الوقت_ بالتزامن مع الانتصارات الكبيرة التي حققتها سوريا في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب مناطق البلاد وسيطرته على معظم مساحة الأراضي السوريّة، ومؤخراً بعد النصر السياسي الذي حققه الرئيس السوريّ، بشار الأسد، داخل البلاد وخارجها، أوضح وزير الخارجيّة السوريّ، فيصل المقداد، أنّ بلاده مؤمنة بتحرير كامل التراب السوري من أي شكل من أشكال الاحتلال، وذلك مع التدخلات السافرة في الشؤون السورية والحديث عن عودة بعض الدول التي قاطعت وحاربت سوريا لسنوات طويلة إلى العاصمة السوريّة عبر الطريق الدبلوماسيّ.
إصرارٌ سوريّ
"السوريون مؤمنون لديهم إيمان لا يتزعزع، بأن كل ذرة تراب سوري ستعود إلى كنف الدولة السورية"، رسالة من سوريا التي دخلت مرحلة هامة بعد سنوات طويلة من الحرب، حيث أكّد وزير الخارجيّة السوريّ، أنّ تلك القناعة ليست لدى القيادة السوريّة أو المسؤولين السوريين فحسب، بل لدى أطفال سوريا أيضاً، في إشارة واضحة وصريحة بأنّه لا يمكن التخلي عن أيّ شبر من الأراضي السوريّة، خاصة فشل بعض الدول الغربيّة والعربيّة بإسقاط الدول السوريّة عبر مساندة المليشيات والتنظيمات المتطرفة ودعمها بالمال والسلاح والدعم اللوجستيّ.
وإنّ الإيمان السوريّ بأن هذا الأمر حقيقة واقعة قادمة لا محالة، تثبته المعطيات التي تبدلت لصالح دمشق على أغلب المستويات وبالأخص الميدانيّة، وبالتالي فإنّ الاستراتيجيّات التي تتحدث عنها سوريا هي بالفعل "تحصيل حاصل" يحتاج إلى قليل من الوقت، بعد أن دفعت معظم الدول للسعي وراء الاستقرار والسلام وتوفير المال المهدر وتوجيهه للتنميّة لتجاوز الأزمات الكبيرة التي حلت بالعالم مؤخراً.
وفي ظل الانتصارات الميدانيّة السوريّة في الحرب بدعم من الحلفاء وبالأخص محور المقاومة، بعد فشل مشاريع بعض الدول العربيّة والغربيّة التي دعمت الإرهاب في البلاد، تحت شعارات لا تمت للواقع بصلة، ذكر المقداد أن الدول الغربيّة تريد النيل من بلاده بالسياسة ما عجزت عن نيله عبر التدخل العسكريّ المباشر، وذلك من خلالها دعمها للإرهاب، تشير سوريا إلى أنّ الغرب فشل في فرض إرادته على سوريا عبر الإرهاب والعمل العسكريّ، كما أنّ الدول الغربيّة تريد إعاقة أي تقدم سياسيّ، حيث حمَّل المقداد الدول الغربيّة مسؤولية عرقلة الحلول السياسية للملف السوريّ عبر ممارساتها العدائية تجاه دمشق.
وإنّ التصريحات الأخيرة لدمشق تأتي لتزيد بشكل أكبر من تراجع بعض الدول المعروفة التي طالبت بإسقاط الحكومة السوريّة من خلال الحرب العسكريّة المباشرة، بعد أن توصلوا إلى استنتاج مفاده أنّ عليهم تغيير وجهة نظرها من الحكومة السوريّة بل والانخراط معها في تفاهمات عدة ولكن بشكل تدريجيّ لحفظ ماء الوجه، وإنّ تلك الانتصارات السياسيّة التي بدأت تزداد في الأشهر الأخيرة هي نتيجة طبيعية لصمود وتضحيات الشعب السوريّ الذي ذاق الأمرّين، بعد أن ساهمت حكومات دول أوروبيّة بشكل مباشر في افتعال وتدويل الأزمة لتدمير بلادهم ومؤسساته وتحقيق مصالحها في المنطقة.
عرقلة ممنهجة
رغم أنّ زيارة بعض الوفود الأوروبيّة إلى العاصمة السوريّة كسرت بشكل بسيط من جمود العلاقات السوريّة – الأوروبيّة على المستوى الرسميّ وسرعت بشكل غير مباشر من عودة المياه إلى مجاريها، خاصة بعد أن سعت بعض العواصم الغربيّة لاستمرار حالة الانقسام في العالم العربيّ لأطول فترة ممكنة وبكل وسيلة بما في ذلك منع عودة سوريا إلى "البيت العربيّ"، لم تفهم أوروبا بعد أن عودة العلاقات الطبيعيّة بين دمشق والدول الأوروبيّة سيفيد دولهم التي تغص بالمهاجرين ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، بل وسيكون للعواصم الأوروبيّة دوراً مهماً للغاية في تجاوز الأزمة السورية، بدلاً من تدويلها.
