الوقت - بعد أقل من أسبوع من الوساطة الفرنسية لتحسين العلاقات بين لبنان والسعودية والدول الخليجية الأخرى، ظهرت ذريعة جديدة لتصعيد التوترات بين بيروت وتلك الدول.
هذه المرة، دخلت السلطات البحرينية خط الأزمة في العلاقات بين لبنان والدول الخليجية، وأطلقت حملةً جديدةً مناهضةً للبنان في بيروت بحجة عقد مؤتمر صحفي بحضور شخصيات معارضة بحرينية.
وفي هذا الصدد، يرى الخبراء أن الحجة الجديدة للدول الخليجية لتصعيد التوترات مع لبنان بعد مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحل الأزمة، ليست عاديةً.
بعد الوساطة الفرنسية في حل أزمة العلاقات اللبنانية السعودية، وكذلك زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الدول الخليجية، كان المسؤولون اللبنانيون يأملون أن تفتح هذه الدول نافذة العلاقات مع بيروت.
بالطبع، تُظهر التصريحات والبيانات التي أُدلي بها بشأن لبنان خلال زيارة ابن سلمان للدول الخليجية أن هذه الدول، إلى جانب السعودية، لا تنوي فتح العلاقات بسهولة مع لبنان، واستئناف هذه العلاقات مشروط بتلبية مطالبهم.
بعد شكوى البحرين ضد لبنان لإهانة نظام آل خليفة وإمكانية حدوث توتر جديد في علاقات بيروت مع العواصم الخليجية الأخرى، تبرز عدة أسئلة مهمة، منها ما هو الموقف الحقيقي للدول الخليجية تجاه لبنان؟ وما هو موقع لبنان بين هذه الدول؟ وهل يمكن لشكوى المنامة أن تعيد كل شيء إلى الصفر وتحبط المبادرة الفرنسية؟
هنا لا بد من الالتفات إلى زمان ومكان شكوى المنامة الجديدة ضد بيروت، الأمر الذي أثار الكثير من الشكوك حول هذا الإجراء المشبوه.
ومن المثير للاهتمام أن شكوى البحرين ضد لبنان جاءت بعد ساعات فقط من وصول محمد بن سلمان إلى المنامة، بينما قبل وصوله إلی البحرين، أصدر محمد بن سلمان خلال زياراته إلى قطر وعمان والكويت والإمارات، بيانات شاملة عن لبنان ومساعدات مشروطة لهذا البلد.
وعليه، يحذر البعض من احتمال وجود تواطؤ سعودي ـ بحريني لخلق أزمة جديدة معادية للبنان، وتقاسم دور الشرطة الجيدة والسيئة بين الرياض والمنامة في هذا الصدد.
زيارة ولي العهد السعودي للدول الخليجية بعد إعلان المبادرة الفرنسية، وكذلك المحادثات الثلاثية بين محمد بن سلمان وإيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، قادت المسؤولين اللبنانيين إلى الاعتقاد بأن الملف اللبناني مهم لمحمد بن سلمان، وأنه سيتحدث في العواصم الخليجية المختلفة عن مبادرة لتحسين العلاقات مع لبنان.
وعلى الرغم من عدم وجود أي مؤشر على تغيير في نهج السعودية تجاه لبنان، ارتفعت توقعات المسؤولين اللبنانيين لدرجة أنهم تحدثوا عن احتمال قيام المسؤولين السعوديين بدعوة نجيب ميقاتي لزيارة السعودية.
لكن الأدلة تشير إلى أن المبادرات لتحسين العلاقات بين بيروت والرياض، وكذلك البيان الفرنسي السعودي المشترك، ما زالت مطروحةً على الطاولة حتى الآن. كما أن المسؤولين اللبنانيين غير قادرين حتى على إزالة عقبات عقد اجتماع حكومي حتى کتابة هذه السطور.
وهنا نشير إلى الأحداث الأخيرة في لبنان؛ حيث يرى العديد من الخبراء أن الأزمة الأخيرة التي افتعلتها المنامة، هي ذريعة لمواصلة الحملة العدائية للدول الخليجية ضد لبنان.
