الوقت- في السنوات الأخيرة، وبعد النجاحات الميدانية لقوات المقاومة في محاربة الجماعات الإرهابية وتطهير معظم سوريا من الإرهابيين، هدأ الجانب العسكري للأزمة السورية، وستكون الحكومة المركزية صاحبة اليد العليا في المستقبل. في هذا النقاش، وضع اتجاه التغيرات الجيوسياسية في البيئة الإقليمية وجغرافيا الأزمة السورية الأكراد السوريين في موقف يضطرون فيه عاجلاً أم آجلاً إلى التحرك نحو حل المشاكل مع الحكومة المركزية، بمعنى آخر، مجبورون على خيار التعاون مع الحكومة المركزية. ورغم أنه قد لا يكون الخيار الأمثل للأكراد السوريين، إلا أنه بالتأكيد الخيار الأنسب لمواجهة التهديدات الأمنية وتحسين الأوضاع الاقتصادية وتحقيق بعض المطالب المشروعة في إطار الدستور. فيما يلي وصف التغيرات الجيوسياسية الإقليمية والداخلية التي تؤثر على وضع الأكراد بناءً على التطورات الأخيرة.
الخلافات الكردية والمشاكل الاقتصادية في شمال سوريا
من التحديات الكبرى التي تواجه قوات القسد (بمركزية حكم حزب الاتحاد الديمقراطي السوري أو حزب الاتحاد الديمقراطي) بصفتهما الحاكمين الفعليين لشمال سوريا في السنوات الأخيرة المشاكل الاقتصادية والاستبداد السياسي الذي أضر بشدة بشرعيتهم السياسية، وانتفض الكثير من العرب وبعض السكان الأكراد في مناطق سيطرة هذه المجموعة احتجاجا على ميليشيات قسد. على سبيل المثال، في أواخر كانون الثاني من العام الجاري، عقب مظاهرة في محافظة الرقة، قال "مضر حماد الأسعد" المتحدث باسم مجلس العشائر والقبائل السورية: "التظاهرات ضد قسد ليست قضية جديدة وهذه التظاهرات تظهر احتجاج الشعب ومعارضته ضد ممارسات قسد غير المشروعة ضدهم في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية".
وقال الأسد في تصريحات لـ "العربي الجديد": إن "قسد ترهب الأهالي وتهددهم وتفرض التجنيد الإجباري على السكان الخاضعين لسيطرتها وتجنيد القصر بالقوة وتهاجم منازل المدنيين في القرى والمدن كل يوم".
انتشرت موجة السخط، التي ستؤجج حتمًا الفتنة العرقية والطائفية في المنطقة، إلى جميع المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي مع تفاقم الوضع الاقتصادي في المنطقة بعد الخلاف بين القوات العراقية وإقليم كردستان العراق.
في السنوات الأخيرة، كان البيع والتهريب غير المشروع للنفط من المناطق الشمالية الشرقية من سوريا إلى تركيا أو كردستان العراق مصدر الدخل الرئيسي لميليشيات قسد، ونتيجة لذلك، عززوا سيطرتهم على المنطقة. وهكذا، في حين أن قطع الإيرادات الرئيسية للسلطة السياسية المستقلة للمناطق الشمالية من سوريا، كان دائمًا مصدر ذعر لهذه المليشيات المحلية وداعمها الأجنبي، الحكومة الأمريكية.
حيث في الأشهر الأخيرة، عقب تصاعد التوترات بين الأكراد السوريين والعراقيين، أغلق إقليم كردستان العراق حدوده مع شمال شرق سوريا، وقطعت نتيجة لذلك تجارة النفط التي تجلب عشرات الملايين من الدولارات شهريًا إلى الحكومة التي يقودها الأكراد.
وبدأ إغلاق المعابر الحدودية منتصف كانون الأول / ديسمبر 2021، بعد أن أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق عن إصابة عناصر من البشمركة الكردية العراقية في اشتباكات مع أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (PYD) بالقرب من معبر فيشخابور- سمالكا. وقد دفع إغلاق المعابر الحدودية قسد إلى تقليص واردات إنتاجها النفطي بشكل كبير.
تواجه المنطقة الكردية في شمال سوريا حاليًا مشاكل مثل نقص الغذاء والكهرباء ونقص الغذاء بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد. تم إغلاق معبر فيشخابور - سمالكا على نهر دجلة عدة مرات منذ عام 2013 بسبب الخلافات بين الجماعات الكردية السورية والعراقية. قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) تتهم أربيل بالتعاون مع عدوها الرئيسي تركيا.
