الوقت- إعتبر العديد من الخبراء العسكريين والدوليين انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في الأشهر الأخيرة، تحولًا كبيرًا في التموضع العسکري للولايات المتحدة كأكبر محتل في واحدة من أهم مناطق العالم.
وبناءً على ذلك، فإن قضايا مثل تقليص الوجود العسكري الأمريكي في منطقة غرب آسيا، وزيادة اهتمامها بالوجود العسكري في شرق آسيا وأوروبا الشرقية، هي من بين القضايا التي يتم أخذها في الاعتبار في هذا التحول.
لكن من أهم نتائج التقليص الجاد لوجود القوى عبر الإقليمية والمحتلين في غرب آسيا وحول إيران، هي بروز دور دول المنطقة في ضمان أمنها واستقرارها. في غضون ذلك، كان للجمهورية الإسلامية اليد العليا والأكثر أهميةً لسنوات عديدة في هذا المجال.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر المشبوهة في عام 2001، غزت الولايات المتحدة أفغانستان بحجة مكافحة الإرهاب، وفي عام 2003 احتلت العراق تحت نفس الذريعة، إلی جانب قضية مكافحة أسلحة الدمار الشامل.
لکن مع مرور الوقت وكشف العديد من الحقائق عن عدم وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق في ذلك الوقت، وتزايد قوة الإرهابيين في كل من العراق وأفغانستان، اتضح أنه إلی أي مدی کانت شعارات وأسباب بدء ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب عبثيةً ولا معنى لها.
وفي أعقاب التحركات الشعبية في بعض الدول العربية، وبداية الأزمة السورية وظهور تنظيم داعش الإرهابي، وجدت الولايات المتحدة ذريعةً جديدةً لزيادة وجودها العسكري في العراق والدخول إلی سوريا.
من ناحية أخرى، في أفغانستان، مع عودة ظهور طالبان وقضاء 20 عامًا في هذا البلد، توصلت الولايات المتحدة إلى استنتاج مفاده أنه ليس من الممكن مواصلة هذه العملية، فتركت هذا البلد في النهاية مع كثير من الجدل والعار.
التنين الأصفر، المنتصر الأول في عقدين من الحرب الأمريكية التي لا نهاية لها
وفقًا لمعظم خبراء الدفاع والسياسة الخارجية، كان الفائز الأكبر من الوجود الأمريكي غير القانوني لمدة 20 عامًا في منطقة غرب آسيا، هو إيران من الناحية الشعبية، والصين من الناحية الاقتصادية.
بعد النمو الاقتصادي والعسكري في الثمانينيات، استفادت الصين استفادةً كاملةً من الفرصة التي نشأت بعد الحادي عشر من سبتمبر ونشر القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاهتمام بغرب آسيا، وبدأت تطورها الاقتصادي والعسكري في صمت تام.
أولى بوادر التغيير في سلوك الولايات المتحدة في هذا الجزء من العالم ظهرت خلال عهد أوباما، حيث أعلنت الولايات المتحدة أنها تماشياً مع استراتيجيتها العسكرية، ستسعى إلى نقل المزيد من قدراتها العسكرية، وخاصةً القطاع البحري، إلى شرق آسيا.
وقد غيرت هذه التغييرات خريطة التوازن السابق إلى حد كبير، بل إنها تسببت في معارضة ونقاش جديين بين الحلفاء القدامى للولايات المتحدة.
على سبيل المثال، منذ نهاية إدارة ترامب تقرر أن جزءًا كبيرًا من القوات الأمريكية سيغادر ألمانيا، وينتقل إلى مناطق مثل غوام وهاواي وألاسكا واليابان وأستراليا. وبشكل عام، من المقرر أن ينخفض عدد القوات الأمريكية في ألمانيا من 34500 إلى 25 ألف جندي.
وبالإضافة إلى المناطق المذکورة، سيتم نقل هذه القوات إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة في أوروبا الشرقية، الأمر الذي سنناقشه بمزيد من التفصيل في القسم الخاص بروسيا.
بالنظر إلى الإحصائيات الخاصة بالوجود العسكري الأمريكي في الخارج، سنصل إلى أرقام مهمة في عام 2020.
على سبيل المثال، في جميع أنحاء شمال إفريقيا وجنوب وغرب آسيا، هناك 8100 جندي وما يزيد قليلاً عن ألف مدني، هذا في حين أن هذا الرقم كان 83 ألف عسكري و 10 آلاف مدني وموظف في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في نفس العام.
بالنظر إلى الإحصائيات الخاصة بالوجود العسكري الأمريكي في الخارج ، سنصل إلى أرقام مهمة في عام 2020.
على سبيل المثال ، في جميع أنحاء شمال إفريقيا وجنوب وغرب آسيا ، هناك 8100 جندي وما يزيد قليلاً عن ألف مدني.
هذا بينما كان الرقم لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في نفس العام 83000 فرد عسكري و 10000 فرد مدني وفرد. وتظهر المقارنة بين هذين الرقمين بسهولة المكان الذي تتركز فيه الولايات المتحدة حاليًا في العالم.
جزء كبير من الغواصات والوحدات السطحية الأكثر أهميةً في البحرية الأمريكية، إما تم نقلها إلى شرق آسيا أو من المقرر نقلها. کما يخضع سلاح مشاة البحرية الأمريكي على وجه الخصوص لعملية إصلاح شاملة لنظامه القتالي وتنظيمه، وتحول إلى استخدام مزيج من الطائرات بدون طيار وقاذفات الصواريخ الثقيلة الموجهة وقاذفات الصواريخ الساحلية المضادة للسفن، للقتال في جزر مختلفة في منطقة شرق آسيا.
کذلك، تدرس القوات الجوية الأمريكية أيضًا القتال الجوي بعيد المدى وتطوير جيل جديد من صواريخ جو – جو، لمواجهة الصين على وجه التحديد.
ومنذ حوالي أسابيع قليلة، أعلن وزير الدفاع الأمريكي في اجتماع أن هذه القوة بحاجة على وجه التحديد لإخراج بعض المنصات القديمة من الخدمة واستخدام طائرات جديدة، وإلا فإنها ستخسر المعركة القادمة مع الصين.
کما أطلقت الولايات المتحدة مؤخرًا برنامجين جديدين لتطوير صواريخ جو-جو الموجهة بالرادار وطويلة المدى، ويقول المسؤولون في هذا البلد إن التطور السريع والمقلق للقوة الجوية الصينية هو السبب الرئيسي وراء ذلك.
الولايات المتحدة سعياً لمواجهة الدب الكبير في أوروبا الشرقية
شهدت منطقة أوروبا الشرقية فترةً كبيرةً من الصمت وانعدام التفاعل، في السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي.
خلال هذه الفترة، تحرك الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي - الناتو - باتجاه الشرق في إطار سياسة محددة، وجذبت دول الكتلة السوفيتية السابقة إلى هاتين المنظمتين. کما أن ظهور الثورات الملونة في دول مثل جورجيا وأوكرانيا في السنوات الأخيرة، قد دق ناقوس الخطر بالنسبة لروسيا.
وكان التدخل العسكري الروسي في جورجيا عام 2008، واندلاع الصراع في شرق أوكرانيا عام 2014، نوعًا من التحرك الروسي المتبادل ضد التحركات الغربية.
في أعقاب النزاع في شرق أوكرانيا، وضعت الدول الأوروبية والولايات المتحدة خططًا جديدةً لمنطقة أوروبا الشرقية، بما في ذلك بولندا ودول البلطيق والبحر الأسود.
من بين البرامج الدفاعية الأمريكية الجديدة في هذا المجال، يمکن الإشارة إلی زيادة قوة جمهوريات البلطيق المستقلة حديثًا، تطوير القدرات العسكرية لدول مثل أوكرانيا وجورجيا، وإنشاء قواعد أمريكية جديدة في دول مثل بولندا.
وإذا أردنا التعامل مع أعداد القوات الأمريكية في هذا القسم، فإننا نواجه الأرقام التالية: في عام 2020، يوجد هناك حوالي 64 ألف جندي و 16 ألف مدني في القارة الأوروبية، وفي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق المستقلة حديثًا، يوجد حوالي 70 ألف عسكري و 35 ألف مدني أمريكي.
كما ترون، فإن عدد القوات الأمريكية في هذه المنطقة لا يزال أعلى بكثير مما هو عليه في غرب آسيا وشمال إفريقيا.
