الوقت- شهدت العلاقات بين الإمارات وسوريا انقطاعاً منذ شباط 2012، بعد أشهر من اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. وقدمت الإمارات دعماً مالياً وعسكرياً لفصائل المعارضة السورية، لكن تراجع الدعم تدريجياً خلال السنوات الماضية مع تقدم الجيش السوري بدعم عسكري روسي وإيراني على الأرض.
وبعد تكثيف التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا في عام 2015، لم تعارض الإمارات رسميا تحركات موسكو، وأوضحت القيادة الإماراتية في وقت مبكر أن أبوظبي قد تقبل حلا للأزمة السورية يترك الأسد في السلطة.
في الحقيقة، أدركت الإمارات بمرور الوقت أن استمرار مقاطعة الحكومة السورية غير مجدية، لطالما ان الجيش السوري اعاد سيطرته على البلاد، لذلك ما الفائدة من مقاطعة سوريا والوقوف في وجهها، وهي الأقوى اليوم على الأرض، ومن هنا ليس هناك أمام الإمارات سوى ترميم العلاقات مع الحكومة السورية والحفاظ على العلاقة معها.
الإمارات تغازل سوريا منذ عام 2018
بدأت إرهاصات التقارب بين الإمارات وسوريا في نهاية عام 2018، بعد أن استعادت دمشق جزءا كبيرا من أراضيها. وتعد دولة الإمارات من أوائل الدول العربية التي أعادت افتتاح سفارتها في دمشق، وذلك في كانون الأول 2018 بعد سنوات من إغلاقها بعد قرار دول مجلس التعاون الخليجي بإغلاق سفاراتها في دمشق. ومنذ استئناف وإعادة تطبيع العلاقات بدأ الطرفان تبادل الوفود الدبلوماسية والاقتصادية، من حينها قادت الإمارات جهودا لفك العزلة العربية عن النظام السوري، حيث أجرى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان اتصالين ببشار الأسد في آذار 2020 وتشرين الأول 2021. وأرسلت الإمارات طائرات عدّة محمّلة بمساعدات طبية الى دمشق منذ تفشي فيروس كورونا المستجد.
وتبادل الجانبان السوري والإماراتي الزيارات الرسمية حيث استقبل الرئيس السوري بشار الأسد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، يوم الثلاثاء 9 تشرين الثاني ذلك في أول زيارة من نوعها منذ عام 2011. وأخيراً في 18 آذار مارس قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة مفاجئة إلى دولة الإمارات التقي فيها مع محمد بن زايد آل نهيان وكذلك مع محمد بن راشد آل مكتوم.
ويعد هذا اللقاء أحدث حلقة في سلسلة مبادرات دبلوماسية تشير إلى تحول في الشرق الأوسط يشهد إحياء عدد من الدول العربية علاقاتها مع الأسد.
وتنامت المؤشرات على التقارب بين الأسد والدول العربية العام الماضي بما شمل اتصالا هاتفيا مع العاهل الأردني الملك عبد الله وهو حليف أيضا للولايات المتحدة.
عقدان متناقضان في تاريخ العلاقات السورية الإماراتية
شهدت العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وسوريا العديد من التقلُّبات على مدى العقدين الماضيين، فكانت الإمارات من أكبر المستثمرين في سوريا قبل اندلاع الأزمة السورية، والتي كانت لها أيضا علاقات وثيقة جدا مع الحكومة السورية. لكن، اتخذت الإمارات العربية المتحدة منذ بداية الأزمة السورية في منتصف آذار 2011، موقفا مبهما إلى حد ما إزاء الأحداث في سوريا، حيث دعمت المعارضة السورية بشكل رسمي.
وكانت السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة من عام 2012 إلى 2015 تتويجا لتحركات داخلية وخارجية للإطاحة بحكومة بشار الأسد. فعلى الصعيد السياسي، أغلقت الإمارات سفارتها في دمشق في آذار 2012 وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية.
كما انضمت الإمارات إلى مجموعة أصدقاء سوريا التي عقدت مؤتمرها الأول في شباط 2012 في تونس. وكانت أبوظبي أيضا داعما رئيسيا لجماعات المعارضة السورية، کالائتلاف الوطني السوري، وشخصيات سياسية معارضة بما في ذلك أحمد الجربا.
وخلال السنوات الأولى للأزمة السورية انتقد المسؤولون السياسيون الإماراتيون الحكومة السورية. فعلى سبيل المثال، قال وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان في 25 أيلول 2013، إن الإمارات ستواصل دعم السوريين وتطلعاتهم المشروعة لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد. وفي 13 كانون الثاني 2014، قال نائب الرئيس ورئيس الوزراء وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أنه لا يمكن أن يكون هناك حلاً طويل الأجل لإنهاء الحرب مع الأسد في السلطة، وتنبأ بأن الرئيس السوري سيفقد السلطة في نهاية المطاف.
