الوقت - لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، سافر وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى سوريا يوم الثلاثاء 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، والتقى الرئيس بشار الأسد في دمشق.
وكالة الأنباء السورية الرسمية(سانا) ذكرت أن الجانبين بحثا القضايا الإقليمية. وقال مكتب الرئيس السوري أيضاً إن الجانبين ناقشا سبل توسيع التعاون وفرص الاستثمار، وامتدح نقلاً عن الرئيس بشار الأسد "موقف الإمارات الموضوعي والحكيم".
وفي هذا الصدد، أكدت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية أيضًا زيارة نهيان، وأعلنت موقف وزير الخارجية الإماراتي الداعم للأمن والاستقرار والتنمية في سوريا وإنهاء الحرب، في المحادثات مع الأسد.
إن التبني المبالغ فيه إلى حد ما لهذه المواقف من قبل طرفين کانا عدوين في سنوات الأزمة السورية غير البعيدة، بسبب دعم الإمارات للإرهابيين خلال الحرب التي استمرت 10 سنوات في سوريا، يعود إلی التغييرات التي يجب أن تُنسب إلى الوضع في سوريا من جهة، والأوضاع الإقليمية والدولية من جهة أخری.
دوافع الجانبين لتحسين العلاقات، والتي بدأت عام 2018 بافتتاح قنصلية الإمارات في دمشق، قضيةٌ تحتاج إلى التحليل خلف كواليس المواقف الناعمة لقادة البلدين لإنهاء عقد من العداء.
إنتصار دمشق في الحرب والاضطرار العربي لقبول الهزيمة
الواقع الأساسي للسباق العربي لإعادة بناء العلاقات مع دمشق وتحسينها، يعود إلى الوضع الحالي للحكومة والشعب السوريين في الانتصار على عقد من العداء الغربي العربي والصهيوني الدولي، لإسقاط النظام وتفكيك البلاد من خلال الدعم المالي والعسكري والسياسي للإرهابيين.
في بداية الأزمة السورية، قطعت دول عربية كثيرة، بضغط من الدول الخليجية والولايات المتحدة، علاقاتها مع سوريا، وطُردت سوريا من الجامعة العربية في ذلك الوقت.
لكن الحكومة السورية سيطرت الآن على جزء كبير من البلاد، وقد أجبر الإحباط من تنفيذ الأهداف الأولية لقطع العلاقات مع دمشق، هذه الدول على إعادة النظر في سياساتها تجاه سوريا.
كانت الإمارات العربية المتحدة ومصر من بين أوائل الدول في المنطقة التي حاولت الاقتراب من سوريا، وأيدتا عودة سوريا إلی جامعة الدول العربية في مارس الماضي.
ومنذ ذلك الحين، حذت بعض الدول الأخرى حذوهما. في الشهر الماضي، على سبيل المثال، تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عبر الهاتف مع الأسد لأول مرة منذ عقد، وأعلن دعمه لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية.
كما تظهر زيارة المسؤولين السوريين للسعودية والإعلان عن الزيارة السرية للمسؤولين الأمنيين السعوديين إلى دمشق في الأشهر الأخيرة، رغبة السعوديين في تطبيع العلاقات مع سوريا.
موقع سوريا المهم في المنافسات الإقليمية
يعود جزء مهم من أسباب توجه الدول العربية إلى تحسين العلاقات مع دمشق، إلى عنصر التنافس الإقليمي ومكانة سوريا المهمة في هذا المجال.
وعلی الرغم من أن الإطاحة بالنظام السوري في بداية الأزمة عام 2011، كان هدفًا مشتركًا جمع الأعداء والخصوم الإقليميين من جبهة الإخوان(تركيا وقطر) والمناهضين للإخوان(الإمارات والسعودية)، لكن فشل الحرب وانتشار الخصومات الجيوسياسية والخلافات السياسية بين هذين المحورين، حول قضايا مثل الإطاحة بحكومة الإخوان في مصر بالانقلاب العسكري وأزمة حصار قطر والحرب في ليبيا وغيرها، تسبَّب في أن تضاف مواجهة النزعة العسكرية التركية في سوريا ودعم الأكراد الأعداء لأنقرة، إلى سجل التنافس الإقليمي بين الإمارات والسعودية مع تركيا تدريجياً.
في الواقع، على الرغم من بدء التهدئة في السياسة المعلنة لتركيا والإمارات العربية المتحدة، إلا أن زيارة آل نهيان إلى سوريا لا تزال تعكس أهداف أبوظبي التنافسية مع أنقرة.
