الوقت - شددت فرنسا أكثر من سياسة حرمان المغاربة من التأشيرة مقابل تساهل مع الجزائريين والتونسيين، ووصل الأمر الى حرمان وزراء سابقين وأطراف كبيرة في الدولة ورجال أعمال.
وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي في المغرب بشكاوى يطرحها المغاربة بسبب سياسة فرنسا التي رفعت من معدل رفض التأشيرة للمواطنين المغاربة. وانتقل الأمر الى الصحافة، ونشرت جريدة “برلمان” اليوم الجمعة مقالا وشريط فيديو تعيب فيه على حكومة باريس التعامل باحتقار مع طالبي التأشيرة.
ونقلت هذه الجريدة المعروفة بمصادرها كيف شمل المنع وزراء سابقين في الحكومات المغربية، وامتد الى أطباء ومهندسين كبار في مجمع الفوسفاط كانوا ينوون المشاركة في لقاءات علمية تحتضنها فرنسا. وتعرض رجال أعمال معروفون الى المنع من الفيزا. وطالبت الحكومة بالتدخل في الموضوع دفاعا عما اعتبرته “الكرامة المغربية”، وحثت المتضررين على رفع دعاوي الى القضاء لاستعادة رسوم الفيزا.
وعندما ترفض سفارة أوروبية تنتمي الى فضاء شينغن الفيزا لأي مغربي، لا يحق له اللجوء الى سفارة دولة أخرى حتى مرور فترة زمنية تنتفي فيها أسباب المنع.
وكانت حكومة باريس قد أعلنت خلال سبتمبر الماضي إجراءات ضد ثلاث دول وهي تونس والجزائر والمغرب كعقاب على عدم استقبالها لمواطنيها المقيمين بطريقة غير قانونية في فرنسا.
وتحدثت عن خفض الفيزا بنسبة 30% لتونس و50% لكل من المغرب والجزائر. وخففت من الإجراءات ضد تونس والجزائر، وأبقت على تلك الطبقة على المغاربة وضاعفتها حسب شكاوى المواطنين المغاربة والصحافة المغربية. ويقدر المغاربة بأن معدل رفض طلبات الفيزا من طرف قنصليات فرنسا يصل الى 70% .
وكانت جريدة “موند أفريك” قد تحدثت عن حرب “الفيزا بين باريس والرباط” منذ أسابيع، وعادت هذا الأسبوع للكتابة حول الموضوع بسبب ارتفاع رفض التأشيرات للمغاربة بشكل لافت.
ويقول المغاربة إن فرنسا ذات سيادة في منح التأشيرات، ولكن القانون الذي سنته في ملف الفيزا يجب أن تحترمه ولا تطبقه حسب هواها.
ويفسر المغاربة موقف فرنسا كعقاب للمغرب بسبب رهانه على شركاء جدد، ولا تقدم باريس تفسيرات وتلمح مصادر في العاصمة الى عقاب للسلطات المغربية بسبب التجسس على الفرنسيين ببرنامج بيغاسوس.
وكان المغرب قد نفى مرات التجسس على الرئيس إيمانويل ماكرون، ورفع دعاوي الى القضاء ضد منابر إعلامية مثل لوماند.
وتحسنت العلاقة بين باريس والجزائر وباريس وتونس بعد المكالمات التي أجراها ماكرون مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون والجزائري قيس سعيد، وتستمر حالة اللاتواصل والقطيعة بين باريس والرباط.
ولم يجر أي اتصال بن ماكرون والملك محمد السادس رغم وجود هذا الأخير في باريس منذ بداية يونيو الماضي باستثناء سفرين لمدة أيام قليلة خلال عيد الأضحى وخلال عيد العرش وعاد الى العاصمة الفرنسية.
ونظرا لهذا التشديد، وجهت البرلمانية فاطمة التامني، عن فيدرالية اليسار، سؤالا لناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، حول هذا الموضوع، وخصوصا منع أطباء مغاربة من حضور مؤتمر لطب العيون "دون أسباب منطقية طبعا".
كما لفتت البرلمانية الانتباه إلى التكاليف المالية المترتبة على هذه الطلبات، والتي تذهب إلى غير رجعة، وكذا ما قد ينتج عن الرفض والتأخر من إشكالات للطلبة ولأهاليهم أيضا.
وتمر العلاقات المغربية الفرنسية منذ أزيد من سنتين في « مرحلة برود كبير » زاد جمودها اتهام المملكة باستخدام برنامج « بيغاسوس » للتجسس على هواتف شخصيات فرنسية بارزة في مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، زد على ذلك إقدام فرنسا على خفض التأشيرات الممنوحة للمغاربة.
ويبدو الجمود الذي يسم العلاقات بين باريس والرباط واضحا للعيان، ويعززه تراجع الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين البلدين منذ شهور، حيث تعود آخر زيارة لمسؤول فرنسي إلى نوفنبر 2021 ويتعلق الأمر بالوزير المنتدب المكلف بشؤون التجارة الخارجية « فرانك رياستر ».
وفي السياق، يرى خالد يايموت، أستاذ العلاقات الدولية، أن الأزمة المغربية الفرنسية التي دخلت في سنتها الثانية، لا حل لها على المستوى القريب، مضيفا إن المغرب غير بطريقة سريعة خلال جائحة كورونا، وجهة نظره في بعض القضايا سواء على المستوى الافريقي وحتى الدولي.
يايموت أشار إلى أن التغيير الذي قام به المغرب كان مبنيا على رؤية سابقة لعلاقاته مع فرنسا في بعض القضايا المهمة وخصوصا ما يتعلق بالجانب الافريقي وكذلك طبيعة الشراكة المغربية الفرنسية في بعض المجالات المهمة، وخصوصا الاقتصادية والأمنية.
واعتبر المحلل السياسي، أن السبب الرئيسي للأزمة، هو أن المغرب منذ 2017 اتخذ منحى استقلاليا عن السياسة الفرنسية التقليدية في غرب ووسط افريقيا وفي الساحل، وسرّع بشكل كبير جدا من استثماراته وتطبيق سياسة معزولة بشكل كلي عن فرنسا.
وزاد المتحدث، أن المغرب استطاع في وقت قياسي أن يطيح بالسيادة الفرنسية في بعض المجالات ببعض المناطق وخصوصا في غرب افريقيا، فيما يتعلق بالقطاع البنكي والبنية التحتية وغيرها.
وحسب يايموت، فإن هذا التغيير، شكّل نوعا من التصادم مع السياسة الفرنسية، مشيرا إلى عامل مركزي آخر هو أن السياسة الأمنية للمغرب والتي تغيرت في الساحل وغرب أفريقيا وحتى في أوروبا بداية من سنتي 2015 و2016، أصبح لها استقلالية كبيرة، وباتت منفصلة عن العمل والسياسة الأمنية الفرنسية.
وهذا ما أفقد فرنسا، حسب الأستاذ في العلاقات الدولية، بعضا من القوة وخصوصا في الجانب المتعلق بالمعلومات حيث إن المغرب أخذ يبني سياسة أخرى مع شركاء آخرين ووجدت فرنسا صعوبة في هذا المجال أو في الخدمة الأمنية التي كانت تقدمها لها المملكة.
واعتبر يايموت، أن السياسة والاستراتيجية والأهداف المغربية وصلت إلى نوع من التناقض في كثير من القضايا بأفريقيا مع نظيرتها الفرنسية في 2020، وهو ما دفع ببعض الأوساط الفرنسية إلى اتهام المغرب بالتنصت على بعض الشخصيات باستخدام برنامج “بيغاسوس”.