على المستوى العسكري، رغم أن الإمارات لعبت دورا أصغر من السعودية وقطر، فقد دعمت أبوظبي الجماعات المسلحة وخاصة الجيش السوري الحر، منذ عام 2012. وتبرعت أبوظبي أكثر من مليار دولار من المساعدات للجماعات المسلحة السورية. كما لعبت الإمارات دورا مهما في غرفة العمليات العسكرية التابعة لموك، إلى جانب المملكة العربية السعودية والأردن وتركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
لكن خففت الإمارات تدريجياً من نبرتها الحادة ضد سوريا بعد التدخّل الروسي في سوريا، في أواخر أيلول 2015. واتّبعت الإمارات تدريجياً مقاربةً جديدةً حيال سوريا، إلى أن تخلّت في نهاية المطاف عن معارضتها الرسمية السابقة لدمشق. هذا ولم تعُد سوريا في صدارة أولوياتها السياسية، ناهيك عن أنها بدأت تعيد النظر في سياستها الخارجية نظراً إلى عدم نجاحها، وتكاليفها الباهظة. وبدأت في عام 2015 تنسحب من ملف الصراع السوري، لتركز اهتمامها ومواردها على الحرب في اليمن، إلى أن سعت بحلول العام 2018 إلى التقارب مع الحكومة السورية، فأعادت فتح سفارتها في دمشق في كانون الأول من ذلك العام.
ما هي أبرز أسباب التقارب الإماراتي السوري؟
هناك العديد من العوامل والأسباب التي ساهمت في تغيير موقف الإمارات تجاه سوريا. في الواقع، هناك اعتبارات إقليمية وأيديولوجية ودوافع سياسية واقتصادية دفعت الإمارات إلى تغيير سياساتها تجاه دمشق والرئيس السوري بشار الأسد. تحاول الإمارات العربية المتحدة من خلال تطبيع علاقاتها مع دمشق، أن تكون لاعباً مؤثراً ومهماً في المستقبل السياسي لسوريا. إضافة إلى ذلك، تريد أبوظبي من خلال هذه الخطوة أن تلعب دورا أكثر فاعلية ونشاطا في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط على الصعيد السياسي، وأيضا هي تبحث عن استثمارات في سوريا، على المستوى الاقتصادي.
وكانت الإمارات قبل عام 2011، ثاني أكبر مستثمر عربي بسوريا، ولاسيما في قطاع المجمعات العقارية والسياحية، وتشير تقارير إلى أن القيمة الإجمالية لاستثماراتها ناهزت 20 مليار دولار في حلول العام 2011. وتلفت التقارير إلى أن الإمارات كانت أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر داخل سوريا، خلال العقد الأول من القرن الحالي، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين عام 2009 نحو 322 مليون دولار، وذلك جعل سوريا في المرتبة الـ58 بمجال التبادل التجاري غير النفطي للإمارات مع بلدان أخرى.
وتعد الإمارات حالياً من أهم الشركاء التجاريين لسوريا على المستوى العالمي وتحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً، وتستحوذ على ما يتجاوز نسبته 14 في المئة من تجارة سوريا الخارجية. وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي خلال النصف الأول من العام الجاري 2021 نحو 272 مليون دولار فيما تجاوزت قيمة الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات 408 ملايين دولار بنهاية عام 2019.
وتحاول الإمارات أن تكون مستثمراً رئيسياً في عملية إعادة الإعمار وتفعيل هذا المجال في شتّى القطاعات في سوريا، کالعقارات والنقل والتجارة، وهي قطاعاتٌ كانت كلّها تستفيد من الاستثمار الإماراتي ما قبل العام 2011. على أي حال إن العودة المحتملة للاستثمار الإماراتي إلى سوريا محفوفٌ بالتعقيدات والعوائق على المديَين القصير والمتوسّط، ولا سيما في ضوء العقوبات الأمريكية، والصعوبات الاقتصادية التي تعانيها دبي.
وعلى الرغم من هذه التعقيدات قام المسؤولون الإماراتيون بزيارات إلى سوريا لمناقشة دور بلادهم كمستثمر في إعادة الإعمار بعد الحرب. وفي إطار العمل على تطوير الفرص الاستثمارية، أجرى مسؤولو سوريا والإمارات في تشرين الأول 2021 مباحثات لإعادة تشكيل وتفعيل مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي، على هامش أعمال معرض إكسبو دبي 2020.
إن الإماراتيين يبحثون عن الاستثمار في السوق السورية في قطاعات البنى التحتية والتطوير العقاري والنقل، إذ كانت شركة موانئ دبي العالمية قد عرضت رسمياً قبل نحو عام رغبتها في استثمار ميناء اللاذقية. كما تفيد المعلومات برغبة طيران الإمارات في العودة إلى المطارات السورية، فيما يُعدّ الاستثمار النفطي في آخر قائمة الأعمال الممكن التشارك فيها بين البلدين، بالنظر إلى أن الإمارات تسعى إلى تنويع اقتصادها، والتخلّص من الاتّكال الكلّي على النفط.
يمكن القول بشكل عام أن الإمارات جادة للغاية ومهتمة بالاستثمار في سوريا فعلى سبيل المثال بعد يومين من الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد الى دمشق، وقعت وزارة الكهرباء السورية مع تجمع شركات إماراتية اتفاقية تعاون لإنشاء محطة توليد كهروضوئية باستطاعة 300 ميغاواط في ريف دمشق.
يبدو أن اليوم قد تبدلت المعطيات واختلفت الاستراتيجيات وأصبح الجميع يسعى إلى الاستقرار والسلام في المنطقة وتوفير المال المهدر وتوجيهه للتنمية لتجاوز الأزمات التي حلت بالعالم في الفترة الأخيرة، وتراجعت سياسات الدول بما فيها الولايات المتحدة وأصبح التركيز حاليا على الداخل وتقليص النشاطات الخارجية.
كما أن دولة الإمارات ودول الخليج الفارسي غيرت سياساتها أيضا فحل التعاون والتكامل الاقتصادي والأمني بين الدول محل الصراعات وأصبح إحلال الاستقرار والسلام في المنطقة هو الهدف الاستراتيجي للجميع.