الوقت- إن المملكة العربية السعودية والنظام الصهيوني، اللذان قررا في السنوات الأخيرة الكشف عن علاقاتهما التي كانت كامنة وراء الكواليس، وهذه الأيام أقرب من أي وقت مضيا في هذا الطريق لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات. ولقد اتخذت المملكة العربية السعودية هذا العام مبادرة جديدة للاقتراب من الكيان الصهيوني من أجل تنفيذ خططه. وفي حين أن الصهاينة لديهم عداء طويل الأمد مع المسلمين والتراث الروحي الإسلامي، فقد دعت المملكة العربية السعودية عددًا من الصهاينة لحفل الحج هذا العام كمقدمة لإقامة علاقات في المستقبل.
وبالتزامن مع المسيرة السريعة لتحركات الحكومة السعودية لتطبيع العلاقات مع محتلي القدس، نشر عدد من الصحفيين والمحللين الإسرائيليين في وقت واحد صورا وتقارير عن دورياتهم في شوارع الرياض وجدة خلال مراسم الحج، وزعموا أنهم شعروا بتغيير جذري خلال التفاعل بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وهؤلاء الأشخاص سافروا إلى السعودية بحجة الحج، لكن هدفهم هو الحصول على معلومات عن الأماكن الدينية في هذا البلد والتعرف على عادات الوهابيين حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات الصحيحة للتخطيط المستقبلي في المملكة العربية السعودية. بل كانت هناك تقارير تفيد بأن صحفيين صهاينة سافروا إلى المملكة العربية السعودية لهذا الغرض لإعداد أخبار للقاءات بايدن مع السعوديين، حيث من المحتمل أن يتم الإعلان رسميًا عن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
ومن جهة أخرى، قامت مجموعة من 13 عضوا من منظمة الدعوة اليهودية المتحدة برحلة سياحية إلى المملكة العربية السعودية، وهي أول رحلة من نوعها لأعضاء هذه المنظمة. ولقد تم التخطيط والاستضافة لهذه المجموعة تحت مسؤولية محمد العيسى، رئيس رابطة العالم الإسلامي. ووفقًا لهذا التقرير، نظرًا للتغيرات الواسعة في العلاقات الإسرائيلية العربية، سافر هؤلاء الثلاثة عشر شخصًا الأسبوع الماضي من أمريكا إلى المملكة العربية السعودية للتعرف على الإسلام وتعليم اليهودية للسعوديين. وهذه الرحلة هي الرحلة الأولى للقادة الدينيين والحاخامات إلى هذا البلد. وقد تأسست هذه المنظمة اليهودية الأمريكية في نيويورك عام 1939 وجمعت الأموال لليهود حتى اندمجت مع الرابطة اليهودية المتحدة في عام 1999. وهذه المنظمة هي أكبر منظمة لجمع الأموال في العالم تدعم يهود إسرائيل والصهيونية في العالم. ومن المتوقع بهذه الرحلة أن يزداد عدد الدول العربية التي ستقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
إن الانتقال السهل للصهاينة إلى السعودية هو جزء من مشروع تطبيع العلاقات، الذي كان السعوديون يحاولون الحصول عليه من تل أبيب في العامين الماضيين. حتى السعودية، من أجل إظهار إخلاصها ومحبتها لتل أبيب، تسعى إلى قمع معارضة الأمة الإسلامية لفتح أقدام الصهاينة على أرض الوحي من خلال شعار عدم تسييس الحج. وفي هذا الصدد، أعلن النائب العام السعودي في الأيام الماضية أن الحج واجب ديني ويحظر فيه أي شعارات طائفية وحزبية، وستتم محاكمة المخالفين ومعاقبتهم. إن مبدأ هذه السياسة يتعارض مع تقليد تبرئة المشركين الذين يرددون كل عام حجاج بيت الله الحرام من مختلف الدول والجنسيات شعارات الموت لإسرائيل والموت لأمريكا خلال مراسم الحج. وبالنظر إلى أن العالم الإسلامي يعارض تطبيع العلاقات العربية مع تل أبيب، فإن استخدام السعوديين لهذه السياسة يتم من أجل استخدام غطاء الطبيعة غير السياسية لموسم الحج ومنع العالم الإسلامي من الاحتجاج على زيادة العلاقات الصهيونية والرحلات إلى أرض الوحي.
بذريعة عدم تسييس الحج، اتخذت السعودية إجراءات صارمة بحق حجاج الدول الأخرى، الأمر الذي يتناقض تمامًا مع الرياض، إضافة إلى تقليص حصة عدد الحجاج الإيرانيين وزيادة تكاليف الحج، حتى إصدار تأشيرة دخول لممثل المرشد الأعلى الإيراني، فقد حدثت اضطرابات مختلفة في شؤون الحج. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن السعوديين أوجدوا عقبات أمام وجود الحجاج القطريين في السنوات الماضية أثناء أزمة العلاقات مع قطر. وكل هذه الإجراءات تثبت أن شعار عدم تسييس الحج هو نهج سياسي بالكامل.
