الوقت - يصادف اليوم 14 حزيران/يونيو ذكرى وفاة الإمام الخميني(ره) مؤسس جمهورية إيران الإسلامية وأحد أعظم الشخصيات التاريخية في العصر الإنساني المعاصر، الذي ترك إرثه الفكري والسياسي أثراً هائلاً على مستوى التطورات الإقليمية والعالمية.
الحركة التي وضع الإمام الخميني(ره) أسسها في أوائل الستينات، والطريقة التي اعتمدها، مثل أنبياء الله، استندت إلی أساس قوة الإيمان الصادق في الوعد بالنصر الإلهي في آيات عديدة من كلام الله تعالی، حيث قال سبحانه: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدامَكُم"، أو "کَانَ حَقًّا عَلَیْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِینَ"، فكان قادرًا على الوقوف شامخًا ضد نظام ملكي عمره مئتان وخمسمئة عام وجميع القوى العظمى التي تدعمه، وجعل ممكنًا كل ما يبدو مستحيلًا.
کان الإمام الخميني(ره) رجلاً من سليل الأنبياء، والذي رفع راية إحياء الدين والأخلاق في العالم المادي الحديث، ولعلاج الروح المريضة للمجتمعات الحديثة من فراغ المعنى والحقيقة، أعاد النظرة الکونية الدينية إلى عالم الحياة السياسية والاجتماعية بعد قرون.
كان الإمام الخميني(ره) بالمعنى الحقيقي للكلمة قائداً كاملاً وشاملاً لقيادة المجتمع الإيراني، ومثالاً لا نظير له للمجتمعات الإسلامية الأخرى، ليحقِّق تحولاً ثقافياً قائماً على العودة إلى النظرة الکونية الدينية، والاعتماد علی الثقة بالنفس، التطلعات القديمة لمجتمعات العالم الثالث المستعمرة، من أجل الاستقلال والتحرر من نير سيطرة القوى الدولية.
والآن أيضًا، بعد أكثر من ثلاثة عقود على رحيل مؤسس الثورة الإسلامية، لا تزال آراء الإمام الخميني(ره) وأفكاره وحياته السياسية حيةً ونشطةً وملهمةً، تتنافس مع الأيديولوجيات الغربية وخطط نظام الهيمنة، وتلعب دورها في التطورات الدولية، ولم تتضاءل قدرتها على التأثير والنمو فحسب، بل ترسخت أکثر كشجرة تنمو باستمرار في قلوب وضمائر العدالة الإنسانية، ويشكل خطاب الثورة الإسلامية الذي انبثق عنها، اليوم، من خلال عبور الحدود الجغرافية، دوحةً كبيرةً تؤثِّر علی الاتجاهات الدولية.
في الوقت الحاضر، يمكن رؤية المظهر الموضوعي للتأثير الواسع لخطاب الثورة الإسلامية على المستوى الإقليمي، في مجموعة وحدة محور المقاومة.
والحقيقة أن البذرة التي غرست بأفكار الإمام الخميني لتصل إلى أعلى درجات التعالي في الانضمام إلى الثورة العالمية للمنجي الموعود وإقامة حكم العدل الإلهي، وصلت الآن في مسار التطور هذا إلى مرحلة أصبحت فيها القوة الإقليمية المهيمنة التي تحبط خطط أعداء الأمة الإسلامية الرئيسيين، أي الولايات المتحدة والکيان الصهيوني.
وفي هذه الأيام، بينما تتأثر الأوضاع في منطقة غرب آسيا بالانسحاب الأمريكي المشين من أفغانستان، ومحاولات الخروج من مستنقع سوريا والعراق والخليج الفارسي، ومن ناحية أخرى، في التطورات في فلسطين، يمكننا أن نرى قلب المعادلات بشکل جاد على حساب الاحتلال الصهيوني وتسريع انحدار وزوال هذا الکيان، فإن تتبع رؤية الإمام الخميني الإستراتيجية في منظومة النجاحات اللامعة لمحور المقاومة أمر ضروري، لتعريف الجمهور المسلم بهذا البعد من الإرث السياسي لقيادته.
لقد كشف الإمام الخميني(ره)، في ذروة السلطة الملكية القمعية، العلاقات السرية بين الشاه والکيان الإسرائيلي، وحذَّر من التهديد الإسرائيلي للعالم الإسلامي بجدية واستمرار. کما کان الإمام الخميني هو المرجع الديني الأول والزعيم الديني الكبير، الذي سمح بدعم المقاتلين الفلسطينيين من أموال الزكاة والصدقات.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية، غيّر دعم إيران الثابت لنضالات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال مسار النضال. وكان تأثير رسالة الثورة الإسلامية وقيادتها على الرأي العام للعالم الإسلامي، حيث إنه عندما وقع أنور السادات اتفاق التسوية في كامب ديفيد، طردت الحكومة المصرية من المنظمات العربية وعزلت تماماً.
وعلى مدى العقود الماضية أيضًا، تظهر التطورات في المنطقة بجلاء أن قضية فلسطين والتآمر على تنفيذ خطة إسرائيل الكبرى ونسيان قضية فلسطين، هي في صميم استراتيجية نظام الهيمنة للمجتمعات الإسلامية، وتتجلى ذروة هذه المؤامرة في الأعمال الوحشية في سوريا والعراق. وهي إجراءات نتج عنها شن الحرب اللاإنسانية ضد الشعب اليمني، ثم اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني.
لكن مع كل هذا، فإن ما حدث خلال النجاحات الهائلة التي حققتها المقاومة اللبنانية عام 2006، والتغلب على أزمة الإرهاب التي صنعتها الصهيونية الدولية والرجعية العربية في سوريا والعراق، وما نراه اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يظهر أن أفکار الإمام الخميني قد أتت ثمارها، وعلى الرغم من خيانة المطبعين، فإن جوهر فكر الثورة الإسلامية وتطلعات الإمام الخميني(ره) قد وجدت حضوراً لا يمكن إنكاره في سياق الأحداث في فلسطين.