الوقت- قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، السبت إنه لا يريد هو ولا المؤسسة العسكرية حكم السودان، وإنه مستعد هو والمؤسسة العسكرية للخروج من المشهد السياسي متى ما توفر وفاق وطني.
وأضاف البرهان الذي يشغل منصب قائد الجيش -في مقابلة مع التلفزيون الرسمي السوداني- أن القوات المسلحة ستكون أول المنصاعين لخيار الانتخابات القادمة، وأنها مستعدة للحوار من أجل إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية.
وأوضح أن المقصود بالتوافق الوطني هو أن تتوافق القوى المؤمنة بالتغيير، لتضع دستورا للبلاد وتشرع في الانتخابات.
وفي ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني، قال البرهان إن التعاون الأمني الاستخباراتي بين السودان وإسرائيل لم يتوقف منذ لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.
وأكد أن سلسلة الاجتماعات بين مسؤولين سودانيين وإسرائيليين هي جزء من تعاون أمني ومخابراتي، وليست سياسية بطبيعتها.
ووفقا للبرهان فإن المعلومات المتبادلة مع الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية مكنت السودان من ضبط بعض المجموعات الإرهابية التي كانت تسبب مشاكل بالسودان والإقليم.
أثارت تصريحات قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان حول تسليم السلطة للمدنيين حال إجراء انتخابات حرة وتوافق وطني شامل استهجان الكثيرين من المراقبين والمحللين، ولم يعرها الثوار اهتماما لموقفهم الثابت ورفضهم الكامل للشراكة مع العسكر.
ويرى مراقبون أن تلك التصريحات تؤكد تمسك البرهان بالسلطة وأنه ينوي مد الفترة الانتقالية رغم تذمر الشارع والجيش، الأمر الذي يشكل خطورة كبرى على أمن واستقرار السودان والمنطقة بشكل عام.
حيث يرى المحلل السياسي السوداني، الدكتور ربيع عبد العاطي، أن "التصريحات التي أدلى بها الفريق البرهان مؤخرا حول الانتخابات وأنه لا يطمح إلى حكم البلاد "مقبولة"، لكنها تحت الإختبار و مطرقة الواقع سيما أنها مكرورة وتحتاج لدليل عملي".
ويضيف "التجربة مع العسكريين لا تبشر بمصداقية، نظرا للتجارب السابقة التي خاضتها البلاد معهم إذا استثنينا تجربة سوار الذهب بالسودان، والتي لا تزال مضربا للمثل في العالم العربي، عموما تصريحات البرهان لم تسهم ولو بدرجة محدودة في ازالة الإرباك السياسي الذي تعيشه البلاد".
وتابع عبد العاطي، لقد قال بعض المحللين وأنا منهم، أن "البرهان في اجاباته قد حاول إيجاد مساحة للمناورة، فبعض الإجابات كانت واضحة بعض الشئ والآخر يكتنفه الغموض و أخرى بين بين، عموما الوضع السياسي لم يعد يحتمل المناورة، إذا أضفنا إليه شظف العيش وما يعانيه المواطن من عنت ومشقة، كما أن تصريحات البرهان لم تشر لا عن بعيد أو قريب لما يهم المواطن وحصر نفسه في مشاكله مع شركائه القدامى، وهذا ما سبب إحباطا وصل إلى درجة أن الرأي العام سام من أي معالجات في المستقبل القريب".
وأشار المحلل السياسي إلى أن، "تصريحات البرهان لا تخلو من رسائل للخارج، كأنه لا يعلم بأن الخارج لا تهمه سوى أجندته، وهي رسائل لا تقنع لا الخارج ولا الداخل ويكفي أكاذيب الخارج و الخداع الذي تم منذ حدوث التغيير، وما آلت إليه الأوضاع بفعل وعود"عرقوب" للخارج فهي كالسراب البقيعة الذي يحسبه الظمآن ماء".
من جانبه يقول المحلل السياسي السوداني، خضر عطا المنان، أن "تصريحات البرهان كالعادة، هى للاستهلاك الإعلامي، وفي نفس الوقت هى محاولة لتبييض وجهه، والشراء الأهم من ذلك أنه يعلم تماما استحالة تنفيذ الشرطين اللذين ذكرهما في تصريحاته، من حيث الانتخابات الحرة والتوافق الشامل بين الكيانات لكي يسلم السلطة".