ويحذر الخبراء من تكرار السيناريو السعودي ضد لبنان، بذريعة تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي الذي انتقد الحرب اليمنية، لأن ما يحدث الآن من قبل البحرين ضد لبنان يشبه إلى حد بعيد مواقف السعودية أثناء الأزمة مع لبنان.
فمثلما لم يكن جورج قرداحي أول من انتقد الحرب اليمنية ووصفها بأنها عبثية، فإن المؤتمر الأخير حول البحرين في بيروت ليس الأول من نوعه أيضًا. حيث إن جمعية الوفاق البحرينية، إضافة إلى العديد من المجموعات الأخرى المعارضة لنظام آل خليفة، قد عقدت العديد من المؤتمرات والندوات في بيروت في السنوات الأخيرة، مع مقاربة نقدية لنظام آل خليفة في البحرين.
إضافة إلى ذلك، تعقد دوائر حقوقية مختلفة حول العالم مؤتمرات مختلفة كل عام لإدانة السياسات القمعية لنظام آل خليفة وجرائمه بحق المواطنين البحرينيين، لكن لم يكن هناك أي رد فعل من المنامة على هذه المؤتمرات.
تثير هذه الضجة البحرينية غير المسبوقة ضد لبنان الكثير من الشكوك حول وجود مشروع مشترك من قبل الدول العربية للضغط على لبنان بأي شكل من الأشكال.
فبينما ادعت السعودية والدول الخليجية الأخرى أنها وضعت قواعد جديدة في علاقاتها مع لبنان، لكن يبدو أن هذه العلاقات من جانب واحد تمامًا، وتتصرف الدول الخليجية وكأنها لا تسمح لأي طرف أو شخصية لبنانية بالتعبير عن أي موقف مخالف بأي شكل من الأشكال ضد الدول العربية، وإلا فسيتعين على كل لبنان دفع الثمن.
يری العديد من المراقبين أنه بينما اعتقدت بعض الأطراف اللبنانية أنه بعد استقالة جورج قرداحي، فإن علاقات لبنان مع الدول الخليجية ستصل إلى أعلى مستوى ممكن، وأن للسعودية الحق في الشكوى من تصريحات جورج قرداحي، لكننا نرى أن هذا الحادث كان له أثر عكسي وجعل الدول المذكورة أكثر جرأةً ضد لبنان من ذي قبل، بحيث إنه في المرحلة المقبلة، يجب أن نترقب أعذاراً جديدةً من الدول الخليجية لإحداث أزمة مع لبنان.
في الواقع، في ضوء هذه الظروف، وكذلك المواقف التي تتخذها السلطات اللبنانية، إذا أراد لبنان على الأقل منع تصعيد التوترات مع الدول المذكورة، فيجب أن يخضع لشروطها بالكامل ويفقد بعضًا من استقلاليته.
وفي هذا السياق، خلال شكوى البحرين ضد لبنان، تحرك نجيب ميقاتي على الفور، كما في ملف جورج قرداحي، وأدان المؤتمر الذي اتَّسم بطابع انتقادي تجاه المنامة.
ومع ذلك، يعتقد الخبراء في الشؤون الإقليمية أن العلاقات بين لبنان والدول الخليجية ستبقى بالتأكيد متأزمةً في المرحلة المقبلة، والمبادرات التي قدمتها فرنسا والسعودية لحل الأزمة، هي ببساطة للتظاهر بأن الرياض اتخذت خطوات لتحسين العلاقات مع لبنان بعد استقالة قرداحي.
وعليه، فإن العلاقات بين السعودية والدول الخليجية الأخرى لن تعود إلى طبيعتها، على الأقل حتى الانتخابات النيابية اللبنانية.
وتشير الدلائل إلى أن هذه الدول راهنت على تغييرات جذرية في المعادلة السياسية اللبنانية قبل الانتخابات النيابية اللبنانية، وأجَّلت إعلان موقفها الرسمي من لبنان إلى مرحلة ما بعد إعلان نتائج الانتخابات.