الوقت- عندما كانت دول العالم منهمكة في البحث عن حل للازمة السورية في الاجتماع الذي عقد قبل ايام في فيينا وقعت عدة عمليات ارهابية مسلحة نفذها تكفيريون في العاصمة الفرنسية باريس ما غير وجه هذه المدينة من مدينة سياحية الى مدينة ضربتها الحرب، وقد تبنى تنظيم داعش الارهابي هجمات باريس التي قتل فيها اكثر من 160 شخصا معلنا ان هذه الهجمات استهدفت "المشركين" وهي "11 سبتمبر فرنسية" وقد أتت ردا على الغارات الفرنسية في سوريا والاساءات الى المقدسات الاسلامية.
ورغم اعلان داعش لاهدافه من هذه الهجمات يعتقد الخبراء والمحللون ان هناك اهدافا مشؤومة اخرى لتنظيم داعش لأن هذا التنظيم لايمكن له ان يدعي بانه يريد الدفاع عن المعتقدات الاسلامية بسبب عدم اهتمامه بمشاكل المسلمين في الشرق الاوسط وتجاهله لجرائم الكيان الاسرائيلي بشكل تام وعدم تعرضه لهذا الكيان بتاتا.
ان هدف ارهابيي داعش لايمكن ان يكون الدفاع عن المقدسات الاسلامية ومواجهة الكفر او الكفار لأن افعال هذا التنظيم الارهابية لم تساعد ابدا الاسلام والمسلمين بل شوهت صورة الدين الاسلامي الذي يعتبر قتل شخص برئ بمثابة قتل كافة ابناء البشرية ويدعو دوما نحو السلم والمداراة، كما ان جرائم داعش تؤجج العداء للاسلام في المجتمعات الغربية ويزيد الضغوط على المسلمين في الدول الاوروبية والغربية.
اذا كان داعش يريد حقا معاقبة فرنسا وباقي الدول على تدخلاتهم العسكرية في سوريا على غرار هجمات 11 سبتمبر فيجب القول ان انتقام الارهابيين من المدنيين والقيام بمثل هذه الافعال لا يؤدي الا الى المزيد من التدخلات العسكرية الغربية في الدول الاسلامية بحجة مكافحة الارهاب والتطرف مع تأليب الرأي العام العالمي على دول المسلمين، وقد رأى الجميع ان هجمات 11 سبتمبر لم تردع امريكا من التدخل في الشرق الاوسط بل كانت بداية لمرحلة جديدة من التدخلات العسكرية والفوضى وانعدام الامن في كل المنطقة، والسؤال المطروح الان هو لماذا يقوم المتطرفون بمهاجمة اهداف مدنية في دولة اوروبية في هذا الوقت بالتحديد؟
ان وقوع هجمات باريس قبل يوم واحد من انعقاد اجتماع فيينا الدولي حول سوريا ووجود شخص فرنسي واحد على الاقل بين منفذي الهجمات يمكن ان يقودنا نحو القول بان الهدف الاساسي للارهابيين كان افهام الجميع بأن داعش ليس مجموعة ارهابية صغيرة موجودة في العراق وسوريا فقط ويمكن القضاء عليها بالغارات الجوية والعمليات العسكرية.
لقد تحول داعش خلال سنوات مديدة الى نهج فكري يمكن ان ينجذب اليه حتى المواطنون الاوروبيون ويقومون باشاعة هذا الفكر ويجدون من يقبل التضحية في سبيلهم، ولذلك يجب القول ان اول رسالة سياسية اراد داعش ايصالها الى القوى العظمى المشاركة في اجتماع فيينا هي أن الأوان قد فات لتغيير السياسات ومعارضة داعش ومكافحته و"انكم حتى اذا نجحتم في انهاء الازمة السورية فإنكم سوف تفشلون في مواجهة ايديولوجيتنا المتكاثرة".
اما الهدف الآخر لداعش كما باقي الجماعات الارهابية هو اشاعة الخوف بين المواطنين العاديين من اجل اظهار قوة هذا التنظيم وتفخيم الذات فالقيام بهجمات عدة منسقة في احدى اكثر الدول الاوروبية تطورا يرسم صورة مخيفة وقوية عن جماعة ارهابية يمكن ان تشكل جرس الانذار وعنصر تهديد وفوضى للشعب الفرنسي وباقي الدول المشاركة في التحالف الدولي الذي يدعي محاربة داعش.
وهكذا يمكن القول بأن هدف هذا التنظيم لم يكن دعم الاسلام وتعزيز قوة المسلمين كما يدعيه بل استعراض للقوة وتفخيم للذات امام المنافسين وتوجيه الوعد والوعيد للآخرين.
ان تنظيم داعش الذي تشكل بسبب الانطباعات الخاطئة والمتطرفة عن الدين والاهداف الدينية والنوايا المتناقضة قد تحول اولا الى أداة سياسية للقوى الاقليمية والاجنبية وتغذى من مساعداتهم المالية لكنه قد تمرد على اسياده بعدما تخلوا عنه وكشر عن انيابه لهم، ورغم الاختلاف الموجود بين فرنسا وامريكا في عصر جورج بوش لكن يمكن التكهن من الان فصاعدا ان مشروع التدخل الاجنبي في الشرق الاوسط قد بدأ من جديد بسبب افعال داعش والجماعات المثيلة له.