الوقت - السعودية التي لم تدخر في السنوات الأخيرة أي جهد لضرب العراق واستخدمت كل أدواتها لإضعافه، تدعي هذه الأيام أخذ لفتةً أخويةً لتتظاهر أنها صديق لهذا البلد.
وفي هذا الصدد، أطلقت القوات السعودية، بالتعاون مع العراق، مناورةً بريةً مشتركةً قيل إنها تهدف إلى رفع مستوى استعداد القوات الأمنية، لمواجهة التهديدات الخارجية وتوفير الأمن على جانبي الحدود.
على الرغم من أن السعوديين يحاولون تضخيم هذه المناورات وإظهار فصل جديد في العلاقات بين البلدين، إلا أن تجربة السنوات القليلة الماضية تظهر أن الشعب العراقي لا يسير في الأجواء نفسها مع السعوديين.
لم ينسجم العراق أبدًا مع السياسات السعودية في المنطقة، بل إنه عارض الحرب اليمنية، وهي طبخة سعودية لتدمير المنطقة، ويريد إنهاء الحرب.
على الرغم من أن الغرض من هذه المناورة هو مواجهة التهديدات المشتركة کما أُعلن، إلا أنه يختلف بالنسبة للسعوديين، والأجندات السياسية هي الأولوية.
يدرك العراقيون جيدًا أن العديد من مآسي هذا البلد في السنوات الأخيرة، من الهجمات الإرهابية إلى الاحتجاجات في الشوارع ومحاولات الجمود السياسي، كانت جميعها موجهةً من القيادة السعودية، ومع ذلك فقد شارکوا في هذه التدريبات لمواجهة التهديدات الإرهابية من السعودية، ووضع السعوديين في موقف ربما يقللون من دعمهم للإرهابيين داخل العراق.
ذلك أن مصدر التهديدات الإرهابية في العراق من السعودية، وإذا أغلق السعوديون حدودهم في وجه الإرهابيين، فلن يكون لدى العراقيين مخاوف أمنية.
من ناحية أخرى، فإن قضية الطاقة لها أهمية خاصة بالنسبة للعراق أيضًا. وبما أن العراق بحاجة إلى واردات الطاقة لتلبية استهلاكه اليومي من الكهرباء، ويواجه أزمة كهرباء في الصيف بسبب ارتفاع الاستهلاك، فإنه يحاول الإسراع بنقل الكهرباء السعودية إلى البلاد.
لذلك، وافقت السعودية في الأيام الأخيرة على مذكرة تفاهم لتوصيل الكهرباء إلی العراق، وبعد ذلك تم ربط شبكة الكهرباء العراقية بالسعودية، حيث يمكن تشغيل المشروع في أسرع وقت ممكن.
وبما أن کل طرف يسعى إلى تحقيق أهدافه في أي علاقة ثنائية، فإن السعودية ليست استثناءً من هذه القاعدة، وقد وضعت سيناريوهات لنفسها في العلاقات مع العراق.
تحاول السعودية منذ سنوات إبعاد العراق عن إيران ومواءمته مع سياساتها الإقليمية، وإجراء مثل هذه التدريبات هو الخطوة الأولى في الاقتراب من العراق، وإغلاق الباب أمام النفوذ الإيراني.
وعلى الرغم من أن هذه الجهود لم تنجح حتى الآن، إلا أن السعوديين لم يخب أملهم ويحاولون تجربة حظهم في الفوز مرةً أخرى على إيران. لکن رغم كل هذه الجهود، فقد تم ترتيب الهياكل السياسية والأمنية في العراق بعد سقوط داعش، حيث لن يکون السعوديون قادرين علی تحقيق تطلعاتهم مهما حاولوا.
لقد أصبحت مجموعات الحشد الشعبي الآن قوةً جبارةً في الحكومة والجيش العراقي، وهم يرون آل سعود عدوهم المتعطش للدماء وحلفاء للمحتلين الأمريكيين، الذين يريدون تدمير العراق.
ولم ينس العراقيون بعد دعم السعودية لإرهابيي داعش والهجوم الإعلامي على الحشد الشعبي، ومحاولاتها بثّ الفرقة والانقسام بین الشيعة والسنة، ما ألحق ضرراً بالبلد لا يمكن إصلاحه.
من وجهة نظر فصائل المقاومة العراقية، السعودية لا تريد الخير للعراق، وسياسات آل سعود الودية على ما يبدو في الاقتراب من العراق لن تتسبب في شيء سوى الخسارة والدمار.
حتى في حرب التحالف السعودي ضد اليمن، دعمت هذه الجماعات الشيعية بقوة حركة أنصار الله وأعلنت استعدادها لمساعدة اليمنيين، وهذا الموقف يدل على أن التيارات الشيعية تقف على الجانب المناقض لآل سعود، والقضاء على هذه النظرة السلبية سيستغرق سنوات وربما عقودًا.
من ناحية أخرى، تريد السعودية تقليل اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية من خلال تصدير الكهرباء إلى العراق، إضافة إلى جعله أكثر اعتمادًا على الطاقة السعودية.
في السنوات الأخيرة، تعرض العراق لضغوط من الولايات المتحدة لقطع اعتماده على الكهرباء والغاز الإيراني، ولجأ السعوديون إلى محاولة إثبات أنفسهم كمنقذ للشعب العراقي في هذا الوضع الحرج.
سيناريو آل سعود القادم بعد المناورات مع العراق، مرتبط بالسياسات الإقليمية. بالنظر إلى أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة تخطط لتشكيل تحالف إقليمي مكون من العرب والکيان الصهيوني ضد إيران، لذلك يريد السعوديون ضم العراق إلى تحالفهم المناهض لإيران، لكن أمامهم مهمة صعبة للغاية.
لأن بغداد والرياض لديهما مقاربة غير متجانسة للتطورات الإقليمية من حيث الأمن والسياسة، الأمر الذي يجعل من الصعب على العراق الانضمام إلى المعسكر الغربي ـ العبري ـ العربي.
وعلى الرغم من أن السعودية تراهن على أشخاص في العراق مثل مقتدى الصدر وتكنوقراطيين مثل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذين لا ينسجمون مع سياسات إيران في العراق، لکن هؤلاء الأفراد لا يملكون القوة لاتخاذ القرار بشأن سياسات العراق الكلية، ومجموعات المقاومة، بأدوات القوة المتاحة لها، لا تسمح للسعودية بإخضاع العراق.
السعودية، التي فشلت في تنفيذ خططها في العراق من خلال داعش، اتخذت في السنوات الأخيرة إجراءات اقتصادية للتسلل إلى هذا البلد، ولأن العراق يحتاج إلى الموارد المالية للتغلب على أزماته، فقد رکَّز السعوديون علی نقطة الضعف هذه.
خصصت السعودية ثلاثة مليارات دولار العام الماضي للمساهمة في إعادة إعمار العراق، والاستثمار في قطاع الطاقة، وتقديم قروض لتعويض عجز ميزانية حكومة بغداد، كما أعادت فتح معبر عرعر بعد عدة سنوات بهدف التسلل إلى الطبقات الاقتصادية والأمنية في العراق.
الجهود السعودية الخادعة للاقتراب من العراق والتحالف معه محاولات عبثية عديمة الجدوی، لأن العراقيين يعرفون النظام السعودي ومخططاته جيداً، وتحقيق الوحدة والتقارب مهمة صعبة للغاية لن تنجح السعودية في إنجازها.