الوقت- شكلت أخبار الانقلاب العسكري في السودان الخبر الأهم في عناوين نشرات الأخبار والصحف والمواقع الإخبارية الإسرائيلية، وذلك بسبب ما يجري على صعيد العلاقات السياسية والدبلوماسية، إضافة الى توقيع اتفاقية التطبيع، في ظل إجماع بين أغلب المحللين على أن على الكيان الاسرائيلي الانتظار والترقب إزاء ما ستؤول اليه الأوضاع في السودان بعد حوادث أمس، كما عليها عدم الانحياز الى أي طرف كان، فليس للكيان الإسرائيلي خيارات أخرى، لأن الحوادث في السودان لها تأثير مهم وكبير في المنطقة (بلد كبير ذو موقع استراتيجي)، واستقراره مهم للحفاظ على الأمن الإقليمي، كما يمكن أن تؤثر الأوضاع الجديدة في العلاقات المستقبلية مع الكيان الإسرائيلي، رغم أنه لم يقم بخطوات فعلية ولم يفتح ممثلية له على أراضيها.
في ظل التطورات المتلاحقة في السودان، نقلت هيئة البث الإسرائيلية "كان" عن دبلوماسي سوداني كبير أن "رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أراد التوقيع على اتفاق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وكان يتجهز للسفر الى واشنطن وهو ما لم يحدث بسبب الانقلاب الذي نفذه الفريق أول عبد الفتاح البرهان"، وأضاف المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن "الانقلاب في السودان لن يؤثر في التطبيع مع الكيان، لأن رجال الجيش يؤيدون التطبيع وفي مقدمتهم الجنرال البرهان ونائبه دقلو"، لكنه حذر من أنه "على المدى البعيد، قد تؤدي حقيقة أن الجيش وحده هو المؤيد لهذا الاتفاق من دون أي قوى مدنية، الى المساس بالتأييد الجماهيري للتطبيع"، فيما قالت مصادر إسرائيلية مطلعة لـ"كان" إن مشاورات أجريت في الكيان الإسرائيلي بشأن الانقلاب في السودان، رجحت تأجيل انضمامه الى الاتفاقيات".
ومن جانبه يرى المحلل الرئيسي في صحيفة "هآرتس" العبرية تسفي بارئيل أن الانقلاب في السودان لم يكن مفاجأة، وأن الأوضاع في السودان ستخضع الى حد ما للعقوبات الأميركية، لكن أميركا قد تغض الطرف عنها نظراً الى أهمية السودان الاستراتيجية في منطقة البحر الأحمر، علماً أن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالسودان هائلة، لكون شرق السودان هو المنطقة التجارية الرئيسية في البلاد، والتي تمر عبرها بضائع تفوق قيمتها 11 مليار دولار سنوياً، كما أنها مهمة من الناحية الاستراتيجية لأنها تسيطر على 750 كيلومتراً من الخط الساحلي، لذلك يمكن لسكان شرق السودان الانضمام الى القوات العسكرية المعارضة لمجلس السيادة وإغلاق البلاد". وأشار بارئيل الى"كون بعض القيادات في السودان ينتمون الى جماعة الإخوان المسلمين، ومدعومين من دول ومنظمات من خارج السودان، ويسعون الى إعادة الحكم الديني المتطرف الذي ميز عهد عمر البشير، بينما يسعى آخرون الى ترسيخ المبادئ الديموقراطية وتعزيز الليبرالية، وإخراج الجيش من السياسة، لكن حتى داخل هذه التكتلات لا اتفاق على صوغ الدستور أو السياسة الاقتصادية، كما أن الخلافات القبلية تساهم في زيادة الانقسامات".
