الوقت- 34 عاما مروا على ذكرى تأسيس حماس، استطاعت خلالهم الحركة، أن تثبت وجودها وأن تردع الاحتلال الاسرائيلي بكل الوسائل المتاحة، ولم تكون هذه الحركة عابرة أو شكلية، وإنما حركة متجذرة في وجدان الفلسطينيين لأنها منهم وتعمل ليل نهار من أجل رفع الظلم عنهم، وقدمت آلاف الشهداء فداءاً لفلسطين ووحدتها، ولا تزال تقاتل لفك الحصار عن غزة وإخراج أسراها من سجون الاحتلال.
يوم الجمعة كانت ذكرى التأسيس، وقد شارك آلاف من أنصار حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في تظاهرات نظمتها الحركة في قطاع غزة بمناسبة الذكرى السنوية 34 لانطلاقتها، وخرجت التظاهرات في مناطق مختلفة من قطاع غزة عقب أداء صلاة الجمعة ورفع المشاركون فيها رايات الحركة الخضراء والأعلام الفلسطينية.
وتوعد القيادي في حماس مشير المصري خلال تظاهرة للحركة في شمال قطاع غزة، بأن الحركة "ذاهبة لكل الخيارات لكسر الحصار الإسرائيلي عن القطاع" المفروض منذ منتصف عام 2007.
التضييق على سكان غزة لا يزال قائماً، ولكن المقاومة لم ولن تتخلى عن حاضنتها الشعبية، وهي ماضية في طريق الجهاد والمقاومة بكل أشكالها.
لاشك بأن التطبيع مع العدو الصهيوني من قبل بعض الانظمة العربية، ساهم في زيادة الضغط على الفلسطينيين، ولكن الحركة لم تستسلم لكل أنواع الضغوط هذه، ولا تزال ماضية في مقاومتها وتعمل المستحيل لردع الاحتلال ومنعه من دخول القطاع أو التفكير حتى بشن حرب على غزة، لأن كيان العدو يعلم أن الرد سيكون قاسٍ.
لمن لا يعلم الحركة هي جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة، وفي باقي مجالات الحياة.
تأسست "حماس" في ال 14 من كانون الأول، من عام 1987، على يد مجموعة من قادة جماعة "الإخوان المسلمين" في قطاع غزة، أبرزهم الشيخ أحمد ياسين الذي اغتالته إسرائيل في آذار عام 2004.
وتزامنت انطلاقة الحركة مع بداية اندلاع أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى، المعروفة باسم "انتفاضة الحجارة" في ال 9 من كانون الأول 1987.
حققت الحركة انجازات عديدة سواء على المستوى العسكري او المدني، وحول وجود حماس وفعاليتها في الضفة الغربية والقدس.
وطوال العقود الثلاثة الماضية خاضت حماس الكثير من الحروب والمواجهات المباشرة مع الاحتلال الاسرائيلي استطاعت عبرها ان تخلق ميزان ردع مع الاحتلال، إن كان من خلال خطف جنود الاحتلال من اجل الافراج عن الاسرى الفلسطينيين، أو من خلال الحرب المباشرة والرد على الاعتداءات، والأهم أن حماس طورت جهازها الاستخباراتي كثيرا، خلال الاعوام الماضية.
يخطئ من يظن أن الصراع الدائر بين حماس وإسرائيل هو صراع حربي يتصل بأشكال الحرب والعدوان المعروفة ميدانيا فحسب، بل إن الصراع الحربي الذي يلتهب به الميدان يشكل نتاجا للصراع الاستخباري القائم بين الطرفين، والذي تعمل فيه العقول والأدمغة وما تسخره من وسائل وأدوات، بشكل خفي للغاية لا يمكن إدراك خطورته وتحسس قيمته إلا لأصحاب الشأن وأهل الوعي الأمني الرفيع.
من هنا يمكن الجزم بأن الصراع بين حماس وإسرائيل هو صراع استخباري شرس وخفي في المقام الأول، رغم فارق القدرة والإمكانيات بين الطرفين.
اجتهدت حماس في الجانب الاستخباري فترة طويلة، لكن ضعف الخبرات المطلوبة جعلها مسرحا للفعل الإسرائيلي في معظم الأحيان، رغم تمكن الحركة من إيلام الاحتلال وتحقيقها أحيانا إنجازات مهمة.