إن تأكيد أبو ظبي على دعم أمن سوريا ووحدة أراضيها ليس من قبيل الصدفة، بالنظر إلى كثرة الأخبار في الأسابيع الأخيرة حول احتمال شن عملية عسكرية تركية جديدة على الأراضي السورية، وهو يحمل رسالة معارضة الدول العربية لهذه الخطوة الترکية.
كما أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لقبرص، عقب زيارته لسوريا، ستعزز الرسالة إلى أنقرة. حيث تعدّ قضية قبرص والنزاع المستمر منذ عقود بين الانفصاليين المقربين من تركيا والحكومة القبرصية، من بين أكثر القضايا حساسيةً في السياسة الخارجية التركية.
وبحسب بيان وزارة الخارجية الإماراتية، التقى الشيخ عبدالله بالرئيس القبرصي "نيكوس أناستاسيادس" ووزير الخارجية القبرصي "نيكوس كريستودوليديس" لمناقشة "الوضع في شرق المتوسط" وتعزيز التعاون بين البلدين.
في العام الماضي، انضمت الإمارات إلى قبرص واليونان ومصر وفرنسا، في تشكيل تحالف لمواجهة أنشطة الاستكشاف البحرية التركية في هذه المنطقة.
تركيا لديها خطط جادة لاستخراج النفط والغاز في المياه المطالب بها من قبرص واليونان. وأدت هذه القضية، إلى جانب التنافس التركي مع هذه الدول في المياه الليبية، إلى تشكيل جبهة ضد أنقرة في البحر المتوسط.
في المقابل، لا يمكن تجاهل التنافس بين الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة مع إيران ومحور المقاومة. في الواقع، يرتبط جزء من الدافع لإقامة علاقات دافئة مع النظام السوري من قبل الدول الخليجية، بالجهود المبذولة للإخلال بالعلاقات بين طهران ودمشق.
إيران هي حليف تقليدي لسوريا، ومن خلال وقوفها إلى جانب الحكومة السورية وشعبها ضد جبهة الإرهاب الدولي خلال سنوات الحرب، والدفاع عن وحدة أراضي هذا العضو المهم في المقاومة، وصل مستوى العلاقات بين البلدين إلی مستوى التحالف الاستراتيجي.
إن الاهتمام باحتياجات سوريا الاقتصادية لإعادة بناء هذا البلد الذي مزقته الحرب وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين، وحتى تلبية الاحتياجات الاقتصادية مثل الطاقة، هو المجال الرئيسي لاستثمار الجبهة العربية لإبعاد دمشق عن طهران.
وفي هذا السياق، قال كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، لصحيفة إنديان إكسبرس، إن تقليص نفوذ إيران في سوريا قد يمثل تحديًا صعبًا للدول الخليجية. وأضاف: "سيكون من المستحيل تقريباً تغيير موقع إيران في سوريا على المدى القصير. لأن (وضع) إيران راسخ جداً هناك".
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، لماذا استقبلت دمشق وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة بحفاوة تقريباً؟
على الرغم من أن سوريا حققت نجاحًا كبيرًا من خلال هزيمة الإرهابيين واستعادة جزء كبير من أراضيها، إلا أن تحديات الاستقرار السياسي وإعادة الإعمار الاقتصادي لا تقل أهميةً عن أزمة الحرب التي استمرت 10 سنوات.
وبينما أعاقت العقوبات الغربية الخانقة طريق إعادة الإعمار، تبحث دمشق عن مصادر للاستثمار، ومن ناحية أخرى، ومن أجل تحييد العقوبات واستكمال الانتقال من الأزمة والعودة إلى الجامعة العربية، فهي تنظر إلی التسريع في عملية الاعتراف الدولي بالنظام من قبل الجهات الفاعلة الأخرى.
الإمارات هي موطن لآلاف السوريين الذين يعملون في هذه الدولة الخليجية، ويرسلون الأموال إلى أقاربهم في سوريا. وقالت وزارة الاقتصاد الإماراتية الشهر الماضي، إنها اتفقت مع سوريا على "خطط مستقبلية لتعزيز التعاون الاقتصادي واستكشاف قطاعات جديدة".
وجاء في بيان الوزارة، إن الإمارات العربية المتحدة هي الشريك التجاري الأول لسوريا، حيث تمثل 14 في المائة من التجارة الخارجية لسوريا.
کما يُنظر إلى هذه الزيارة أيضًا على أنها علامة قوية على الجهود الإقليمية لإنهاء العزلة الدبلوماسية لدمشق، وهو الأمر الذي يثير استياء واشنطن.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين اليوم، إنه قلق بشأن نتيجة هذا الاجتماع والإشارة التي يرسلها. وبحسب برايس، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، خلال لقاء مع الشيخ عبد الله في أوروبا الأسبوع الماضي، معارضة واشنطن لهذه الزيارة.