الوقت- استمراراً لجهود الحكومة العراقية لتحديث وتجهيز سلاحها الجوي، والتي بدأت في صيف عام 2020، أعلنت بغداد مؤخرًا عن شراء 12 طائرة مقاتلة باكستانية من طراز JF-17.
ويأتي ذلك في حين أن الأمريكيين عارضوا شراء الجيش العراقي لأي أسلحة غير أمريكية وأوروبية طوال سنوات ما بعد 2003، أي بعد احتلال العراق، ووعدوا بتجهيز قواته الجوية والبرية بالأسلحة الأمريكية.
مع ذلك، يبدو أن العراقيين قد سئموا وعود واشنطن، وتسعى الحكومة العراقية الآن بشكل صريح، كما في السنوات التي سبقت 2003، إلى تجهيز قواتها الجوية بما تسمى الأسلحة الشرقية وغير الأمريكية.
لا شك أن العرقلة التي تقوم بها الشركات الداعمة للمقاتلات الأمريكية وساسة البيت الأبيض، هي العامل الرئيسي في عزوف الحكومة العراقية عن الاعتماد على الأسلحة الأمريكية، وخاصةً في سلاح الجو.
ولإثبات هذه الحجة، يبدو من الضروري أولاً تقديم لمحة موجزة عن هيكل القوة الجوية العراقية، وتحديد الخطوط العريضة لانتقال هذا البلد إلى الأسلحة غير الأمريكية.
تاريخ القوات الجوية العراقية
تأسست القوة الجوية العراقية عام 1931، أي قبل عام من استقلال البلاد الكامل عن بريطانيا. ومنذ البداية، كان سلاح الجو العراقي أحد الفروع الرئيسية الثلاثة للجيش العراقي، ويعمل تحت رعاية هيئة الأركان العامة للجيش العراقي.
ومع ذلك، فإن القوات الجوية للجيش العراقي لم تكن نشطةً منذ عقود، وباستثناء حالات قليلة، مثل عام 1941 الذي تزامن مع الحرب العالمية الثانية، والهجوم والقصف على المواقع الكردية بقيادة الملا مصطفى بارزاني في الحرب الأهلية في الستينيات والسبعينيات، كان له نشاط ضئيل.
لكن في السنوات التي أعقبت بدء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1979، أصبحت القوات الجوية العراقية ذات أهمية متزايدة وشاركت في عمليات مختلفة خلال ثماني سنوات من الحرب.
وفقًا للتقارير الموجودة، كان لدى القوات الجوية العراقية نحو 500 طائرة مقاتلة قابلة للاستخدام وجاهزة للقتال على مر السنين الماضية، وجميعها تقريبًا صنعت في الصين والاتحاد السوفيتي، واستخدمت التكنولوجيا القديمة في الخمسينيات والستينيات. ومع ذلك، في عام 1990، كان لدى العراق عدد من المقاتلات الفرنسية أيضًا.
لكن، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، تم حل سلاح الجو فعليًا، إلا أن واشنطن وعدت بتنشيط هذا الجزء من الجيش العراقي وتجهيزه.
في الوقت نفسه، كان تدريب الطيارين العراقيين الشباب من خلال وجودهم في الولايات المتحدة على جدول الأعمال، وفي عام 2011 تم توقيع أول عقد لشراء طائرات مقاتلة من طراز F-16 مع بغداد.
خيبة أمل بغداد من الوعود الأمريكية الكاذبة، والتوجُّه إلى موسكو وإسلام أباد
طوال السنوات التي أعقبت عام 2003، ادعى الأمريكيون أن الاحتياجات العسكرية للعراق قد تمت تلبيتها، وعارضوا شراء بغداد الأسلحة من دول أخرى.
لكن الحكومة العراقية قيمت الخدمات الأمريكية على أنها غير كافية، ودعت إلى شراء أسلحة وإمدادات عسكرية من بائعين دوليين آخرين. والحقيقة أن إهمال وعدم كفاية الخدمات التي تقدمها الولايات المتحدة، دفع بالحكومة العراقية إلى الاعتقاد بأنه لا خيار أمامها سوى اتخاذ خطوة تجهيز الجيش بشراء الأسلحة من دول أخرى.
في هذه الأثناء، يمكن اعتبار أهم استدلال هو قضية شراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-16. اشترت القوات الجوية العراقية 36 طائرة مقاتلة من طراز إف -16 وايبر من صنع شركة لوكهيد مارتن من الولايات المتحدة بموجب عقد عسكري في عام 2011، لكن اثنتين من هذه المقاتلات فقدتا في الجولة الأولى من التدريب. أما المقاتلات الـ 34 المتبقية فقد تم تخصيصها بسرب الصيد التاسع في قاعدة بلد الجوية، على بعد 64 كم شمال بغداد.
منذ البداية، رفضت واشنطن تسليم المقاتلات في الوقت المحدد، ومن 2014 إلى 2017 تم تسليم 34 طائرة من طراز F-16 إلى العراق.