إسناد مراسم الحج إلى تل أبيب
إضافة إلى زيارة الصهاينة إلى المملكة العربية السعودية والتعرف على الأماكن الدينية في هذا البلد من أجل تعزيز التطبيع بين الشعب السعودي، فقد عهد السعوديون بتنظيم مراسم الحج هذا العام إلى الأشخاص الأكثر صلة بالصهاينة. حيث أعلنت المديرية العامة للمسجد الحرام والمسجد النبوي في المملكة العربية السعودية، عن اختيار محمد بن عبد الكريم العيسى عضو مجلس كبار العلماء والأمين العام لاتحاد العالم الإسلامي لإقامة صلاة يوم عرفة. وقد أعرب الصهاينة عن سعادتهم بهذه الخطوة، لأن العيسى من أتباع النظام السعودي، الذي يعمل في المجالات الدينية والدعاية، انسجاما مع مصالح النظام الصهيوني والتطبيع معه. وحسب تقارير إعلامية، فإن تعيين العيسى لإلقاء الخطبة في يوم عرفة خلال موسم حج هذا العام لا يمكن فصله عن السياسة العامة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني. علاوة على ذلك، يخطط العيسى لتوفير أفضل الظروف الممكنة للزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن.
كل هذه الأعمال التي يقوم بها السعوديون تتم بهدف التقرب من النظام الصهيوني وإقامة علاقات دبلوماسية معه. وينزعج السعوديون من تجاوز الإمارات والبحرين لهم في التطبيع مع النظام الصهيوني، ولكي لا يتراجعوا عن قافلة الإذلال والتفاني لهذا النظام، فإنهم عازمون هذه المرة على إنهاء هذا المشروع.
إن السعودية هي مفتاح عملية التطبيع منذ سنوات، ولهذا السبب التزمت الصمت أمام جرائم الصهاينة بحق الفلسطينيين. وبصمتها أدارت السعودية ظهرها لهدف تحرير القدس، وبتطبيع العلاقات مع تل أبيب لا بد أن تعطي ختم موافقتها على جرائم هذا النظام في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكذلك بعد تطبيع العلاقات أكدت الإمارات والبحرين على كل الجرائم الصهيونية واعتبرتا القدس عاصمة لهذا النظام. إن السعودية التي بذلت كل قوتها لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة، تحتاج بالتالي إلى التعاون مع تل أبيب من أجل تحقيق أهدافها. وهذه المسألة بالغة الأهمية للسعوديين في وقت تسارعت فيه إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي.
مقدمة قبل زيارة بايدن
بالنظر إلى أن جو بايدن سيسافر إلى المملكة العربية السعودية والأراضي المحتلة في الأيام المقبلة، يحاول السعوديون إعلان استعدادهم لقبول الهدف الاستراتيجي من رحلة بايدن، وهو تشكيل تحالف إقليمي للعرب والنظام الصهيوني ضد محور المقاومة. ولقد كشفت صحيفة صهيونية أن السعودية تدرس دعوة مسؤول إسرائيلي أثناء أو بعد زيارة جو بايدن للمنطقة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، فتحت المملكة العربية السعودية مجالها الجوي بشكل علني أمام الطائرات الإسرائيلية، وفي هذه الفترة القصيرة من الزمن، هبطت طائرات من تل أبيب في مطار الرياض عدة مرات. وتنقل هذه الطائرات رجال أعمال ونشطاء اقتصاديين ومسؤولين أمنيين تابعين للنظام الصهيوني إلى الرياض. كما خصصت المملكة العربية السعودية ميزانية قدرها 2 مليار دولار للاستثمار في الأراضي المحتلة لإظهار حسن نيتها لسلطات تل أبيب للتطبيع. وفي الأشهر الأخيرة، سافر عدد من رجال الأعمال الصهاينة إلى المملكة العربية السعودية للاستثمار في مشروع بناء مدينة نيوم. لذلك، أصبحت العلاقة بين السعودية وإسرائيل، والتي انطلقت من منظور اقتصادي، مسيسة الآن مع مراسم الحج الدينية. كما أعلنت السلطات الصهيونية، في الأيام الأخيرة، استعدادها لبيع أنظمة دفاعية للسعودية من أجل تمهيد الطريق لإقامة علاقات بين الجانبين. لقد وضعت المملكة العربية السعودية جانباً أي اعتبارات تتعلق بالنظام الصهيوني وهي تعد نفسها علناً لتطبيع العلاقات مع هذا النظام، ولم يتبق سوى خطوة واحدة لإعلان هذه العلاقات، والتي ستكتمل خلال رحلة بايدن.