في الأعوام الأولى لانتفاضة الأقصى (اندلعت عام 2000) أدركت حماس حاجتها الماسة إلى بناء جهاز استخبارات قوي يعمل وفق قواعد مهنية ومعايير احترافية، وشرعت في بنائه من الصفر بإمكانيات متواضعة.
وأخذت في تطوير جهازها تدريجيا وتزويده بالكوادر المؤهلة والاستفادة من العبر والدروس الميدانية (وأهمها حرب 2008 و2009)، إلى أن أصبح لديها جهاز استخباري جيد يمكن الوثوق به والاعتماد على تقديراته الإستراتيجية في بناء المواقف وصناعة القرار السياسي والأمني والإستراتيجي.
وتجسدت قدرات الجهاز الاستخباري التابع لحماس أوضح ما يكون في حربي عام 2012 و2014، إذ فوجئت المستويات السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل بالتطور الاستخباري لدى حماس الذي أسهم في إرباك بعض المخططات العسكرية الإسرائيلية، ومنح حماس القدرة على ضرب أهداف مختلفة داخل إسرائيل أثناء المعارك القتالية بين الطرفين.
تحيط حماس جهاز استخباراتها بسرية ملحوظة، إلا أن ما يرشح من معلومات ينم عن اهتمام شديد لدى الحركة بتطوير قدراتها الاستخبارية في ظل إدراكها أن مدى نجاحها في عملها الاستخباري ينعكس تلقائيا على قدرتها في التصدي للمخططات الإسرائيلية التي تستهدفها، ويتيح لها هامشا واسعا لمواجهة أي حرب قد تشنها إسرائيل مستقبلا.
ما يميز استخبارات حماس هو تحلّيها بمنظومة واضحة من الإرادة والعزم، والإصرار المتواصل على تطوير الذات والأدوات والارتقاء بالعمل والأداء.
من ميزات جهازها الاستخباراتي:
أولا: جمع وتحليل المعلومات: فقد أثبت الجهاز الاستخباري لحماس قدرة هامة حين تولى جمع معلومات دقيقة ومركزة عن الجيش الإسرائيلي وتحركاته ونشاطاته، وامتلك قاعدة بيانات حساسة عن المراكز السياسية والعسكرية والأمنية والمنشآت الحيوية داخل إسرائيل.
وذلك بفعل متابعة حثيثة وجهد فائق عبر أشكال الرصد الميداني والاستخباري والمعلوماتي، وتجنيد متعاونين فلسطينيين من أبناء فلسطين المحتلة عام 1948، وهو ما كان له أثره الفاعل في فهم تضاريس الاحتلال عسكريا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا.
ولعل الدقة التي مكنت حماس من إصابة الكثير من أهدافها في حرب عام 2012 وحرب عام 2014، ترجع إلى حجم الرصيد المعلوماتي وقاعدة البيانات الهامة التي امتلكتها حماس عن المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل.
وفي مرحلة ما بعد حرب 2014 أطلقت حماس منطادا ذا مهام استخبارية قرب حدود قطاع غزة مع إسرائيل، وهو ما يعد تطورا لافتا في إطار المعركة الاستخبارية بين حماس وإسرائيل.
ثانيا: اختراق أجهزة الاتصالات الإسرائيلية: بلغت القدرات الاستخبارية لحماس حد اختراق منظومة الاتصالات التابعة للجيش الإسرائيلي في المناطق الحدودية على تخوم قطاع غزة، وتجلى ذلك أوضح ما يكون إبان حرب 2014 التي استطاعت فيها حماس استهداف قوات النخبة والوحدات العسكرية الأكثر قوة وتأهيلا في الجيش الإسرائيلي والإثخان فيها بشكل غير مسبوق.
ثالثا: استخدام طائرات بدون طيار: في إطار تطور عملها الاستخباري؛ تمكنت حماس من تصنيع طائرات بدون طيار أسمتها "أبابيل" نسبة إلى الطيور الأبابيل التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وهذه الطائرات تستطيع التحليق على ارتفاعات محدودة لكن يمكنها اختراق الحدود والطيران لمسافات طويلة.