وفيما يتعلق بالتمركز العسكري، كما ذكرنا أعلاه، تعدّ بولندا واحدةً من الدول المشاركة في البرنامج الأمريكي الرئيسي، لكن ليتوانيا قامت مؤخرًا ببناء قاعدة عسكرية للولايات المتحدة علی أراضيها بتكلفة 7 ملايين يورو، للفت انتباه الأمريکيين إلى وجود أكثر جديةً على أراضيها ولعب الدور.
بالطبع، القوات الأمريكية موجودة بشكل دوري في هذا البلد على طول بحر البلطيق، وتأمل الحكومة الليتوانية من خلال بناء هذه القاعدة، تشجيع الولايات المتحدة على أن يكون لها وجود دائم في هذا البلد.
لكن مشکلة الولايات المتحدة مع روسيا لا تقتصر على أوروبا الشرقية أو جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق المستقلة حديثًا، ويبدو أن المخاوف بشأن جيل جديد من الغواصات الروسية، جعلت الأمريكيين يفكرون مرةً أخرى في مواجهة عدوهم القديم.
خلال الحرب الباردة، كان المحيط الأطلسي والمياه القريبة من بريطانيا إلى ساحل الولايات المتحدة، من بين المناطق التي شهدت تنافسًا كبيرًا وغير ملموس لعقود، بين الغواصات الأمريكية والبريطانية من ناحية والغواصات السوفيتية السابقة من ناحية أخرى.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وتراجع نشاط السفن الروسية تحت السطحية، شهدت هذه المنطقة نوعًا من الهدوء لفترة طويلة، لدرجة أن الولايات المتحدة حلت أسطولها الثاني لتغطية المحيط الأطلسي؛ لكن في السنوات الأخيرة تغير كل شيء.
مع ازدياد القوة الاقتصادية لروسيا في العصر الجديد، دخلت الغواصات النووية من الجيل الجديد إلى الميدان، وشعرت الولايات المتحدة بشكل خاص بالتهديد من هذه السفن.
أعادت الولايات المتحدة نشاط أسطولها الثاني في صيف 2018، وهي تضيف تدريجياً وحدات جديدة إلى هذا الأسطول.
هذان التطوران الجديدان في البحر بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة، كانا مهمين للغاية، لأنه في ربيع هذا العام، أطلق الروس جيلًا جديدًا من الغواصات الهجومية التي تحمل صواريخ كروز من نوع ياسين، تحت عنوان "كازان".
وصف المسؤولون الأمريكيون الجيل الجديد من الغواصات الروسية بأنه عالي القدرة، وعلى مستوی الغواصات الأمريكية الجديدة من حيث انخفاض الصوت. في المقابل، شكلت البحرية الأمريكية مؤخرًا فريق حرب غواصات، يتكون من أربعة مدمرات من فئة "أرلي بيرك"، وأطلقت عليها اسم Greyhound.
هذه الكلمة تعني كلب الصيد، وهي اسم فيلم أمريكي جديد من بطولة توم هانكس، ممثل هوليوود الشهير، حول قوافل الحراسة المضادة للغواصات في الحرب العالمية الثانية. هذه المدمرات الأربعة مكلفة باستكشاف وتدمير الغواصات في شمال المحيط الأطلسي بسرعة.
مع هذا التموضع الجديد والتغييرات المهمة التي حدثت منذ انتهاء الاحتلال العسكري الأمريكي في المنطقة، والتي من المرجح أن تحدث قريبًا في العراق وسوريا أيضًا، فإن إنفاق عشرات المليارات من الدول العربية المقربة من الولايات المتحدة لشراء أنظمة دفاعية وهجومية في السنوات الأخيرة، سيكون بلا جدوى عملياً.
ذلك أن هذه المشتريات باهظة الثمن وغير المجدية كان من المفترض أن تشکل عامل تحفيز للولايات المتحدة للحفاظ على وجودها العسكري، وممارسة الضغط النفسي على إيران وقواتها المسلحة.
وبهذه العملية، استنتجت بلدان المنطقة الآن أكثر من أي وقت مضى، أنه يجب عليها الحفاظ على علاقات سلمية وودية مع جمهورية إيران الإسلامية، وأي توتر أو تهديد لن يؤدي إلا إلى زيادة شعورهم بالخوف من منطقة تخلو من الولايات المتحدة وبريطانيا. والآن يمكننا أن نفهم بشكل أفضل أسباب الاهتمام والإشارات العديدة لبعض دول المنطقة، لزيادة العلاقات الدبلوماسية والأمنية مع إيران.