الوقت- يبدو أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزّة قد أحدث شقاً كبيراً في الصف الإسرائيلي وفجوة عميقة داخل قيادات جيش الاحتلال واستخباراته، حيث كشفت أجهزة الأمن الإسرائيلية أن حركة الجهاد الإسلامي أقامت نموذجاً يشبه حزب الله في الضفة الغربية وتحديداً في جنين ومخيمها وفي مدينة نابلس أيضاً. الاستنتاج الإسرائيلي هذا يُعري كيان الاحتلال بشكل كبير أمام مستوطنيه في الدرجة الأولى لأنه على مدى العقود الماضي كان يزعم أنه حقق الأمان المطلوب في هذه المستوطنات والمدن، وها هو الآن يعيش في رعب انتقال حزب الله إلى حضنه وبين مستوطنيه ما يجعله يعيش في جحيم حقيقي وتخبطات دائمة وفشل أمام مستوطنيه والعالم.
المقاومة الفلسطينية ولاسيّما حركة الجهاد استطاعت في الفترة الأخيرة أن تخلق استراتيجية رعب حقيقية لكيان الاحتلال مفادها بأن لكل فعل رد فعل ولكن لن تتوقع تل أبيب من أين سيأتي، فمن استمع للخطاب الأخير للأمين العام لحركة الجهاد الحاج زياد نخالة، الذي جاء بعد إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزّة بعد الحرب الأخيرة يستنتج سريعاً مبادئ وأدوات هذه الاستراتيجية ألا وهي "وحدة الساحات". نخالة خلال خطابه أكّدَ أكثر من مرة على مبدأ وحدة الساحات وجعله خط الحركة، أي إن الرد على أي عدوان صهيوني ليس من الضروري أن يكون صاروخاً من قطاع غزّة، بل قد يكون شاباً فدائياً فلسطينياً يخرج من القدس بسلاحه الفردي يُنفّذ عملية استشهادية وخلال ثوان معدودة يُربك الاحتلال ويحقق هدفه، وهذا الأمر تحديداً جعل الاحتلال يتخبط ويرتبك ويظهر بمظهر الفاقد للإرادة والقوة أمام جمهوره، لأنه فشل رغم كل ما يملكه من تكنولوجيا واستخبارات عسكرية ومدنية وحتى جواسيس، إلا أن هذه الأمور مجتمعة فشلت في منع مجاهد فلسطيني من تنفيذ عمليته.
الفلسطينيون يعرفون جغرافيا بلدهم وتضاريسها أكثر من المحتل المغتصب، وبالتالي يستطيعون ضربه بمقتل من حيث لا يعلم لأنهم يعرفون بدقة نقاط ضعفه ونقاط قوتهم، وتحوّلوا من مرحلة الاختباء من الملاحقة الإسرائيلية، إلى مرحلة هم من يلاحقون جنود الاحتلال ويصطادونهم بسهولة، ما يجعل أي منطقة في الأراضي المحتلة في متناول أيضاً المقاومين، وخصوصاً أن الخلايا النائمة للمقاومة في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1948 كثيرة وكثيرة جداً، ما يجعل كيان الاحتلال يقف على أطراف أصابعه ويجعله غير آمن للمستوطنين وحتى للمطبعين أو لكل من له علاقة مع كيان الاحتلال، ففي عملية القدس الأخيرة أعلنت السفارة الأميركية أن من بين المصابين مواطنيين أميركيين، وبالتالي الجميع تحت مرمى نيران وصواريخ المقاومة.
السنوات الماضية أكدت أن المقاومة الفلسطينية في تطور مستمر سواء على الصعيد العسكري والأمني والإستخباراتي، أو على الصعيد الاجتماعي والجغرافي، أي بمعنى أن المقاومة استطاعت تطوير صواريخها في قطاع غزّة حتى باتت تصل لكل المناطق المحتلة، ثم إنها استطاعت أيضاً كشف أي خلية تجسسية يحاول الاحتلال زرعها في بيئة المقاومة، وبسرعة كبيرة كانت تكشف هذه الخلايا ويلقى الجواسيس جزاءهم، حيث إن المقاومة تمكنت من معرفة نقاط ضعف الاحتلال ومناطق الحساسة واللوجستية وباتت تستهدفها دائماً بالصواريخ، أما على الصعيد الاجتماعي والجغرافي فإنها تمكنت من التغلغل أكثر وأكثر من الأراضي الفلسطينية المحتلة وخلقت شبكات وخلايا لها في تلك المناطق ما أدى إلى إضعاف كيان الاحتلال وإظهاره بمظهر الفاقد للسيطرة والمرتبك أمام المستوطنين.
قادة الكيان الصهيوني بدؤوا يتحسسون الخوف ويحاولون ترويج أكاذيب الأمان الزائف للمستوطنين وخصوصاً في الأيام الأخيرة، وهو ما دفع وزير حرب الاحتلال بني غانتس، لطرح فكرة اغتيال نخالة، ولكن هو يعلم تماماً أن هذا الأمر صعب إن لم يكن مستحيلا على كيان الاحتلال، لعدة أسباب أبرزها الخوف من رد فعل المقاومة التي من الممكن أن تُزلزل كيان الاحتلال وتدخله في دوامة لا يستطيع الخروج منها أبداً، ما يجعل هذا التصريح اشبه بالنكتة بالنسبة للفلسطينيين، أما في الحقيقة فهو مجرد تصريح يحاول غانتس عبره جذب الأصوات لمصلحته في الانتخابات المقبلة، وخصوصاً بعد حالة الخوف والإرباك التي أحدثتها الحرب الأخيرة التي من نتائجها تسجيل 3000 مستوطن للخروج النهائي من مستوطنات غلاف غزّة، ما يعتبر رسالة حرفية لقادة الاحتلال مُفادها بأن هذه المنطقة غير قابلة للعيش للمستوطنين وأن السماء في أي وقت قد تفتح عليهم وتسقط فوقهم حجارة من سجيل.