الوقت - في وقت أصبح فيه الوضع الأمني العالمي أكثر ارتباكاً من أي وقت مضى، تسعى الدول إلى تعزيز علاقاتها الدفاعية والعسكرية مع جيرانها في مواجهة التهديدات الخارجية.
من الدول الأوروبية التي تحاول الانضمام إلى تحالفات عسكرية إلى دول آسيا الوسطى، يحاول الجميع زيادة قدراتهم الدفاعية لتحمل أضرارٍ أقل في مواجهة الأخطار المحتملة. إيران ودول آسيا الوسطى ليست استثناء من هذه القاعدة، وفي السنوات الأخيرة وضعت تطوير التعاون العسكري على جدول الأعمال. وفي هذا الصدد، وصل اللواء محمد باقري رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية إلى طاجيكستان أمس على رأس وفد رفيع المستوى. وشدد باقري، في لقاء مع وزير الدفاع الطاجيكي شير علي ميرزا، على ضرورة قيام القوات المسلحة في البلدين بالتفاعل وتبادل الآراء إضافة إلى إرساء أمن الحدود. وقال إن تطوير وتعزيز التعاون الإقليمي والثنائي، وكذلك تبادل التدريب وتطوير التعاون العسكري في مكافحة الإرهاب، يجب أن يكون من أولويات القوات المسلحة في البلدين. كما رحب وزير الدفاع الطاجيكي بخطة القوات المسلحة الإيرانية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات بمساعدة وتعاون البلدين، وقال إن إجراء التدريبات المشتركة وتطوير المعدات العسكرية من أولويات القوات المسلحة الطاجيكية والإيرانية.
يمكن دراسة رحلة باقري إلى دوشنبه في ذلك الوقت من عدة أبعاد، تأتي الزيارة في الوقت الذي استولت فيه حركة طالبان على السلطة في أفغانستان قبل تسعة أشهر وتزايدت التهديدات الإرهابية للبلاد ضد إيران ودول آسيا الوسطى. بالنظر إلى حالة عدم الاستقرار في أفغانستان في عهد طالبان أدت إلى عودة ظهور تنظيم داعش الإرهابي في بعض أنحاء البلاد، فإن إيران وآسيا الوسطى، القريبة من منابع الفكر الإرهابي، ستعاني أكثر من غيرها، وإذا لم يتم وقف هذا التهديد فقد يؤدي إلى كوارث لا يمكن تداركها على المنطقة، وستكون عواقبها الإنسانية أكبر بكثير مما شهدناه في الأزمتين السورية والعراقية. بما أن انتشار انعدام الأمن في دول المنطقة سيخلق أزمة جديدة في العالم، تحاول طهران ودوشنبه القضاء على التهديدات الإرهابية حتى يتمكن كل منهما من مساعدة بعضهما البعض من خلال تطوير التعاون الدفاعي في حال وقوع أحداث مؤسفة، لأن القضاء على الإرهاب لن يكون ممكنًا بواسطة دولة واحدة فقط. بالنظر إلى أن إيران لديها سجل حافل في مكافحة الإرهابيين في العراق وسوريا، فإن طاجيكستان، التي لديها قواسم مشتركة لغوية وثقافية مع إيران، تحاول الاستفادة من تجربة طهران. وتحقيقا لهذه الغاية، أنشأت إيران وطاجيكستان لجنة عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب منذ العام الماضي، ما يشير إلى أن الإرهاب يشكل تهديدًا كبيرًا لدول المنطقة ما يتطلب تعاونًا إقليميًا.
من ناحية أخرى، في السياق الحالي للحرب الأوكرانية بين روسيا والغرب، تشعر دول آسيا الوسطى بالقلق وتسعى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية والاستراتيجية. إذا فشلت روسيا في أوكرانيا، فسوف تعيد طاجيكستان النظر في خططها الاستراتيجية وتبحث عن حلفاء جدد، وفي المستقبل سنرى ترتيبات دفاعية وأمنية جديدة في المنطقة. إذ ستعاني آسيا الوسطى بسبب احتمال قيام روسيا بقطع الأسلحة عن حلفائها بسبب حربها في أوكرانيا. ونظرًا لاعتمادها الاقتصادي والعسكري الأكبر على روسيا، فإن طاجيكستان أكثر قلقًا بشأن عواقب حرب أوكرانيا وتسعى إلى تنظيم علاقاتها الدفاعية من خلال جهات فاعلة جديدة، ويمكن أن يكون لإيران مكانة خاصة في ذلك. نظرًا لأن إيران أحرزت تقدمًا كبيرًا في مجال الصواريخ والطائرات دون طيار في السنوات الأخيرة، يمكنها تلبية بعض احتياجات طاجيكستان، وقد أدرك المسؤولون الطاجيكيون قدرات طهران. من ناحية أخرى، أعلن الأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون أمس، أن إيران قد تصبح عضوا كامل العضوية في المنظمة في عام 2023، وهذه القضية يمكن أن تعزز تطوير التعاون العسكري بين البلدين في إطار الأمن الإقليمي.
أدت التهديدات الإرهابية المتزايدة من أفغانستان والمخاوف بشأن انتشارها إلى البلدان المجاورة، إلى جانب تداعيات حرب أوكرانيا، إلى تقريب إيران ودول آسيا الوسطى من بعضهما البعض؛ ومع العضوية الكاملة لإيران في منظمة شنغهاي في المستقبل، سيتم تعزيز التعاون الدفاعي والأمني بين الجانبين.