ووقعت الاشتباكات الأخيرة أيضًا وسط احتجاجات طالب فيها مسلحو القسد بتسليم جثث أربعة مقاتلين أكراد سوريين من إقليم كردستان العراق قُتلوا في غارات جوية تركية. لكن في وقت سابق، دار الجدل الرئيسي حول مزاعم أربيل بأن عناصر حزب العمال الكردستاني لعبت دورًا في احتجاجات كسب الرزق للمواطنين الأكراد العراقيين ضد الفساد والصعوبات الاقتصادية في السنوات الأخيرة.
كما أدت التوترات مع أكراد العراق إلى توسيع الانقسام داخل القوى السياسية الكردية الرئيسية في شمال سوريا، حيث بدأت المحادثات بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والمجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل (ENKS) في النصف الأول من عام 2020. ولكن في صيف عام 2020 تم تعليق تلك المباحثات عندما اشتبكت قوات حكومة إقليم كردستان وحزب العمال الكردستاني في محافظة دهوك العراقية.
ضعف الموقف الأمريكي والدور الرئيسي للحكومة المركزية في تحديد مستقبل سوريا
على هذه الخلفية، تحولت التغيرات الإقليمية بشكل متزايد لصالح الحكومة المركزية وشرعيتها، ما أضعف الموقف التفاوضي الكردي السوري مع القوى الكبرى في المستقبل. أطلقت الجهود الإقليمية والدولية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق رصاصة الرحمة على الخطط الطموحة المتشددة لسياسات واشنطن في سوريا. ومع ذلك، تحاول الولايات المتحدة المساعدة في بدء المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، فضلاً عن تهدئة التوترات بين الميليشيات الكردية في سوريا وأربيل (إعادة فتح المعابر الحدودية وإعادة ضخ دولارات النفط في على الحدود) مقابل محور روسيا وإيران والحكومة المركزية السورية، لكن استعادة الشرعية الدولية لدمشق جعلت أي مشروع انفصالي تقريبًا في سوريا مستحيلًا.
في خضم هذا التطور الإقليمي المهم، أصبح ضعف الوجود العسكري الأمريكي في سوريا وبدء عملية الانسحاب العسكري من العراق، إلى جانب الشكوك بشأن استراتيجية الحكومة الأمريكية لوجود طويل الأمد في المنطقة، خاصة مع انسحاب عسكري مفاجئ من أفغانستان، فإن النزاعات في منطقة غرب آسيا أدت إلى إضعاف موقف الأكراد السوريين ضد خصومهم وعدوهم الدائم تركيا. ويدل على ذلك تصاعد المواجهات العسكرية مع القوات الأمريكية في سوريا.
وفي عام 2020، وقعت مناوشتان بين القوات الروسية ودوريات عسكرية أمريكية شمال شرقي سوريا أسفرت عن إصابة أربعة جنود أمريكيين. وخلال عام 2021، أطلقت المقاومة ثلاث مرات على الأقل صواريخ وطائرات مسيرة على مواقع عسكرية استراتيجية أمريكية في سوريا، آخرها في كانون الأول 2021.
مع تضاؤل قوة الدور الأمريكي، تحاول موسكو بشكل متزايد ترسيخ نفسها كوسيط بين الأحزاب والضامن للوضع الراهن، وتقوية علاقاتها مع القادة الأكراد السوريين. لكن الحقيقة هي أن دمشق لم تعد تعتبر نفسها ملتزمة بآراء موسكو بشأن مصالحها الاستراتيجية المحددة، وتتخذ موقفاً وقرارًا على أساس المصالح الوطنية، كما في أكتوبر 2019، في نفس اليوم الذي التقى فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ببوتين. ناقشوا اتفاق وقف إطلاق النار في شمال سوريا، ودعا الأسد إلى مؤتمر متلفز وصف فيه أردوغان بـ "عبد" الولايات المتحدة و "اللص الذي سرق المصانع والقمح والنفط بالتعاون مع داعش". يبدو أن هذا الموقف يعني بطبيعة الحال محاولة دمشق تقويض اتفاق بوتين - أردوغان بشأن السيطرة التركية على الشريط الحدودي في شمال سوريا.
وبالتالي، فإن وجهة نظر الحكومة بأن أي وجود تركي في شمال سوريا سيكون احتلالًا أجنبيًا يخدم مصالح الأكراد السوريين في مواجهة تهديد خطة تركيا طويلة المدى لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة.