الوقت- أي عاقل على هذه الأرض يعلم أن اسرائيل كيان عنصري نشأ على أجساد الشعب الفلسطيني، ولا يزال هذا الكيان حتى اللحظة يمارس أبشع أنواع الانتهاكات الانسانية الأخلاقية بحق الشعب الفلسطيني، ولذلك يعمل جميع الأحرار في هذا العالم على مقاطعة كيان العدو من خلال أي مناسبة إن كانت ثقافية أو رياضية أو اجتماعية، وبطبيعة الحال يدعو الكيان الاسرائيلي المشاهير في هذا العالم للتغطية على جرائمه وإظهار نفسه بأنه مقبول من قبل جميع سكان الأرض، لكن هذا الكلام غير دقيق والدليل ما فعلته مؤخراً ملكة جمال اليونان، رافاييلا بلاستيرا، التي أعلنت انسحابها من مسابقة ملكة الكون التي سوف تقام في إيلات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
ونقلت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل عن بلاستيرا قولها: "لا يمكنني الصعود على المسرح والتصرف وكأن لا شيء يحدث، بينما يقاتل الناس من أجل حياتهم هناك".
والشهر الماضي نشرت ملكة جمال اليونان كلمة مؤثرة قالت فيها: "لقد انتظرت سنوات عديدة لتحقيق حلمي، ولكني أردت أيضًا أن أوضح لكم بأنني لن أحضر مسابقة ملكة جمال الكون هذا العام. والسبب في ذلك هو البلد. فأنا لا أحترم هذا البلد على الإطلاق. لا يمكنني الوصول إلى هذه المرحلة، والتصرف وكأن لا شيء يحدث عندما يقاتل الناس من أجل الحياة هناك".
وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان حكومة جنوب أفريقيا أنها "سحبت الدعم" من ملكة جمال البلاد الحالية بسبب تمسّك القائمين على نشاطاتها بإشراكها في المسابقة.
ويأتي هذا الموقف بعد ضغوط على لاليلا مسواني التي فازت أخيرا بلقب ملكة جمال جنوب أفريقيا، لحملها على مقاطعة المسابقة الجمالية العالمية بسبب "الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين"، وفق ما ذكرت وزارة الفنون والثقافة الجنوب أفريقية في بيان.
ما قامت به ملكة جمال اليونان هو خير دليل على أن التضامن مع الشعب الفلسطيني لايزال قائماً حتى اللحظة، وأن الجميع يعلم أن اسرائيل دولة احتلال حتى لو كانت الحكومات في العالم تتعاون معها، ولكن غالبية شعوب العالم تتضامن مع الفلسطينيين وحقهم المشروع باستعادة أراضيهم وحقوقهم من كيان العدو الاسرائيلي.
مقاطعة مسابقة ملكة جمال الكون جاءت على خلفية دعوة كانت قد وجهتها الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، حيث أطلقت نداء لكل العالم من أجل عدم المشاركة في المسابقة التي تستضيفها دولة الاحتلال في 12 ديسمبر/ كانون أول، والتي تستخدمها بشكل واضح وصريح لتبييض جرائمها والتغطية عليها ضد شعبنا الفلسطيني.
الاحتلال الاسرائيلي لا يدخر جهداً بأن يظهر نفسه بأنه أصبح مقبول من قبل جميع شعوب الارض وهذا الأمر غير صحيح، فغالبية الشعوب تنظر لاسرائيل على انها نظام "أبرتهايد"، أو احتلال عسكري، وهو مؤشر على أن التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته أصبح أوسع وأكبر، رغم محاولات دولة الاحتلال المتكررة لإجهاضه، أو تخريبه.
لقد كانت دولة الاحتلال تنظم في السابق مسابقات مختلفة، كالمهرجانات، والمؤتمرات البحثية والمعارض الفنية، كمسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن"، حيث شهدت هذه المسابقات انسحابات كثيرة لأفراد وفرق كانوا يمثلون أنفسهم، إلا أن هذه المسابقة تختلف كونها تمثل دولا وليس أفرادا، وهذا أمر مهم للقضية الفلسطينية.
في سياق آخر، دعت عدة جهات إلى مقاطعة ثقافية لإسرائيل، حيث طالبت عريضة المغني الكندي، جاستن بيبر، بإلغاء حفله المقرر أنْ يحييه في إسرائيل في 13 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2022.
وجاء في العريضة: "وفقا لـ"هيومن رايتس ووتش"، منظمة حقوق الإنسان الأكثر احترامًا في العالم، و"بتسيلم"، أكبر منظمة لحقوق الإنسان في إسرائيل، فإنّ إسرائيل تمارس الفصل العنصري من النهر إلى البحر".
لقد نجحت حملة مقاطعة اسرائيل، بفضح اسرائيل ثقافيا واجتماعيا، اذا استمرت على هذا النحو ستتمكن في النهاية من عزل اسرائيل ثقافيا واجتماعيا، وفضح سياستها الاستيطانية وعنفها الممنهج.
تبحث إسرائيل عن اعتراف يتجاوز الاتفاقيات السياسية إلى طموحات كولونيالية بوسعها العمل على ترسيخ هوية إسرائيلية عابرة للثقافات ومرتبطة بشكل وثيق بـ"التسامي المطلق" الرافض لأيّ نقد ومحاسبة، الأمر الذي يسمح بإفلات إسرائيل من أيّ ملاحقة قانونية بسبب ارتكابها جرائم ضد الإنسانية في فلسطين، فالممارسات الاستعمارية الضامنة لاستمرارية الكيان المحتل كان الغرب يبحث لها عن تأويلات أخلاقية ومخرجات قانونية لإحباط أي مشروع أو تقرير يسرد تفاصيل الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، وقد عمل على تحقيق ذلك بعدما جرّد المؤسسات الدولية من مرجعيتها "الأخلاقية" وصاغ لها لوائح تحضر مناهضة إسرائيل باسم الهولوكوست ومعاداة السّامية.
لقد تمكن العدو الاسرائيلي مؤخرا من خلال التطبيع مع عدد من الدول العربية من اكتساب اعتراف على مستوى حكومات هذه الدول، لكن الشعوب لاتزال رافضة لأي تطبيع او اتفاقية مع اسرائيل، وإن محاولات كيان العدو تحقيق نجاحات باهرة في حصول الاحتلال على اعتراف ثقافي واقتصادي مباشر بالكاد يتجاوز توقيته الجغرافي، فبمجرد أن تتحرك دبابة أو مستوطن صهيوني لترحيل عائلات فلسطينية؛ يستعيد العالم صورة "إسرائيل الاستعمارية" المتعلقة بمجازر الإبادة والتهجير.
المقاطعة الثقافية والاجتماعية والرياضية هي الحل ليدرك هذا العدو أن جرائمه لا يمكن لأحد التغاضي عنها ويجب الوقوف في وجهها بجميع السبل الممكنة.
