الوقت - بعد الانتخابات البرلمانية الرابعة في 2018، وعشية انتخاب رئيس عراقي جديد، بلغت الانقسامات بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، ذروتها.
قبل الجلسة البرلمانية الأولى في 9 كانون الثاني (يناير) 2022، بدا أن الأكراد سيكون لهم موقف موحد في بغداد بعد لقاء زعيم حزب الاتحاد بافل طالباني وزعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني.
لكن الخلافات بين الحزبين تصاعدت إلى أعلى مستوى ممكن منذ جلسة البرلمان التي انتخب فيها رئيس المجلس ونائباه بقرارات مثيرة للجدل.
أساس القصة هي أنه خلافًا لتوقعات الحزب الديمقراطي، لم يحضر أعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني الاجتماع للتصويت للمرشحين لتولي منصب رئاسة البرلمان، أحدهم شخوان عبد الله من الحزب الديمقراطي، وخرجوا من البرلمان. وبعد هذا الحدث، قدم الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما في عام 2018، مرشحه لتولي رئاسة قصر السلام.
ويشكل هذا الاتجاه بشکل عام الآن تحديًا كبيرًا وغير مسبوق للبيت الكردي، والذي يمكن أن يكون له تأثير كبير على المعادلات الداخلية للإقليم.
تنافس زيباري وصالح بين قائمة طويلة من المرشحين
منذ بداية عام 2005، عندما تم تشكيل أول حكومة عراقية بعد الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق، كان الاتحاد الوطني الكردستاني يتولى منصب رئاسة العراق تقليديًا.
وفي الدورتين الأوليين، شغل جلال الطالباني، السياسي الكردي البارز، هذا المنصب كزعيم للاتحاد الوطني الكردستاني. واستند اتفاق بارزاني - طالباني على تولي الحزب الديمقراطي رئاسة الإقليم وتولي حزب الاتحاد الوطني رئاسة العراق.
لكن بعد انعزال جلال الطالباني وموته لاحقًا، انهار أيضًا الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان، مما أدى إلى تنافس کبير بين الطرفين للفوز برئاسة قصر السلام في عام 2018.
وفي هذه الفترة، نجح حزب الاتحاد الوطني، بدعم الأحزاب العراقية، في تعيين برهم صالح رئيسًا جديدًا للعراق، وحصل على الأصوات اللازمة في مجلس النواب. لكن في الوقت الحالي، يبدو أن الوضع قد تغير كثيرًا، وأصبح للحزب الديمقراطي اليد العليا في تقديم وانتخاب الرئيس.
وهكذا نرى الآن أن الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي يعارض بشكل كامل إعادة انتخاب برهم صالح. وفي المقابل، رشَّح هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق ووزير المالية، ممثلاً عنه لتولي رئاسة قصر السلام.
وعلاوةً على ذلك، يوجد إجماع في حزب الاتحاد الوطني على ترشح أكيد لـ "برهم صالح". ونتيجةً لذلك، تم ترشيح لطيف رشيد، القيادي البارز في الحزب الذي شغل منصب وزير في الحكومات العراقية السابقة، ليكون الممثل الآخر للحزب.
وعلى الرغم من أن التنافس الرئيسي سيكون بين حزب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، ولکن ثمة قائمة طويلة(بما في ذلك 23 شخصاً) من الشخصيات المستقلة قد رشحت نفسها لهذا المنصب، ومن بينهم أشخاص مثل روزكار أمين، قاضي صدام حسين، وشيلان فؤاد كأول امرأة تترشح لهذا المنصب.
تشير جميع الحقائق على الأرض إلى أن الممثلين المستقلين ستكون لديهم فرص أقل لتولي الرئاسة، وبالتأكيد سيتولى أحد ممثلي الحزب الديمقراطي أو حزب الاتحاد الوطني رئاسة قصر السلام.
وعلی الرغم من أنه من المحتمل أن يتوصل حزب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي إلى اتفاق بشأن تقسيم مناصب رئاسة الجمهورية ونائب رئيس الوزراء ومحافظ كركوك قبل جلسة مجلس النواب بشأن المصالحة، ويحضرا جلسة البرلمان بمرشح منتخب، لكن في حال عدم التوافق، يبدو أن تنافساً كبيراً سيحدث بين الجانبين.
لعبة خاسر-خاسر بالنسبة للاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي
في ظاهر الأمر، واستناداً إلى قواعد العلوم السياسية، يبدو أن الحزبين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، سيدخلان لعبةً محصلتها صفر في حال حدوث تنافس بينهما على الرئاسة العراقية. بمعنی أن انتصار أحدهما سيعني هزيمة الآخر.
وبحسب هذه القاعدة، إذا تم انتخاب هوشيار زيباري، فإن ظاهر الأمر يشير إلى أن الحزب الديمقراطي قد تغلب على الحزب المنافس علی قاعدة الأغلبية-الأقلية، وبالإضافة إلى المناصب السياسية الداخلية لإقليم كردستان، سيحقق الهيمنة في بغداد أيضًا.
لکن أساس مثل هذه القاعدة لا يتوافق مع الحقائق الميدانية بأي شكل من الأشكال، ويمكن أن يلحق ضرراً كبيراً بالشؤون الداخلية لإقليم كردستان.
حقيقة الأمر أنه منذ عام 1991، عندما تم تشكيل حكومة إقليم كردستان المستقلة، ساد منطق الاتفاق وليس الأغلبية-الأقلية في الشؤون السياسية لهذه المنطقة.
بمعنی أنه بغض النظر عن عدد الأصوات الانتخابية، فإن الحزبين، الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، بوصفهما تيارين رئيسيين للسلطة، قد قسما بينهما المناصب الإدارية والسياسية وحتى الموازنة.
في الأساس، لا يمكن التحدث عن حكم الأغلبية والأقلية في حال يكون فيها الحزبان، الاتحاد الوطني والاتحاد الديمقراطي، في وضع مماثل نسبيًا من حيث الأبعاد العسكرية والسياسية والإدارية.
ولذلك، يبدو أن شمولية بارزاني والحزب الديمقراطي في بغداد وأربيل للقضاء على الاتحاد الوطني الكردستاني، يمكن أن تقود قادة هذا الحزب إلى فصل المنطقة الخضراء، أو نفس المحافظات الخاضعة لسيطرته، وهي السليمانية وحلبجة، من حكومة الإقليم.
كما أن تعميق ضغط الحزب الديمقراطي على حزب الاتحاد الوطني يمكن أن يمهد الطريق لإنهاء الاتفاق التقليدي بين الحزبين، لإدارة الشؤون السياسية المتعلقة بالأكراد في العراق.