الوقت- على الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون إضعاف روسيا من خلال فرض عقوبات واسعة النطاق، إلا أن الروس لم يستسلموا ولديهم حلفاء اعتمدوا عليهم خلال فترة العقوبات. إحدى هذه المناطق الاستراتيجية هي إفريقيا، التي وجدت مكانًا مهمًا في سياسة موسكو الخارجية في السنوات الأخيرة. لقد فشلت الضغوط الغربية لتقليص علاقات القارة السوداء مع روسيا، ويظهر هذا جليا في الموقف الأخير لهذه الدول في الأمم المتحدة، التي امتنعت عن التصويت ضد القرار المناهض لروسيا، ولم يتمثل كثير من تلك الدول الافريقية للعقوبات الغربية.
والجزائر من أكثر الدول نفوذاً في شمال إفريقيا، والتي اعتمد عليها الروس بسبب العلاقات الاقتصادية والعسكرية الواسعة التي أقامتها مع الروس على مر السنين. وفي هذا الصدد، قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة غير متوقعة إلى الجزائر الأسبوع الماضي، حيث التقى مسؤولين جزائريين لمناقشة القضايا الثنائية، ولا سيما قضايا الطاقة خلال فترة العقوبات. وعلى مدى عقود، شاركت عدد من الشركات الروسية في مشاريع النفط والغاز والتنمية الجزائرية، وقدمت الجزائر العديد من الفرص للمستثمرين الروس، وهذا هو السبب في أن الجزائر تعتبر مهمة جدًا بالنسبة للروس.
ولقد امتنعت الجزائر عن التصويت في تصويت الأمم المتحدة الأخير لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، على الرغم من التحذيرات الأمريكية بأنه ينبغي عليها أن لا تعارض العقوبات ضد روسيا. وحسب الإحصائيات، فإن الجزائر تستورد ثلث أسلحتها من روسيا، وفي هذا الصدد أبرمت الجزائر خلال السنوات الماضية صفقات مهمة مع روسيا. وروسيا بدورها كانت موالية للجزائر، وهذا الولاء ظهر جلياً في بيع أنظمة صواريخ إس -300 للجزائر.
ونظرًا لأهمية النفط والغاز خلال فترة العقوبات الغربية ضد روسيا، سافر وزير الخارجية الروسي "لافروف" إلى الجزائر الأسبوع الماضي بصفتها صاحب احتياطيات ضخمة من النفط والغاز في إفريقيا لإظهار امتثال البلاد الكامل لاتفاقية أوبك بلس وعدم زيادة الإنتاج. ويحاول الغرب منع أسعار النفط من الارتفاع في الأسواق العالمية من خلال زيادة إنتاج النفط من قبل دول أخرى في حالة فرض حظر نفطي روسي، ويريد الروس من الحلفاء عدم اتباع مثل هذه السياسة، لأنه عند معارضتهم لإنتاج النفط، سوف يضطر الغرب لعدم مقاطعة النفط الروسي.
قضية الطاقة في الأولوية
وتأتي زيارة "لافروف" الأخيرة بعد زيارة قام بها مسؤولون أوروبيون للجزائر ما يدل على أهمية هذه الزيارة الروسية. ووسط جهود غربية لإيجاد بديل للغاز الروسي بالاعتماد على خط أنابيب غاز الجزائر، الذي يمر عبر إيطاليا عبر تونس والبحر الأبيض المتوسط، أصبحت الجزائر وجهة مهمة للمسؤولين الغربيين. لذا يحاول الغرب أن يكون قادرًا على نقل بعض الغاز الأفريقي إلى أوروبا في المستقبل عبر هذا البلد.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وصل يوم الإثنين الماضي، إلى الجزائر، حيث كان في استقباله وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة. وكان لافروف، أكد في الرابع من نيسان/أبريل الماضي، بمناسبة استقباله لعمامرة في موسكو، رغبته في زيارة الجزائر قريباً. وتأتي زيارة لافروف إلى العاصمة الجزائرية، ومباحثاته المنتظرة مع كبار المسؤولين الجزائريين، بعد يومين فقط من المكالمة الهاتفية، التي تلقاها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة من نظيره الأوكراني دميتري كوليبا. لكن وحسب المتابعين للعلاقات الجزائرية الروسية، فإن الهدف الرئيسي لزيارة لافروف إلى الجزائر، هو تعزيز التنسيق والمشاورات، حول ملف الطاقة، وخصوصاً في قضية توريد الغاز إلى أوروبا.
والجزائر من أكبر المصدرين للغاز وتورد نحو 11٪ من الغاز المستهلك في أوروبا، ويمكن للأوروبيين استيراد المزيد من الغاز من الجزائر عن طريق زيادة طاقتها. حيث أعلنت شركة سوناتراك الجزائرية للنفط والغاز مؤخرا أنها مستعدة لتوريد المزيد من الغاز إلى أوروبا. ولهذا تحاول روسيا تقليص هذه الإجراءات الغربية، وخاصة في مجال الطاقة، باستخدام علاقاتها التاريخية مع الجزائر للضغط عليها. وعلى الرغم من أن الأوروبيين قالوا إنهم لن يخططون لقطع واردات الغاز والنفط من روسيا في الوقت الحالي، إلا أن مسؤولي موسكو يعملون بأقصى ما في وسعهم لإغلاق جميع طرق الطاقة إلى أوروبا والضغط على الأوروبيين. لذلك، تسعى روسيا إلى جلب دول يمكن أن تكون فعالة في تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة، والحفاظ على مكانتها الرائدة في تصدير الطاقة إلى أوروبا.
ومن أجل إظهار أنها لم تدر ظهرها لروسيا ولا تزال حليفًا لروسيا، صرحت الجزائر بأنها لم تعد لديها القدرة على إنتاج وتصدير الغاز، وباتخاذها هذا الموقف فقد رفضت الأوروبيين الذين يلجؤون إلى أي تكتيك لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. وتعد مصر أيضًا من أكثر الدول نفوذًا في شمال إفريقيا، وبسبب احتياطياتها من الغاز، يمكن أن تكون فعالة خلال فترة العقوبات بالنسبة لروسيا. وبالنظر إلى أن مصر هي إحدى طرق إمداد الغاز في أوروبا، يمكن لروسيا أن تجلب مصر معها، وكذلك الجزائر، وإقناعها بعدم تصدير الطاقة إلى أوروبا.
تحاول روسيا نزع فتيل العقوبات الغربية بمساعدة الدول الأفريقية، وقد خطا الروس خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة لتحسين وضعهم في القارة السوداء. حيث أكد موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، خلال زيارة لموسكو العام الماضي، أهمية تطوير تعاون موسكو مع الدول الأفريقية في مختلف المجالات، وخاصة الاقتصادية والصناعية والطاقة. وفي أكتوبر 2019، استضافت روسيا أيضًا اجتماعًا مشتركًا مع أعضاء الاتحاد الأفريقي، ما يدل على أن الروس لديهم رؤية استراتيجية للقارة السوداء.
ونظرًا لإمكانياتها الاقتصادية العالية، يمكن للدول الأفريقية استخدام نفوذها كعضو دائم في مجلس الأمن لدعم المبادرات الأفريقية لحل النزاعات في القارة إذا انحازت إلى روسيا خلال فترة العقوبات. ولطالما كان توسيع علاقات روسيا مع إفريقيا مصدر قلق للولايات المتحدة بسبب إمكاناتها الاستثمارية الهائلة، وخلال فترة العقوبات الغربية، ستزداد مخاوف الأمريكيين مع تطور العلاقات الثنائية بين روسيا والدول الافريقية.
ونظرًا لأن موسكو الآن هي أكبر مورد للأسلحة لإفريقيا، فإن اتفاقيات القمة الأفريقية الروسية والطلبات المتكررة من القادة الأفارقة لتخصيص أموال لشراء المعدات والأسلحة الروسية وتطوير العلاقات الاقتصادية في السنوات الأخيرة جعلت الغرب أكثر قلقًا. إن تأثير العقوبات على روسيا مقلق. ويمكن لروسيا، التي تعتبر ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة، بيع المزيد من الأسلحة إلى الدول الأفريقية بأسعار معقولة وتعويض بعض المشاكل الاقتصادية الناجمة عن العقوبات.
الاستثمار الروسي في خامات ومناجم إفريقيا الغنية
إن فرص الاستثمار الواسعة في القارة الأفريقية واستعداد روسيا لتوسيع التعاون النووي في القارة السوداء هي أهداف روسية أخرى في إفريقيا. ويمكن لروسيا، بقدراتها العالية في مجال إنتاج الطاقة النووية وبناء محطات الطاقة، أن تساعد الدول الأفريقية ويمكنها بذلك تلقى الكثير من الموارد المالية بطريقة يمكن أن تقضي جزئيًا على العجز الناجم عن العقوبات الغربية.
وتعد مصر وإثيوبيا والسودان وكينيا وأوغندا ونيجيريا ورواندا وزامبيا وغانا من بين الدول التي يحرص الروس على توسيع التعاون النووي معها. ومن ناحية أخرى، فإن روسيا، باعتبارها أكبر ثلاث دول في إنتاج النفط وتصديره وأول دولة في إنتاج وتصدير الغاز، تبحث أيضًا عن سوق جيد في إفريقيا، وخاصة أنها في منافسة شديدة مع الولايات المتحدة لكسب المركز الأول في انتاج الهيدروكربونات. وتحتاج الدول الأفريقية أيضًا إلى الاستثمار الأجنبي بسبب مناجمها الكبيرة، والتي يمكن للروس استخدامها لتحسين ميزانهم التجاري مع هذه الدول. على الرغم من أن الميزان التجاري لروسيا مع الدول الأفريقية لا يمكن مقارنته مع الصين والولايات المتحدة، إلا أن تطور العلاقات في السنوات الأخيرة يرتبط بعودة روسيا إلى إفريقيا، ويمكن للقارة السوداء، نظرًا لإمكانياتها الاقتصادية العالية ومواردها الغنية، أن تلعب دورًا حاسمًا في الحد من آثار العقوبات المفروضة على روسيا.