر من الإحصائيات التي اعترف بها الصهاينة. ويأتي طلب التحقيق بعد أن أعلن نشطاء حقوقيون أن الكيان الصهيوني ارتكب جرائم حرب في حرب غزة، تمثلت بمقتل العشرات من الفلسطينيين المدنيين، وأعربوا عن أملهم في أن تتم إدانة الكيان بموجب القانون الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.
على الرغم من أن التحقيق الدولي في جرائم الكيان الصهيوني المستمرة منذ ثمانية عقود ضد الفلسطينيين هو عمل جيد، إلا أن هذا التحقيق لا ينبغي أن يقتصر على غزة ويجب التحقيق في جرائم قتل الكيان للأطفال في جميع أنحاء فلسطين. لأن هذه الجرائم تجاوزت قتل عدد قليل من الناس ووصلت الآن إلى مرحلة الإبادة الجماعية.
إن تاريخ الكيان الصهيوني حافل بالجرائم التي وقع فيها آلاف الأبرياء من النساء والأطفال ضحايا لتجاوزات سلطات تل أبيب، حيث عمل الكيان الصهيوني دائما على انتهاك القوانين التي تم إقرارها بشأن حقوق الإنسان، ولا سيما اختيار أساليب وأسلحة الحرب، بما في ذلك عدم الامتثال بفصل المسلحين عن المدنيين، وعدم الامتثال لحظر الهجمات العشوائية وغير الدقيقة وعدم اتخاذ الإجراءات الاحترازية، ما تسبب بوقوع شهداء ومصابين مدنيين بمن فيهم النساء والأطفال، الذين هم دائمًا الضحية الرئيسية في حروب غزة، وتعتبر هذه القضايا جريمة حرب حسب القانون الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.
إضافة إلى الهجمات العسكرية، فقد استغل الصهاينة كل قوتهم في العقود الأخيرة لتضييق الخناق على الفلسطينيين في غزة، واشتدت المشاكل الاقتصادية في هذه المنطقة يومًا بعد يوم بسبب الحصار الشامل الذي يفرضه الصهاينة، ما خلق ظروفًا صعبة للفلسطينيين في غزة. وبسبب القيود، يُحرم الفلسطينيون الذين يعيشون في غزة من خدمات الرعاية الصحية، وحتى أثناء انتشار وباء فيروس كورونا، ورغم أن الصهاينة كان لديهم فائض من الأدوية واللقاحات، إلا أنهم عملوا على إتلافها دون إعطائها للفلسطينيين. هذا إضافة للقيود المفروضة على الصيادين الفلسطينيين في غزة الذين يكسبون رزقهم عن طريق الصيد فقط، مع العديد من الأمثلة الأخرى على هذه الجرائم. تلك تعتبر مظاهر عامة للإبادة الجماعية التي يمكن مشاهدتها يوميًا في غزة والضفة الغربية، ومع ذلك يعارض المجتمع الدولي هذه الأعمال ضد الإنسانية واختار أن يظل صامتا.
سيناريو الغرب الملفق لجرائم اسرائيل
إن الغربيين الذين يتدخلون في الشؤون الداخلية لدول لا تتماشى مع سياساتهم مع الادعاء الكاذب بالدفاع عن حقوق الإنسان منذ سنوات، كانوا دائمًا يدعمون الكيان الصهيوني فيما يتعلق بجرائم في فلسطين، وبهذا استمرت السلوكيات الإجرامية للكيان خلال الحروب الأخيرة بين تل أبيب والفلسطينيين.
إن الضجة الإنسانية للغربيين حول جرائم الكيان الصهيوني، والتي تحدث كل بضع سنوات وفقط خلال الحرب بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة، ويقومون بإيماءة إنسانية على السطح، هي ليست أكثر من عرض لخداع الرأي العام، بينما في الممارسة العملية، لن يتم اتخاذ أي إجراء لمعاقبة الصهاينة في المحاكم الدولية، والولايات المتحدة منعت الحكم ضد الجرائم الصهيونية بقدر ما تستطيع.
في آذار / مارس 2019، وبعد طلبات متكررة من الفلسطينيين ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة العفو الدولية، تمت الموافقة على القرار ضد الكيان الصهيوني في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأصدرت فاتو بنسودة ، المدعي العام في محكمة لاهاي ، أمراً ببدء التحقيق في الاشتباه بارتكاب "جرائم حرب" ، في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس. لكن الصهاينة رفضوا أي تعاون مع هذه التحقيقات، بل استمروا في ارتكاب جرائم جديدة في غزة بدعم سياسي من الغرب.