كما أن صحيفة "معاريف" الإسرائيلية اعتبرت أن "ما يحدث في السودان مروّع وأثار ضجة عالمية، بعد إعلان الجيش حالة الطوارئ وإلغاء جميع المؤسسات الحكومية والمدنية، لكن المدنيين مصرون على عدم السماح لهذا الانقلاب العسكري بالسيطرة على البلاد، والحياة في العاصمة شبه مشلولة، لأن الناس نزلوا الى الشوارع وأغلقوا الطرق لإبطاء حركة المركبات والعسكر". ولفتت الصحيفة الى أن الانقلاب حدث بعد عام من انضمام السودان الى اتفاقيات التطبيع لإقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي، فإذا أصر الكيان الإسرائيلي على دعم الانقلاب العسكري الجديد، فمن المحتمل أن تعرض العلاقات بين السودان والكيان أو التطبيع لخطر حقيقي، وأوضحت الصحيفة أن الانقلاب الذي حدث قبل نحو شهر وفشل هو جزء من لعبة البرهان الذي أعلن الانقلاب أمس، فهو يسيطر على الجيش ولا يمكن لأي كان أن يرفع رأسه أمامه، وكل ما سمعناه عن كل المحاولات السابقة كان جزءاً من اللعبة السياسية التي يلعبها الجيش السوداني.
وبدورها لفتت صحيفة "إسرائيل اليوم" الأنظار الى وجود بصمات إسرائيلية في الانقلاب في السودان، والى أن البرهان أقرب الى التطبيع، كما أن مصدراً إسرائيلياً رفيعاً تحدث الى الصحيفة وانتقد موقف الموفد الأميركي الى منطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان الذي اعتبر أن الانقلاب ليس مقبولاً، ومن شأنه المس بالمساعدات الأميركية للسودان". وتابع المصدر: "في ظل الأوضاع السائدة، يجدر بالولايات المتحدة دعم الجيش وقائده عبد الفتاح البرهان وليس الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك"، وبحسب المصدر "كان الانقلاب حتمياً ولم يكن الإمكان تفاديه، فمنذ سنوات يدفع كل من رئيس مجلس السيادة ورئيس الحكومة البلاد في اتجاهين متناقضين، وكان واضحاً أن الأمر سيصل الى مرحلة الحسم، على رغم أن الطرفين يدركان ضرورة تعزيز العلاقات مع الغرب. الوضع السائد يعيد الى الأذهان وضع مصر مع نهاية عهد حسني مبارك. فالدولة ليست ديموقراطية واعتادت الحكم الفردي لمدة تفوق 30 عاماً، التطلعات الأميركية للدمقرطة مفهومة، لكن من بين الرجلين، البرهان هو الأكثر ميلاً الى تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي".
ونقلت الصحيفة العبرية عن المراسل السياسي لموقع "أكسيوس" في الكيان الصهيوني باراك رافيد قوله : إن الكيان الإسرائيلي يلعب دوراً كبيراً ومكثفاً في السودان منذ العام الماضي وحتى الأسابيع الأخيرة، وهناك نشاط كبير لجهاز "الموساد"، بل تعاون علني لمساعدة البرهان، وأن النشاط الإسرائيلي المكثف في الخرطوم لا يحظى بموافقة أو رضا واشنطن، لأن الكيان الصهيوني يدعم الجناح العسكري في مجلس السيادة ولعبت دوراً كبيراً في زيادة التوتر بين البرهان وحمدوك، لذلك ينبغي فحص ما يحدث هناك لأن الكيان الصهيوني فعل دور أجهزته الأمنية هناك من جهاز الموساد ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، ويقف بوضوح الى جانب العسكر، لذلك فإن الحوادث الجارية تثير علامات استفهام كبيرة حول دور الكيان الإسرائيلي في السياسة الداخلية للسودان وعما فعلته أخيراً هناك ودورها في الانقلاب.
مستوى خطير من التدخل الاسرائيلي في الشؤون العربية
التدخل الاسرائيلي في الدول العربية وصل إلى مستويات خطيرة وبدأت آثار التطبيع والتغلغل تظهر في بعض الدول وما الانقلاب العسكري في السودان إلا مثال على هذه الآثار والخطورة تكمن في أن الكيان أصبح يعلن بكل وقاحة أنه يقف إلى جانب الانقلاب ويؤيده في حين كل الشعب السوداني وأغلب دول العالم تعارض الانقلابات في أغلب الدول. وربما يشهد المستقبل انقلابات أخرى في دول عربية أخرى لصالح أطراف تؤيد الكيان الصهيوني ولكن الشعوب العربية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التمادي الواضح والصريح.