الوقت - بعد حوالي شهرين من الانتخابات البرلمانية العراقية الخامسة، التي أجريت في 10 أكتوبر 2021، يستمر تعليق الحكم والسياسة في هذا البلد.
لكن خلال الأسبوع الماضي، وبمبادرة من المجلس التنسيقي الشيعي المعروف باسم "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية"، يبدو أن الأزمة السياسية المحيطة بتشكيل حكومة جديدة بدأت في الانفراج.
ويمكن رؤية المثال الواضح على ذلك خلال الاجتماع بين الهيئة التنسيقية للمجموعات الشيعية ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدري. وقد تشير سلسلة اللقاءات هذه إلى أن الحماس السياسي للتيار الصدري في الأيام الأولى بعد إعلان النتائج قد خفت حدته، وأنهم يتجهون نحو رؤية أكثر واقعيةً لحل أزمة تشكيل الحكومة.
في الواقع، في الوضع الذي أعقب إعلان نتائج الانتخابات، والتي بموجبها فازت الکتلة التابعة لمقتدى الصدر بأغلبية 73 مقعدًا بين جميع التيارات، شهدنا تطرف الصدر وبعض التيارات الأخرى في مجال تشكيل الحكومة الجديدة.
الصدر الذي كان يأمل في تشكيل ائتلاف بين فصيلين سنيين فائزين، هما تحالف "التقدم" بـ37 مقعداً، والأكراد ، الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بـ 31 مقعداً، حاول تشكيل حكومة جديدة بغض النظر عن رغبات التيارات السياسية الشيعية الأخرى.
وتأتي محاولة الصدر لتشكيل حكومة الأغلبية مع استمرار الاحتجاجات على النتائج التي أعلنتها المفوضية المستقلة للانتخابات، وحتى الآن لم يتم قبول النتائج من قبل بعض التيارات.
لكن في تغيير مهم وفي لقاء تاريخي، التقى الإطار التنسيقي للجماعات الشيعية مع مقتدى الصدر في 2 كانون الأول/ديسمبر 2021 في منزل هادي العامري، زعيم تحالف فتح.
كما تشير التقارير إلى أن قادة الإطار التنسيقي ومن بينهم شخصيات بارزة مثل هادي العامري ونوري المالكي وعمار الحكيم وغيرهم، سيلتقون مع مقتدى الصدر غداً(7 كانون الأول) في مقر إقامته في النجف، لاستكمال المناقشات والمراجعات حول قضية الانتخابات النيابية.
وهکذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي أسباب ليونة مقتدى الصدر، ولماذا فكَّر فجأةً في نهج الحوار والتفاوض بعد اتخاذ مواقفه الأولية الجامدة ضد إطار التنسيق الشيعي؟
للإجابة على هذا السؤال يمكن الرجوع إلى موضوع قبول الحقائق الموجودة في مسرح الحكم في العراق، والذي سنناقشه فيما يلي في ثلاثة مجالات.
صعوبة تشكيل الحكومة دون مراعاة مطالب غالبية الشيعة
رغم فوز مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد بين الائتلافات السياسية بحصوله على 73 مقعداً، يُشار إلى أن تياره ليس أغلبيةً بين الشيعة، بل إن التيار المهيمن على الجبهة الشيعية يتألف من كل التيارات والأحزاب الموجودة في إطار التنسيق الشيعي.
قد يُفترض في البداية أن الصدر، نتيجةً لتحالفه مع الأكراد والسنة، سيتمكن بسهولة من تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس الوزراء المقبل، لكن الحقائق الميدانية السائدة في المشهد السياسي لهذا البلد تظهر أن إقصاء غالبية الشيعة ليس مستحيلاً فحسب، بل يمكن أن يؤدي أيضاً إلى عرقلة السياسة والحكم في العراق.
لم يكن المشهد السياسي العراقي في السنوات التي تلت عام 2003 مبنيًا على نموذج الأغلبية والأقلية في الأساس، وكان نموذج الحكومة دائمًا قائمًا على ثقل التيارات السياسية في مجلس النواب.
وفي الوضع الجديد أيضًا، يبدو أن مقتدی الصدر يعتقد أن کسره للتقاليد السياسية والقضاء على الأغلبية الشيعية، من الممكن أن يكلفه ثمناً باهظاً لا يمكن تعويضه.
ويمكن القول الآن إن الصدر، على الرغم من مواقفه الراديكالية الأولية، كان حاضراً في الاجتماع مع خصمه اللدود، نوري المالكي، مما يعني قبول الحقائق على الأرض.
القلق من وضع كل البيض في سلة بارزاني والحلبوسي
على صعيد آخر، يبدو أن مقتدى الصدر متردد في وضع كل بيضه في سلة التحالف مع الأكراد والسنة، ويخشى ألا يتمكنوا من الصمود والثبات في عملية تشكيل الحكومة.
حقيقة الأمر أن محمد الحلبوسي ومسعود بارزاني، قادة تيارات الأغلبية بين السنة والأكراد، يدركان قوة وموقع إطار التنسيق الشيعي، وتشير جميع الإشارات المرسلة من هذين التيارين حتى الآن، إلى أنهما لا ينويان تعريف نفسيها مقابل تيار الغالبية الشيعية.
وقد أدى ذلك إلى شكوك وغموض في مواقف الصدر الأولية الجامدة، ويبدو أن ذلك قد دفعه إلى قبول تشكيل حكومة ائتلافية بحضور ومشارکة جميع التيارات.
صعوبة الانتقال من دور المعارضة والخوف من قبول دور زعيم الدولة
لقد استند وجود التيار التابع لمقتدى الصدر وصعوده في جميع الانتخابات البرلمانية العراقية منذ عام 2010، إلى لعبه دور المعارض للحکومة.
في الواقع، كان مقتدى الصدر ناجحًا دائمًا في الحصول على الأصوات الشعبية من خلال نهجه النقدي، بل إنه رفض قبول المسؤولية في أوقات مختلفة. وفي الوضع الجديد، يبدو أن قبول مقتدى الصدر لعب دور القيادة الحكومية وتعيينه لرئيس الوزراء، يسبب له قلقاً خاصاً.
کما يخشى أن يضعف الموقع والشعبية الحالية للتيار الصدري بشدة إذا قبل دور القيادة الحكومية وعجز تياره عن تحسين الوضع وإدارة البلاد. ونتيجةً لذلك، وفي سيناريو واقعي، يبدو أن الصدر مسؤول عن نهج تحديد المناصب الرئيسية بالدولة، وخاصةً الوزارات الرئيسية.