الوقت- حضر أربعة أستاذة جامعيين أمام القضاء المغربي بتهم الابتزاز الجنسي لطالبات مقابل إعطائهن درجات جيدة في الدروس الخاصة بهم، في فضيحة غير مسبوقة تطال القطاع الجامعي في المملكة المغربية.
وظهرت هذه القضية التي عرفت في المغرب باسم "الجنس مقابل النقط" إلى العلن في أيلول بعد أن أثارتها وسائل إعلام محلية على إثر نشر رسائل ذات طابع جنسي تبادلها أحد الأساتذة الجامعيين الملاحقين مع طالباته، على وسائل التواصل الاجتماعي.
تورط خمسة أساتذة جامعيين
يشارك في هذه الفضيحة خمسة أساتذة جامعيين، تم حبس ثلاثة منهم في الحبس الاحتياطي بينما أطلق سراح اثنين بكفالة.
وأربعة من المتّهمين هم مدرّسون في جامعة الحسن الأول في مدينة سطات القريبة من الدار البيضاء، وهم يواجهون تهماً خطيرة هي "الحض على الفجور" و"التمييز على أساس جنساني" و"العنف ضد النساء".
وحدّدت المحكمة 14 ديسمبر/ كانون الأول الحالي موعدًا للجلسة المقبلة، وفق وسائل إعلام محلية.
أما المتهم الخامس فهو موقوف ويواجه تهمة "هتك العرض بالعنف" وهي تهمة أكثر خطورة. ومن المقرر أن يمثل أمام الغرفة الجنائية في محكمة الاستئناف في سطات.
وإثر الفضيحة، استقال عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في سطات في تشرين الثاني، كما أن رئيسة الجامعة معرّضة لعقوبات.
حالات التحرش تطال الطالبات
في السنوات الأخيرة أثار الإعلام حالات تحرّش جنسي كثيرة تعرّضت لها طالبات من قبل أساتذتهن في جامعات مغربية، إلا أن غالبية هذه القضايا لم تتحول إلى شكاوى، فيما بقيت تلك التي تحوّلت إلى شكاوى قضائية بغالبيتها من دون متابعة.
ويعد تقديم شكوى ضد متحرّش خطوة نادرة جدًا في مجتمع محافظ، غالبًا ما يدفع ضحايا العنف الجنسي إلى السكوت خوفًا من الانتقام ومن نظرة الآخرين أو حفاظًا على سمعة العائلة.
ودائمًا ما تحذّر منظمّات تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان ووسائل إعلام من العنف الممارس ضد النساء المغربيات.
وفي العام 2018، وبعد نقاش طويل استمر سنوات، دخل حيّز التنفيذ قانون يعاقب بالحبس ممارسات "تعتبر شكلًا من أشكال التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة".
لكن جمعيات الدفاع عن حقوق النساء التي تطالب بمزيد من التشدد على هذا الصعيد اعتبرت أن النص "غير كاف".
واقع سيء للمرأة المغربية ودعوات لمحاربة التحرش
يبدو أن الواقع الذي تعيشه النساء في المغرب ما زال سيئاً وخاصة مع استمرار وقائع التحرش سواء في الشارع أو في مواقع العمل وكذلك في الجامعات. وتعاني النساء في المغرب من التحرش بنسبة كبيرة، ولمحاربة ذلك تقوم جمعيات نسوية بتوعية النساء بضرورة مقاومة هذا النوع من العنف ضد النساء، وتدشن تلك الجمعيات بشكل شبه مستمر حملات لمناهضة التحرش، من بينها الحملة التي أطلقتها ناشطات مغربيات على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "إلا دسر صفري" (إذا تجاوز حدوده، استخدمي صفارتك) و "ما سكتاش" (لن أسكت).
ووزعت الحملة النسوية أكثر من 20 ألف صفارة في كبرى المدن المغربية، كالرباط والدار البيضاء ومراكش وإفران وبني ملال وتطوان، ودعت النساء باستخدام الصفارة إذا تعرضن لأي شكل من أشكال التحرش.
وتشير دراسة أجريت من شهري أيار إلى يوليو/تموز 2016 في مدينتي سلا والقنيطرة من قبل فرع النساء بالمكتب الجهوي للأمم المتحدة في الدول العربية أن 63 بالمئة من النساء أكدن أنهن تعرضن إلى التحرش الجنسي-تعليقات ذات طابع جنسي.
