الوقت- أفادت العديد من وسائل الإعلام، يوم الجمعة الماضي، أن الحكومة البريطانية، مستمرة في سياستها المعادية للفلسطينيين ودعمها للكيان الصهيوني، حيث أعلنت لندن أن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) جماعة إرهابية. واضاف وسائل الاعلان تلك، ان "بريطانيا تعتزم وضع حماس على قائمة المنظمات الارهابية قريبا". ورداً على هذا الخبر، فمن الطبيعي أن يتبادل وزيرا الخارجية البريطاني وزير الحرب في الحكومة الصهيونية الخبز بين بعضهما البعض، ويرحبان بالقرار البريطاني بإعلان حركة المقاومة الإسلامية حماس جماعة إرهابياً، لأن بريطانيا نفسها هي التي تقاتل "حماس" الآن وتعتبر الأب الروحي للكيان الصهيوني. ولإثبات هذا الادعاء، سوف نركز في مقالنا هذا على النقاط التالية:
أكل اللحوم البريطاني
من عام 1517، وفي عهد السلطان "سليم الأول"، حكمت الإمبراطورية العثمانية فلسطين لمدة 400 عام. وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، سيطرت بريطانيا على أرض فلسطين. وفي 2 نوفمبر 1917، كتب "بلفور آرثر جيمس بلفور"، وزير الخارجية البريطاني آنذاك، إلى "والتر روتشيلد"، وهو سياسي يهودي وعضو في مجلس العموم البريطاني، رسالة كتب فيها، "تعهدت بريطانيا رسميًا بمساعدة اليهود على إنشاء وطن عرقي لليهود". وعقب الإعلان الرسمي عن هذا البيان، أصبحت الإجراءات السرية للمملكة المتحدة تجاه إنشاء بلد لليهود علنية.
الأرض المشتراة لا تصل حتى إلى 10٪!
وحتى عام 1948، وخلال الاحتلال البريطاني، كان اليهود يشترون الأراضي الفلسطينية بطرق مختلفة، مما نتج عنه ما بين 6٪ و 8٪ من إجمالي أراضي السكان الفلسطينيين. لأن إجمالي مساحة الأراضي الفلسطينية، التي تم بيعها بلغ حوالي 220 هكتار من اجمالي مساحة الاراضي الفلسطينية البالغة 2.7 مليون هكتار. ومنذ عام 1948 فصاعدًا، سيطر الكيان الصهيوني على أكثر من 85٪ من أراضي فلسطين التاريخية، وذلك نتيجة للاحتلال وكرم الأمم المتحدة. ومنذ عام 1967، هدم الكيان الصهيوني ما يقرب من 50000 منزل في الأراضي الفلسطينية بشكل عام و 100000 منزل آخر بشكل جزئي. ونزح أكثر من 110 آلاف فلسطيني في مناطق مختلفة من فلسطين المحتلة خلال العقد الماضي، وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها منذ عام 1948 مئة ألف شهيد.
"حماس"؛ حركة المقاومة الإسلامية
وفي أعقاب أعمال الكيان الصهيوني الوحشية في فلسطين، قرر الشيخ "أحمد ياسين" عام 1987 إنشاء حركة شعبية تهدف إلى تهيئة الظروف المناسبة لتحرير فلسطين من أجل إنقاذ البلاد من العدوان الصهيوني وأنصارها. وترمز "حماس" إلى حركة المقاومة الإسلامية وهي معروفة في الغالب بتنفيذها هجمات ضد أهداف وقوات الكيان الصهيوني المحتل.
سلام دمر كل اتفاقيات السلام
لم تكن الحرب العالمية الأولى، التي كان من المفترض أن تكون نهاية جميع الحروب، هي الحرب العالمية الأولى فحسب، بل أشعلت أيضًا حروبًا وصراعات لاحقة وذلك بسبب التدخلات البريطانية في مناطق الإمبراطورية العثمانية المنهارة. وفي هذا الصدد كتب "ديفيد فرامكين" كتابا بعنوان "سلام دمر كل اتفاقيات السلام". حيث قال الناشر في كتابه: "السلام الذي دمر كل اتفاقيات السلام هو سرد للأحداث التي أدت إلى انهيار الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وأدت إلى تغيير جذري في الشرق الأوسط، وأشعلت حربا استمرت حتى يومنا هذا". وعلى الرغم من كل الفظائع والجرائم التي أعقبت وعد "بلفور"، الذي كان من المفترض أن تكون إيذانا ببداية تأسيس دولة إسرائيل، لم يتم الاعتراف بها منذ 104 عام، وقد غضت بريطانيا الطرف عن كل الجرائم التي قام بها هذا الاحتلال الغاصب في حق الفلسطينيين، بل على العكس من ذلك، حيث وصفت لندن، حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) بأنها إرهابية.
الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، "نفتالي بينيت"، أعرب على الفور عن شكره للوزيرة البريطانية، "بريتي باتيل"، بعد اعتزام بلادها تصنيف حركة حماس منظمة "إرهابية"، بدعوى أن الذراع السياسية تمكن وتساعد الذراع العسكرية على العمل، وأن الفارق في الملبس فقط. وبدوره، سارع "يائير لابيد"، وزير الخارجية الإسرائيلية، في وصف الخطوة بأنها قرار "مهم"، موضحا أنها تعني أن حماس ككل تعتبر منظمة "إرهابية" من قبل بريطانيا، مقدما الشكر للندن على "تعاونها المثمر" في هذا القرار. فيما قالت حركة حماس في بيان لها، مساء يوم الجمعة الماضي، إن "بريطانيا مستمرة في غيها القديم". وأضافت أنه بدلا من اعتذار بريطانيا عن "خطيئتها التاريخية" بحق الشعب الفلسطيني، وتصحيح هذا الخطأ، سواء في وعد بلفور حيال الأراضي الفلسطينية، أو الانتداب الذي اعتبرته الحركة بمثابة "تسليم الأرض الفلسطينية للحركة الصهيونية"، فهي "تناصر المعتدين على حساب الضحايا".
وذكرت حماس أنه من حقها مقاومة "الاحتلال، وبكل الوسائل المتاحة، بما فيها المقاومة المسلحة، باعتباره حق مكفول للشعوب الرازحة تحت الاحتلال في القانون الدولي، فالاحتلال هو الإرهاب، وقتل السكان الأصليين، وتهجيرهم بالقوة، وهدم بيوتهم وحبسهم هو الإرهاب". وتابع البيان أن "حصار أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، معظمهم من الأطفال، لأكثر من 15 عاما هو الإرهاب، بل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما وصفتها الكثير من المنظمات الدولية والمؤسسات الحقوقية". وأدانت الحركة القرار البريطاني، داعية كل قوى الشعب الفلسطيني وفصائله الحية والمناصرين للقضية الفلسطينية، في بريطانيا خاصة وأوروبا عامة، إلى إدانة هذا القرار، بدعوى استمرار العدوان على الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة.
نهج استعماري
اعتبرت الباحثة الفلسطينية، الدكتورة حكمت المصري، أن قرار بريطانيا يعكس إصرارها على ممارسة نهجها الاستعماري ومعاداتها للشعب الفلسطيني، رغم الادعاء بأنها دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها. وبحسب الباحثة، فليس من المستهجن أن تصنف بريطانيا حركة المقاومة الإسلامية منظمة إرهابية، حيث أن بريطانيا تعتبر كل إنسان فلسطيني يطالب بحقه المشروع في استرداد أرضه "إرهابيا"، على حد وصفها. وتابعت: "جاء هذا التصريح في ذات الشهر الذي وعد فيه بلفور إسرائيل بإقامة دولة الاحتلال فوق الأرضي الفلسطينية، تلك الجريمة لم يمحها الزمن والتي أدت إلى نكبة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، إنها بريطانيا التي ما زالت تصر على ارتكاب الجرائم بحق شعبنا فتصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب". واستطردت: "صدر رد من قبل كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة المقاومة الإسلامية حماس، برفض وإدانة هذا القرار الذي يساوي ما بين المجرم والجلاد ويصب في مصلحة دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تمارس كافة الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وتستخدم سياسية العقاب الجماعي وحصار قطاع غزة وتوسيع الاستيطان وتهويد المقدسات واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا".
وأضافت أن بريطانيا تتجاهل كل ذلك وتصنف حركة حماس إرهابية، في حين أنها تتجاهل كل التقارير الدولية التي تدين ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني حيث تطبق الظلم بعينه . بدوره اعتبر مصباح أبو كرش، المحلل السياسي الفلسطيني أن قرار الحكومة البريطانية يعني مواصلة لعب دورها المؤسس والداعم لإسرائيل في فلسطين وعلى حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. وبحسب عدد من الخبراء، فلا يمكن فصل هذا الإعلان عن موقف الأسرة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من الحركات الفلسطينية المقاومة؛ ومن المتوقع ألا تكون بريطانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي يقف عندها صدور إعلان من هذا النوع.