الوقت – قالت مجلة ‘‘لوبوان’’ الفرنسية إنه بعد عام على تطبيع العلاقات بين المغرب واسرائيل، يبدأ الجانبان تعاونًا أمنيًا غير مسبوق، في مواجهة “التحديات” التي تفرضها الجزائر.
وأوضحت المجلة الفرنسية أن أحد عشر شهرا هي المهلة التي استغرقتها إسرائيل لإقامة علاقة أوثق مع المغرب أكثر من أي دولة عربية أخرى. فبعد أقل من عام على توقيع اتفاقيات التطبيع بين الدولة العبرية والمملكة المغربية، قام بيني غانتس بزيارة إلى الرباط في يوم الـ24 نوفمبر، في أول زيارة رسمية لوزير دفاع إسرائيلي إلى دولة عربية.
ومضت “لوبوان” إلى التذكير أنه منذ القدم شكلت الجالية اليهودية المغربية التي يبلغ عددها حوالي ثلاثة آلاف شخص، أكبر جالية يهودية في شمال إفريقيا وزرعت علاقات وثيقة وطبيعية مع الدولة العبرية. وبحسب بيني غانتس فإن تل أبيب لم تطبع علاقاتها مع الرباط في الواقع، بل أعادت إقامة روابط تاريخية قوية جدًا استنادًا إلى حقيقة أن الجالية اليهودية في المغرب كانت دائمًا محمية من قبل الملك السابق الحسن الثاني والقيادة الملكية الحالية محمد السادس.
وتابعت “لوبوان” القول إن زيارة بيني غانتس إلى الرباط، التي وصفتها إسرائيل بأنها “تاريخية”، جعلت من الممكن إضفاء الطابع الرسمي على التعاون الأمني بين البلدين. وختمت بمذكرة تفاهم موقعة بين وزير الدفاع الإسرائيلي ونظيره المغربي عبد اللطيف لوديي.
وتنص الوثيقة على إنشاء لجنة مشتركة تهدف إلى زيادة التبادلات في جميع المجالات المتعلقة بالدفاع: الاستخبارات، والصناعة، والأمن السيبراني، والتدريب العسكري، والتمارين المشتركة، وتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا، كما أن المملكة قد استحوذت على أنظمة الدفاع الجوي Barak 8، التي طورتها شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية ومنظمة البحث والتطوير الدفاعية الهندية.
كما أفادت وسائل إعلام بأن المغرب وإسرائيل يستعدان لبناء مصنعين للطائرات بدون طيار في أحدهما سيتم إنشائه في شمال شرق وجنوب المغرب.
وقالت مصادر رسمية مغربية وإسرائيلية لـ”شيبارد ميديا” إن بناء المصنعين جاء وفقا لاتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين في 24 من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.
وأضافت المصادر إنه من المحتمل أن يتم بناء المصنعين في المناطق الشمالية الشرقية والجنوبية للمملكة. مشيرة إلى أن الطائرات المسيرة المنتجة ستكون “مغربية الصنع وستقوم بضربات هجومية وجمع معلومات استخبارية”.
وفي السياق، رأى الأكاديمي والمختص بشؤون القدس جمال عمرو، والذي يتابع تطورات العلاقات العربية الإسرائيلية بعد التطبيع، إن الاتفاقيات اليوم أصبحت تطويعا وليس تطبيعا. بمعنى أن الاحتلال يسعى لكسر كل شيء رمزي كان يقف مع القضية الفلسطينية. بعدما استطاع الاحتلال توقيع أكبر اتفاقيتي سلام مع دول الطوق؛ مصر والأردن.
ويقول عمرو إن الاحتلال من خلال زيارة وزير جيشه إلى المغرب وتوقيع الاتفاقية الأمنية الجديدة. وحضوره صلاة في كنيس يهودي، يريد توظيفا اجتماعيا ودينيا وعسكريا ضد بلد عربي مجاور هو الجزائر. خاصة أن الاحتلال أصبح اليوم يدعم المغرب في ملف الصحراء المتنازع عليها مع الجزائر، وفق عمرو. وكأنه يريد اللعب على ملف الخلافات العربية الداخلية ليخرج منها منتصرا. كما حدث في ترك مساحة متنازع عليها بين الكويت والعراق، والتي أدت إلى الحرب على العراق وإسقاط الدولة العراقية فيما بعد. وهو ما يستخدمه الاحتلال ضد الجزائر اليوم، بوقوفه مع المغرب.