وبعد تسليم هذه المقاتلات، والذي أدى تأخر تسليمها إلى موجة من الاستياء في الحكومة العراقية، أضافت قضية الدعم الفني الذي تحتاجه تلك المقاتلات من قبل خبراء فنيين أمريكيين مشكلةً جديدةً للحكومة العراقية.
لكن الأدلة تشير إلى أنه من بين إجمالي 34 طائرة مقاتلة من طراز F-16 المتمركزة في قاعدة البلد، هناك ما لا يقل عن 10 طائرات غير قادرة على الطيران على الإطلاق. ومن بين المقاتلات الـ 24 المتبقية، ما يقرب من نصفها قادرة على الطيران فقط لكنها تفتقر إلى الرادار وإلكترونيات الطيران المناسبة. و 20 طائرة الأخرى القادرة على الطيران، خالية من الأسلحة المهمة مثل صواريخ جو - جو وجو - أرض.
في الواقع، لم تقدم شركة لوكهيد مارتن المصنعة لهذه المقاتلات دعمًا خاصًا وخدمات فنية للحكومة العراقية، وقررت شركة "سالي بورت" الأمريكية المتخصصة في حماية وصيانة مقاتلات قاعدة بلد الجوية، والتي تعاقدت معها وزارة الدفاع العراقية لصيانة المقاتلات، مغادرة قاعدة بلد الجوية مؤخرًا.
بعد تزايد إحباط الحكومة العراقية من الولايات المتحدة، في آب/أغسطس 2020، أعلنت الحكومة العراقية صراحةً رغبتها في شراء طائرات مقاتلة روسية.
ومن هذه الفترة فصاعداً، وضعت بغداد على جدول الأعمال شراء المقاتلة الروسية سوخوي 57، وهي أقوى مقاتلة روسية، ومقاتلة ميغ 29 المزودة بصواريخ جو - جو ورادار ذاتي التوجيه.
ثم نرى أيضًا أنه في 5 فبراير 2022، وقع العراق مؤخرًا اتفاقيةً مع باكستان لشراء عدد من مقاتلات JF-17 Block.
وحسب وزير الدفاع العراقي جمعة عناد، وقعت بغداد عقداً مع شركة باكستانية لشراء الطائرات، تم خلاله شراء 12 طائرة مقاتلة من طراز JF-17 بقيمة 664 مليون دولار.
قناعة بغداد بضرورة الانتقال من الاعتماد على الولايات المتحدة
قوبل توجُّه العراق لشراء أسلحة من روسيا والصين في الماضي بمعارضة صريحة من الولايات المتحدة، لكن يبدو أن سياسات واشنطن الملتوية ودعمها الضعيف لبغداد في مختلف الأزمات الأمنية، مثل صعود داعش، قد أوجد اليقين بين العراقيين بأن الفترة الانتقالية من الاعتماد على الجيش الأمريكي قد وصلت.
على المستوى الابتدائي، إضافة إلى موضوع الطائرات المقاتلة F-16، تواجه الحكومة العراقية العديد من النواقص والمشاكل في تلبية احتياجاتها في مجال الدفاع الصاروخي وأنظمة الهجوم الإستراتيجي، وكذلك في توفير الرادارات العسكرية.
وعلى مدى العقدين الماضيين، طالبت بغداد مرارًا بشراء أسلحة عسكرية متطورة، وخاصةً في مجال الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي، لكن في كل مرة تجاهلت واشنطن هذا الموضوع. هذا في وقت يبيع فيه الأمريكيون الأسلحة على نطاق واسع للکيان الصهيوني والدول الخليجية.
على صعيد آخر، أصبحت تصرفات الإدارة الأمريكية في العراق على مر السنين الماضية، حافزًا جديدًا للحكومة العراقية لتجاوز واشنطن وتنويع سوق أسلحتها.
التزمت حكومة الولايات المتحدة بتلبية الاحتياجات العسكرية للعراق منذ عام 2009 بموجب اتفاقية تعاون عسكري وأمني مع بغداد، ولکنها لم تفِ بالتزاماتها أبدًا من الناحية العملية، وقد ظهرت هذه الحقيقة جليةً خلال صعود تنظيم داعش الإرهابي.
کذلك، يمكن تقييم قضية أخرى مهمة تتعلق باستعداد بغداد لإعادة النظر في التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، فيما يتعلق بشرعية وتمكين الجماعات المعارضة للولايات المتحدة في هيكل الحكومة والسياسة العراقية.
في الواقع، أصبح الخطاب المعادي لأمريكا في السنوات الأخيرة هو الخطاب السياسي الأكثر شعبيةً في المجتمع العراقي، والآن تطالب معظم التيارات السياسية في البرلمان العراقي بجدية بإنهاء وجود القوات الأجنبية في العراق، وكان لهذا الأمر دور فعال في ميل بغداد لإنهاء الاعتماد على الأسلحة الأمريكية.