واعترف 53 بالمئة من الرجال أنهم تحرشوا جنسياً ولو مرة واحدة بامرأة أو شابة فيما وقعت 35 بالمئة من عمليات التحرش في الأشهر الثلاثة الماضية.
وطالبت جمعيات حقوقية مغربية منذ تسعينيات القرن الماضي بإصدار قانون صريح مختص بحماية المرأة من مختلف أشكال العنف، وبالفعل أصدرت المغرب قانون "حمياة المرأة من العنف"، ودخل حيز التنفيذ
ورغم وجود عدد من الملاحظات على بعض المواد في القانون إلا أنه أطلق عليه وصف "القانون الثوري" لكونه الأول في تاريخ البلاد.
قانون حماية المرأة من العنف وتفصيلاته
وعرف القانون جريمة التحرش الجنسي بأنها "الإمعان في مضايقة الغير بأفعال، أو أقوال، أو إشارات جنسية، أو لأغراض جنسية، والمرتكبة في الفضاءات العامة، أو بواسطة رسائل مكتوبة، أو هاتفية، أو إلكترونية، أو تسجيلات، أو صور ذات طبيعة جنسية، أو لأغراض جنسية".
ونص القانون الذي ظل حبيس الأدراج خلال 6 سنوات، على "الحكم بعقوبتي السجن من 3 أشهر إلى سنتين، وغرامة بين ألفي درهم إلى 10 آلاف درهم (200 دولار إلى 1000 دولار) لكل مرتكب للعنف، أو الإيذاء، ضد امرأة بسبب جنسها، أو ضد امرأة حامل".
وضاعف القانون "العقوبة إذا كان مرتكب الجريمة زوجًا، أو خاطبًا، أو طليقًا، أو أحد الأصول، أو الفروع، وفي حالة العود".
وينص القانون أن عقوبة السجن من شهر واحد إلى 6 أشهر، وغرامة من ألفي درهم إلى 10 آلاف درهم (200 دولار إلى 2000 دولار)، أو بإحدى العقوبتين.
كما جعل القانون العقوبة مضاعفة إذا كان مرتكب التحرش الجنسي زميلا في العمل، أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الأماكن العمومية أو غيرها.
ونص القانون على أن تصل العقوبة إلى السجن من 3 إلى 5 سنوات، وغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم (حوالي 5000 دولار)، إذا ارتكب التحرش الجنسي من لدن أحد الأصول، أو المحارم، أو من له ولاية أو سلطة على الضحية، أو كان مكلفا برعايته، أو كافلا له.
كما يجرم القانون الإكراه على الزواج، حيث نص على عقوبة السجن من 6 أشهر إلى سنة وغرامة من 10 آلاف درهم إلى 30 ألف درهم (1000 دولار الى 3000 دولار)، أو بإحدى العقوبتين من أكره شخصاً على الزواج باستعمال العنف والتهديد، وتضاعف العقوبة إذا ارتكب الإكراه على الزواج باستعمال العنف أو التهديد، ضد امرأة بسبب جنسها، أو كانت قاصراً.
تعتبر ظاهرة التحرش الجنسي، من بين السلوكيات المشينة والمنبوذة مجتمعيا، والضارة بسمعة وصورة المتحرش بهم، ناهيك عن تأثيرها النفسي القوي و الطويل الأمد، فلا فرق بين التحرش اللفظي والجسدي وغيرها من الأفعال الماسة بجسد وبكرامة الإنسان، وبالحق في العيش السليم و الآمن، دونما أي تفرقة بين المتحرش بهم إن كانت أنثى أم ذكر.
لا يخلو الشارع المغربي من حوادث التحرش الجنسي سواء الفردية أم الجماعية على مدار السنة، فكل يوم تواجه المرأة المغربية شتى أنواع التحرش و لسوء الحظ فانه أصبح جزءا من حياتهن و اضطرت النساء إلى التكيف معه، إما عن طريق الصمت أو عن طريق الصراخ في وجه المتحرشين. ولكن وصول هذه الظاهرة إلى الجامعات والمدارس هو ما يمثل خطورة هذه الظاهرة وتطورها إلى مستويات خطيرة ولعل إنزال عقوبات كبيرة بالمتحرشين قد يردع غيرهم من ارتكاب هذه الجريمة البشعة.