الوقت - عادت الاضطرابات السياسية في العلاقات السعودية اللبنانية، التي خفت حدتها لفترة وجيزة مع استقالة وزير الإعلام السابق جورج قرداحي إثر ضغوط الرياض السياسية على حكومة نجيب ميقاتي، إلى الظهور مرة أخرى خلال الأيام الأخيرة، لتخيم على علاقات البلدين وهو ما يؤكد فشل المحاولات الدبلوماسية العلنية والسرية لنزع فتيل التوترات.
فبعد ان اعتبر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في كلمة بمناسبة الذكرى الثانية لاستشهاد الشهيد الجنرال الحاج قاسم سليماني، إرسال النظام السعودي الإرهابيين التكفيريين إلى العراق واشعال الحرب اليمنية "مثالاً بارزا للعمل الإرهابي" وذلك رداً على تصريحات الملك السعودي التدخلية ووصفه الحزب بالجماعة الإرهابية، قوبل هذا الموقف بردود فعل متباينة على الساحة اللبنانية الداخلية.
كانت بعض ردود الفعل ، ولا سيما من المسؤولين في الحكومتين اللبنانية الحالية والسابقة ، بشكل وكأن مواقف الأمين العام لحزب الله هي التي تعطل مسار التهدئة مع السعودية، وبالتالي تعرض مصالح لبنان للخطر في الأزمة الاقتصادية الحالية.
حيث أشار رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الى أن تصريحات الأمين العام لحزب الله لا تمثل موقف الحكومة اللبنانية وقال، بالله عليكم ارحموا لبنان واللبنانيين وأوقفوا الشحن السياسي والطائفي البغيض.
وبعد انتقادات ميقاتي ، أصدر وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي قراراً بجمع أي صور ولافتات معادية للسعودية في بعض شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، وحث المواطنين اللبنانيين على إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية وتجنيب البلاد عواقب الاساءة للأشقاء العرب.
لكن هذه الانتقادات والاسقاطات من قبل المسؤولين اللبنانيين تأتي في وقت يكشف فيه البحث في جذور التوترات الأخيرة بين لبنان والسعودية حقيقة أن الرياض ليست فقط عاملاً رئيسياً في خلق التوترات وإدامتها، بل لن ينجح أي تسامح وجهود دبلوماسية لنزع فتيل التوتر من جانب بيروت طالما لم يحدث تغيير كبير في النهج السعودي تجاه التطورات في لبنان.
أهداف السعودية
رغم جهود لبنان لحل الأزمة ، فإن استمرار هذا الوضع يشير إلى أن للسعودية أهداف محددة تتمثل في برود العلاقات بين البلدين دون الوصول إلى مستوى من الهدوء. تسعى السعودية إلى الاستفادة من الأوضاع في بيروت في المقام الأول من خلال استمرار الأزمة ، وخلق ضغوط اقتصادية وسياسية على بيروت ، وزيادة دورها في البلاد من خلال التدخل في الانتخابات المقبلة وتشكيل الحكومة التي ترغب بها.
كما يسعى حكام السعودية للحد من قوة حزب الله لإجبار لبنان على التوافق مع السياسات اللبنانية. وفي هذا الصدد ، أصبحت السعودية الآن أكثر تركيزا على سياسة افتعال الأزمات في لبنان وتسعى لتغيير المناخ السياسي اللبناني ضد تيار ميشال عون وحزب الله في لبنان لصالحها، من خلال استمرار عدم الاستقرار في البلاد ، لتتمكن عبر هذا الامر من الضغط على حزب الله واحتوائه.
إضافة إلى ذلك ، أزعج التماهي الامريكي الفرنسي النسبي لتولي نجيب ميقاتي السلطة محمد ابن سلمان، وبالتالي يحاول استخدام أدواته الدبلوماسية لزعزعة الحكومة اللبنانية. والواقع أن السعودية ، إدراكاً منها لحساسية الوضع في لبنان في ظل المشاكل الاقتصادية وأزمة الوقود والكهرباء والحرمان من المساعدات الدولية ، تعتزم تحقيق أهدافها بتفعيل الاداة الاقتصادية في وقت يرتبط فيع لبنان بالسعودية نفطياً. ومن ناحية أخرى سيؤدي قطع الواردات اللبنانية إلى خسارة هذا البلد حوالي 300 مليون دولار من الإيرادات التي يجنيها من خلال ذلك لأن السعودية مصدر 10٪ من بضائع لبنان.
ومن أجل تطبيق نهج افتعال الأزمات تجاه لبنان ، تحاول السعودية تقديم حزب الله كمنظمة إرهابية لتحقيق نوع من الإجماع الإقليمي والدولي ضده ، وفي هذا الصدد ، اصدرت السلطات الأمنية السعودية بياناً وصنفت مؤسسة القرض الحسن المالية اللبنانية التابعة لحزب الله بالارهابية، وقالت "إن هذه المؤسسة تؤمن ميزانية حزب الله وتموله لدعم أهداف عسكرية"، مضيفة أن السعودية وضعت المؤسسة على قائمتها الإرهابية.
إن هذا الاجراء الذي قامت به السعودية هو في الواقع بمثابة تصنيف جزء من الحكومة اللبنانية بالارهاب، بينما حارب حزب الله في أوقات مختلفة في أجزاء من لبنان وسوريا هؤلاء الذين تم تصنيفهم إرهابيين دوليا وكانت السعودية تقدم دائما الدعم المالي لهم.
لذلك ردا على تلك الاتهامات قال السيد نصرالله، ان “الإرهابي هو انتم الذين ارسلتم الانتحاريين وداعش الى العراق”، الإرهابي هو الذي يشن حرب على اليمن منذ سبع سنوات، والإرهابي هو الذي يحتجز آلاف اللبنانيين في الخليج رهينة يهدد بهم لبنان كل يوم”، واكد “نحن لم نعتد ولم نهاجم السعودية بل هي كانت شريكة في الحرب الكونية على المنطقة”.
عواقب مناسبة للسعودية
إن الضغط الاقتصادي والدبلوماسي ، إلى جانب الفبركة الإعلامية لدور حزب الله وإيران في لبنان ، يحاول توجيه الرأي العام اللبناني ضد المقاومة من أجل زيادة المعارضة الشعبية في هذا الاتجاه. وفي مثل هذه الظروف، إذا حققت السعودية أهدافها في تطبيق هذا النهج، فستكون قادرة على تغيير ميزان القوى في المشهد اللبناني لصالحها من خلال العمل بنشاط في هذا البلد وسيسمح كلياً للسعودية بلعب دور أكبر من حجمها في تطورات غرب آسيا.