"التدخلات والاحتلال يُعقد الأزمة ويرفع من معاناة الشعب ويعرقل جهود الحل السوريّ"، لهذا أدان الوزير السوريّ الاحتلال والتدخل التركيّ السافر في بلاده، معتبراً أنّ الإدارة الأمريكية تدعم ميليشيات مختلفة ومجموعات إرهابيّة مسلحة، في مناطق شمال شرق سوريا في إشارة إلى الجماعات الانفصاليّة، في سياق الضغط على الدولة السوريّة من أجل التراجع عن الانجازات والانتصارات التي حققتها أثناء حربها على الإرهاب.
ومع مطالبة العديد من الدول العربيّة بعودة سوريا إلى مقعدها بما تُسمى "جامعة الدول العربية"، بعد أن أفلست بعض الدول العربيّة التي دعمت الإرهاب في سوريا، تحت شعار "حماية الأمن القوميّ العربيّ، ومواجهة التدخلات الخارجيّة في المنطقة"، تسعى واشنطن وبعض العواصم الغربيّة إلى عرقلة الجهود الراميّة إلى عودة دمشق إلى “بيتها العربيّ”، وذلك بعد توافق عربيّ (شبه تام) على إعادتها إلى عضوية الجامعة وتسلم مقعدها لتكون ضمن المنظومة العربيّة بدلاً من استمرار عزلها، لذلك أعرب فيصل المقداد عن أمنيته في أن يكون الأساس في العلاقات العربيّة - العربيّة، إعادة اللحمة الصف العربيّ، داعياً الدول العربيّة إلى تطبيع العلاقات فيما بينها، مطالباً الزعماء العرب بالعمل بهدف حشد أكبر جهد عربيّ ودوليّ لاستعادة الحقوق المغتصبة للأمة العربيّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الإدارة الأمريكيّة وحلفاؤها تُصر على عرقلة عودة دمشق إلى الحضن العربيّ لمنع إعادة النبض إلى قلب الجامعة العربيّة الميّت منذ أن غُيبت سوريا قبل عقد من الزمن، إضافة لمنع تحقيق أيّ انفراج في الشارع السوريّ المُنهك من الحصار الأمريكيّ والغربيّ الذي استهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر، في ظل هشاشة لا توصف للدور العربيّ المرتهن لأوامر القيادات الأمريكيّة، لإيقاف محاولة توفير مظلة عربيّة جيدة لسوريا وبالتالي عرقلتها في تجاوز عثرتها الحالية، لأنّ الملف السوريّ يعد من الملفات الأكثر تعقيداَ بالمنطقة، بالنظر إلى كثرة اللاعبين الدوليين وتواجد قوات عسكريّة لعدّة دول على أراضيها بشكل غير شرعيّ.
إضافة إلى ذلك، إنّ عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية يُعد صفعة لأمريكا والدول الغربيّة التي تساندها في مشاريعها العدوانيّة، فلابد من عرقلة حدوث ذلك لحفظ ماء الوجه بعد أن دفعوا بكل ما أوتوا من قوة لإسقاط "معادلة سوريا" وتشريد وتجويع شعبها، وبما أن عودة دمشق للحضن العربي تعني باختصار "فشل المشروع الغربيّ في المنطقة" وانتصار السوريين وحلفائهم في هذه الحرب الشعواء، فمن الطبيعي أن يكون احتلال سوريا مقعدها الطبيعيّ باعتبارها من الدول المؤسسة للجامعة، أمراً مرفوضاً بالنسبة لأصحاب المشاريع الاستعماريّة والعدوانيّة في منطقتنا.
وبالتالي، إنّ الهدف الأول والأخير يصب في منع حدوث أيّ تعاون شامل بين الدول العربيّة، لأن تتضافر الجهود لدعم العمل العربيّ المشترك، وخاصة عودة سوريا لممارسة دورها سينعكس بأهميّة على العالم العربي بأكمله، وهذا بالطبع ما لا يودون حدوثه، ويواجهون بقوة عودة سوريا للجامعة، لأنّها رسالة من الدول العربية بأنها لا تزال تحظى باهتمام عربيّ كبير، وعودة لملء الفراغ الذي تركته خلال الفترة المنصرمة، كما أن لها انعكاسات إيجابية بإحياء فكرة النظام الإقليميّ العربيّ في مواجهة النظام شرق الأوسطي التي تدعو إليه بعض الدول الأخرى.
بناء على ما ذُكر، إنّ الموقف العربيّ شبه مُجمع على عودة سوريا للجامعة لكن الخلاف على توقيت عودتها، وإنّ حجم الضغوط التي ستفرضها الولايات المتحدة وحلفاءها هي التي ستحدد سرعة حدوث ذلك، خاصة أنّ أغلب الأنظمة العربيّة تسير وفقاً للأوامر والتعليمات الأمريكيّة، وإنّ الجامعة العربيّة نفسها أظهرت بشكل جليّ خلال سنوات الحرب على سوريا، أنّها أداة طيعة في يد القوى الأجنبيّة بعد أن طردت سوريا عام 2011 بأوامر أمريكيّة، وهي بعيدة كل البعد عن الدفاع عن مصالح الدول العربية وزيادة تضامنها وتعاونها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، والتحرر من السيطرة الأجنبيّة وتحقيق الوحدة بين الدول الأعضاء، والمقابل شراء صمت واشنطن ورضاها عمّا تقوم به بعض الحكومات العربية من سياسات قمعيّة أو إجراميّة، وضمان حماية عروشهم المتهالكة وأنظمتهم المتخلفة.