وقال اللواء المصري سمير راغب المحلل في الشؤون العسكرية، “ربما كان الخلاف الجزائري – المغربي، في إطار التصعيد الخطابي والتوتر الدبلوماسي، مع وقوع بعض الحوادث التي من الممكن احتواؤها، ما بعد الخطوات المغربية تجاه إسرائيل يصبح الموضوع مسألة صدام معسكرات، معسكر المقاومة مقابل معسكر الاستقواء بعدو المقاومة، وفتح جبهة جديدة للوجود الإسرائيلي في المغرب العربي، لتنقل حالة التصعيد من السؤال حول احتمالية الصدام، إلى متى سيحدث وكم سيستمر وما هو حجم الخسائر المتوقعة، وكيف سيكون شكل المنطقة ما بعده”.
وأردف “هذا الصراع لا نتمناه، كما لم نتمن أن يخطو المغرب هذه الخطوة غير المقبولة وغير المبررة التي سيترتب عليها خسائر للمغرب أكبر من المنافع التي يمكن أن يحصل عليها من هذه المعاهدة”.
وأشار إلى أنه “من الوهم أن يتخيل نظام أن هناك منافع من علاقات عسكرية وأمنية واستخباراتية لدولة عربية مع إسرائيل”.
وأضاف: “أول الخسائر هو اصطفاف الشارع العربي ضد هذه الخطوة من ناحية و لدعم الجزائر المقاوم من ناحية أخرى، كذلك الحرج الذي سوف يحدث للدول العربية الصديقة للمغرب، نتيجة هذا التحول في ثوابت العلاقات الإقليمية”.
تسعى الرباط إلى تعزيز الوجود العسكري للكيان الإسرائيلي على حدود الجزائر بعد معركة دبلوماسية شرسة خاضتها الجزائر بالتعاون مع قوى مؤثرة داخل الاتحاد الإفريقي وعلى رأسها دولة جنوب إفريقيا لمنع حصول العدو الإسرائيلي على “عضوية مراقب” داخل الاتحاد الإفريقي، بينما يسعى نظام المخزن في الجهة المقابلة إلى منح هذه العضوية لقتلة الأطفال والنساء والمدنيين في فلسطين المحتلة.
وبناء على هذه الوقائع، لا يستبعد الملاحظون بأن الجزائر هي المستهدفة بهذه التحركات الصهيونية الاستفزازية على حدودها الغربية في إطار الضغوط التي يمارسها نظام المخزن للتأثير على موقفها الثابت والمبدئي والمؤيد للشعب الصحراوي في ممارسة حقه في تقرير المصير والتي سجلت حزمة مواقف لصالح فلسطين، رداً على محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وإيجاد موطئ قدم لـ ”اسرائيل” على الحدود مع الجزائر وشمالي إفريقيا، عبر التطبيع مع المغرب، حيث استقبلت الجزائر بحفاوة كبيرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، واعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عن اعتزام بلاده استضافة مؤتمر “جامع” للفصائل الفلسطينية قريبا، كما كشف تبون أيضا أن بلاده قررت منح شيك بـ 100 مليون دولار لدولة فلسطين، كما أعلن تخصيص 300 منحة دراسية في الجامعات الجزائرية لطلاب فلسطينيين.
ان الموقف الجزائري الرسمي والشعبي، جاء ليؤكد على أن الجزائر، ستبقى عصية ومحرمة على الاختراق “الاسرائيلي”، الذي يُعتبر الهدف الاول والاخير من وراء كل محاولات الكيان الاسرائيلي، التغلغل في المنطقة، وان رسالة هذا الموقف، ستصل عاجلا ام آجلا، الى جميع الشعوب العربية، ومفادها ان فلسطين ستبقى في قلوب وعقول الشعوب العربية والاسلامية والحرة في العالم، وان محاولات بعض الانظمة العربية الرجعية والدائرة في الفلك الامريكي، لتصفية القضية الفلسطينية وحذفها من ذاكرة الشعوب، ستبوء بالفشل، بفضل الموقف المشرفة لبلدان مثل الجزائر، ومحور المقاومة، الذين مازالوا يعتبرون القضية الفلسطينية ، هي قضية العرب والمسلمين الاولى، رغم كل محاولات المحور الامريكي الاسرائيلي العربي الرجعي.
بينما يصبح المغرب ألعوبة بيد الكيان الصهيوني يوماً بعد يوم نتيجة التقرب من عدو الأمة الذي يحاول استغلال الخلاف المغربي الجزائري، لكن مثل هذه التحركات لا يمكن أن تجبر الجزائر على تبديل مواقفها الراسخة، وسيكون الخاسر في هذه اللعبة هو المغرب الذي يتلاعب باستقلال وأمن وسيادة بلاده من خلال السماح لإسرائيل بالتغلغل في المنطقة.