لذلك، فإن الطلب الحالي من الاتحاد الأوروبي للتحقيق في جرائم إسرائيل في غزة لن يؤدي إلى أي شيء، ولن يعير الفلسطينيون لهذه السيناريوهات الكاذبة أي اهتمام ولن ينخدعوا بهذه المظاهر. في السنوات الأخيرة، أصبح الفلسطينيون يعتقدون أنه لا ينبغي لهم الاعتماد على دعم الغرب ويعتبرون الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لمواجهة الاحتلال الصهيوني وكل النجاحات التي حققوها ضد احتلال الكيان إنما كانت نتيجة الحرب المسلحة.
لقد تيقنت فصائل المقاومة الفلسطينية من أن أخذ حقوقها المسلوبة من أيدي الصهاينة لن يتحقق إلا بالقوة والصواريخ، وقد أظهرت الحروب المتكررة في غزة هذه الحقيقة بشكل جيد. إن خوف الإسرائيليين من القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية وتحذير المسؤولين الأمنيين في تل أبيب من حروب واسعة النطاق ضد الفلسطينيين يشير إلى أن الصهاينة يخشون المقاومة.
يمكن رؤية النهج المتضارب للغربيين تجاه الجرائم الإنسانية بشكل جيد في حالة الأزمة في أوكرانيا وغزة. في الأشهر الستة الماضية، إضافة إلى دعم الحكومة الأوكرانية ضد روسيا، كررت السلطات الغربية ادعاءاتها بقتل الأطفال والنساء الأوكرانيين واعتبرتها إبادة جماعية يجب على المجتمع الدولي الرد عليها. لكن من ناحية أخرى، فإن النهج الغربي أمام قتل الفلسطينيين على يد الكيان الصهيوني مختلف، وبينما قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي، ظل الغربيون دائمًا صامتين في مواجهة هذه الجرائم. وقد برروها بحجة دفاع الصهاينة عن أمنهم. هذا النهج المتناقض أمام حدثين متشابهين حسب التعريف الغربي، واسع الانتشار لدرجة أن جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، اعترف بهذه القضية.
يلجأ الكيان الصهيوني إلى أي تكتيك من أجل إضعاف قدرات فصائل المقاومة في غزة، لكن هذه الجهود باءت بالفشل وتكتسب المقاومة الفلسطينية مزيدًا من القوة يومًا بعد يوم، وتكشف النقاب عن إنجازات جديدة في مجال الصواريخ والقذائف والطائرات دون طيار التي تشير أيضا إلى هذه القضية، هذا على الرغم من حقيقة أنه إضافة إلى غزة، أصبحت الضفة الغربية الآن الجبهة الثانية للمقاومة، ويخشى الصهاينة من أنه بفتح جبهة جديدة في الضفة الغربية، سيتعرضون للهجوم من الجانبين في المستقبل. لهذا السبب، كثف الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة إجراءاته الأمنية في أجزاء من الضفة الغربية، مثل مدينة جنين، حيث يشعر بالتهديد الأكبر، وفي كل يوم، وبهذه الذريعة، تتم مداهمة مخيمات فلسطينية واعتقال عدد منهم.
ووضع الصهاينة بعض العائلات الفلسطينية التي نظم شبابها عمليات استشهادية ضد الصهاينة في الضفة الغربية تحت ضغوط اقتصادية لإجبارهم على ترك منازلهم. ويسمحون للمستوطنين بخلق اضطرابات يومية للعائلات الفلسطينية، وهو جزء آخر من السيناريو الإجرامي لخلق جو من الرعب وانعدام الأمن للمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو مخفي تمامًا عن أعين المراقبين الدوليين.
لكن مع تزايد جرائم إسرائيل في الضفة الغربية، يزداد كذلك غضب وكراهية الفلسطينيين ضد جرائم الكيان بقتل الأطفال، والآن أصبح العديد من الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية متحالفين مع مقاومة غزة ويعتبرون الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحرير القدس من الاحتلال.
في النهاية، يُلاحظ أن ملايين الفلسطينيين يعيشون حياتهم مع جرائم الاحتلال الصهيوني منذ عقود ويشهدون انتهاك حقوقهم الأساسية كل يوم، ولا يزال الغربيون يصمتون عن ممارسات الفصل العنصري التي يقوم بها الكيان الصهيوني. وهم في الحقيقة مسؤولون عن حمام الدم الذي شنه هذا الكيان ضد الفلسطينيين. لذلك، فتحت فصائل المقاومة الفلسطينية طريقها بشكل جيد، وبالقدرات التي اكتسبتها في المجال العسكري، منعت النوم عن أعين سلطات تل أبيب لدرجة أن الصهاينة يتجنبون المواجهة الجادة مع قوات المقاومة ويقللون مدة الحروب الأخيرة، وهي تشير إلى أنه مع كل حرب يقترب الكيان من انحداره وانهياره.