الوقت- في أقل من أسبوعين ضرب الإرهاب المتنقل يمينا وشمالا بعد أن أحس بجدية الخطر الذي يتهدد كيانه ووجوده فبعد أن لمس تنظيم داعش الإرهابي ومن وراءه من مخابرات عربية وأجنبية، تبخر حلم الخلافة وديمومة حكم الرعب والدمار في سوريا والعراق على ضوء الانجازات الكبرى للتحالف الرباعي (روسيا سوريا العراق وإيران)، عمدت أيديه المنتشرة في معظم دول الشرق والغرب الى محاولة تغيير البوصلة من خلال لفت أنظار العالم وإلهائه بضربات موجعة تهدد الأمن السياسي في مجتمعات لا تتحمل مثل تلك الهزات.
فإضافة الى العمليات الانتحارية شبه اليومية في العراق وسوريا، قام تنظيم داعش بثلاث عمليات حساسة من حيث المكان والزمان الأولى تمثلت باختراق مطار شرم الشيخ الدولي وتفجير طائرة روسية في الجو وقتل جميع ركابها والثانية حصلت ليل الخميس 12 تشرين الثاني في ضاحية بيروت الجنوبية في منطقة برج البراجنة حيث قام انتحاريان بتفجير نفسيهما موقعين 43 شهيدا و 230 جريح، أما الحدث الثالث والأبرز ما حصل ليل الجمعة عندما نفذ تنظيم داعش سلسلة اعتداءات ضمن عملية محكمة الدقة في العاصمة الفرنسية باريس راح ضحيتها 128 قتيلا و 180 جريح قبل أن يفجر سبعة من المنفذين أنفسهم بأحزمة ناسفة وتقتل الشرطة الارهابي الثامن.
أما عن السبب وراء تفعيل العمليات الارهابية خارج سوريا والعراق فيرى المحللون بأن الانجازات الكبرى التي ظهرت بشكل ملموس بعد التدخل الروسي الايراني والتنسيق مع الحكومتين العراقية والسورية أحرج تنظيم داعش ومن وراءه وأظهر هشاشته وكونه "نمر من ورق" وبأن قوته تكمن في الرعب الذي ينشره حيث تطال يده، لذا حاول التنظيم الإرهابي شن ضربات لخصومه وخاصة روسيا لكنه لم يفلح وقد أعلنت السلطات الروسية عن تفكيك عدد من الخلايا التي كانت تحضر للقيام بأعمال ارهابية في العاصمة وغيرها من المدن. اذا وبسبب التدابير الأمنية الدقيقة لم يستطع حتى الآن الضرب في العمق الروسي رغم أنه من الطبيعي لا يزال يخطط لذلك وهذا ما يعيه جيدا رجال الأمن الروس. وكدليل على ذلك وبعد فشله في اختراق الداخل الروسي وجد في مطار شرم الشيخ ثغرة أمنية مكنته من تفخيخ طائرة ركاب مدنية وتفجيرها في الجو وقتل كل من كان على متنها. وفي ضاحية بيروت الجنوبية أيضا، ورغم الاجراءات الأمنية المشددة التي يتبعها حزب الله في منطقة نفوذه، استطاع الارهابيون أن يستفيدوا من المداخل المتشابكة للمنطقة وينفذوا عملية انتحارية راح ضحيتها العشرات. وكان الحدث الأكبر ما حصل عشية البارحة في العاصمة الفرنسية.
وهناك سبب آخر يدفع لتلك الأعمال الارهابية بالشكل الذي حصل ألا وهو نية التنظيم تعبئة خلاياه النائمة في المناطق التي قام باستهدافها ومحاولة اثارة الفتنة بما يؤدي الى اقتتال يشغل الدول المشاركة في الحرب عليه في سوريا والعراق ومن المعروف منذ ما قبل اندلاع الحرب السورية بأن التطرف كان ينخر في ضواحي العاصمة الفرنسية حيث أحزمة البؤس والمشاكل الاجتماعية تلقي بظلالها على المجمعات السكانية ذات الأغلبية الاسلامية التي تحمل الفكر المتطرف، وفي لبنان الأمر كذلك حيث تنشط الخلايا الارهابية في الشمال وصيدا وبعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بعيدا عن أعين الدولة اللبنانية. ولا يخفي المراقبون تخوفهم من ردات فعل انتقامية اتجاه ما يعرف (بالإسلاميين) في فرنسا ما من شأنه أن يزيد التوتر ويوسع رقعة المواجهة وقد أعلنت الحكومة الفرنسية التعبئة العامة لجميع قواتها تحسبا من تلك الأعمال ومن محاولات تنفيذ عمليات أخرى، أما في لبنان فيبدو الوضع أكثر انضباطا حيث يشدد جمهور حزب الله على أن العدو في سوريا وليس في لبنان وأن من نفذ الجريمة لا يمت لأحد من مكونات الشعب اللبناني بصلة.
لا شك بأن التخطيط لتلك العمليات التي حصلت مؤخرا جرى بدقة عالية في حين كانت أعين المخابرات الفرنسية مفتحة ومستنفرة وأن التخطيط جرى من خارج حدود فرنسا، وما تنظيم داعش إلا أداة تنفيذية ولنبحث عن المخطط والعقل المدبر، فقد باتت محاربة الارهاب حاجة ملحة تستدعي وضع خطة متكاملة تبدأ من سوريا والعراق حيث زرعت الدول العربية والغربية بذور داعش لتفرخ في بلادهم حقدا وارهابا، أما السعودية فسيعلو الصوت عاليا في وجهها من حلفائها بأن كفى تمويلا للارهاب فلم نعد نحتمل ما أقحمنا نفسنا فيه.