ويضيف، "البرهان يعلم جيدا استحالة تحقق ما يطلبه في ظل التجاذبات الحاصلة في الساحة حتى بين أطراف الكيان الواحد، فحتى قوى الحرية والتغيير التي شكلت الحاضنة الأولى للثورة انقسمت على نفسها، فالوضع الآن لا يسمح بقيام انتخابات حرة ولا بتوافق بين القوى السياسية، وحتى داخل القوات المسلحة هناك حالة من الملل بين القادة الكبار من تصريحات البرهان وبقاؤه على رأس الجيش، وهناك صراع خفي بين مكونات الجيش نفسها".
وتابع المنان، "كما أن وجود حمدتي قائد قوات الدعم السريع والرجل الثاني في الدولة قد أدت إلى تذمر داخل القوات المسلحة ضد البرهان وسياسته وقيادته للبلاد بهذه الصورة، خاصة بعد استشهاد ما لا يقل عن 80 فرد من الثوار من بعد 25 أكتوبر/تشرين أول الماضي، وهذه جميعها عوامل تؤكد استحالة ما يطلب تنفيذه وهو يعلم ذلك تماما، وأكبر كذبه أن البرهان يحاول إيجاد طريق نحو لجان المقاومة، لأنها هى الحكومة الفعلية في البلاد الٱن، والخاصة التي تقود المشهد".
بدوره قال عضو شبكة الصحفيين السودانيين، عبد الواحد إبراهيم، إن المفاجئ في تصريحات رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، هو أنها تتناقض مع الوثيقة الدستورية التي وقعها مع القوى ونصت على ضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية.
وأضاف إبراهيم، إن تصريحات البرهان تعكس رغبة واضحة للانفراد بالسلطة، وهو أمر مستبعد في السودان إلا إذا حدث تزوير للانتخابات، على حد قوله.
وأوضح أن البرهان يبحث عن حاضنة سياسية واجتماعية جديدة وهي مجموعة أحزاب وجماعات أيدته مؤخرا وبعضها من بقايا النظام السابق، لافتا إلى أن البرهان لا يستطيع تغيير الوثيقة الدستورية منفردا.
وأشار إبراهيم إلى أن الواقع السياسي الآن يرفض المفاوضة مع البرهان ولا يرغب إلا في الإطاحة بالبرهان والعسكر، إلا أن الدعم الدولي للبرهان وخلفيته العسكرية هو ما يؤخر ذلك.
ويرى محللون ان مديح الكيان الصهيوني يعني أن اسرائيل أعرف بأوضاع السودان الأمنية من أجهزة المخابرات السودانية نفسها، وعليه فهو هجاء غير مقصود لمنظومة الانقلاب الأمنية، كما أنه يطابق عمليا بين تعريفات إسرائيل التي نعرفها حول «الإرهاب» وهو تعريف يعاني منه الفلسطينيون في أنحاء العالم، وتعريفات الجنرال البرهان.
يريد البرهان أن يدحض تهمة "التنسيق السياسي" لقادة العسكر مع إسرائيل، لكنه يؤكد، من جهة أخرى، على عكس المراد منه، فهو يوثّق التزام قادة السودانيين العسكر بأجندة إسرائيل الأمنية، ويؤكد أن دعم تل أبيب المعلوم للانقلاب، يتجاوز التعاون الأمني والاستخباراتي.
مصداق هذا التأكيد هو قول البرهان "إن الإسرائيليين ليسوا أعداء السودان" وترجمته أن الإسرائيليين هم أصدقاء العسكر ضد الاحتجاجات الشعبية المناهضة لهم، وأن العسكر وإسرائيل متفقان على أن أعداء السودان هم السودانيون أنفسهم. يريد البرهان خداع الرأي العام السودان بتصريحاته حول المعلومات الأمنية ويدل على ان طبيعة هذه اللقاءات الأمنية هي من أجل التعرف على أساليب قمع الشعب السوداني لأن منظومته لم تنجح في ذلك ولهذا لجأوا إلى الصهاينة وهذا ما أثار غضب السودانيين كثيراً.