الوقت- قامت الریاض قبل نحو سبع سنوات ونصف بتشكيل تحالف دولي لشن حرب بربرية على أبناء الشعب اليمني بحجة أنها تريد إعادة الشرعية للرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي" ولكن بعد مرور وقت قصير تكشفت نوايا الرياض الخبيثة، وخاصة أنها كانت تستخدم الكثير من الأسلحة المحرمة دولياً لقتل أبناء الشعب اليمني وأصبح لا يخفى على أحد الجرائم التي قام بها تحالف العدوان السعودي في عدوانه على أطفال اليمن خلال السنوات السبع الماضية. وخلال الفترة الماضية، تمكن أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله" من تحقيق الكثير من الانتصارات خلال الايام الماضية واستطاعوا التقدم باتجاه مدينتي البيضاء ومأرب آخر معقل لحكومة "عبد ربه منصور هادي" المستقيلة في شمال اليمن بعد سيطرتهم على العديد من المديريات الهامة والاستراتيجية في هاتين المحافظتين.
وعقب كل هذه الهزائم التي مُنيت بها المملكة والتي أثرت سلباً على أقتصادها المترنح، أعلن وزير الخارجية السعودي قبل عدة أيام عن مبادرة جديدة لإنهاء الحرب في اليمن والخروج بماء الوجه من المستنقع اليمني. ولقد جاءت المبادرة السعودية للسلام في اليمن لتمثل محاولة من الرياض للخروج من المستنقع اليمني، ولكنها أيضاً تشكل مسعى لإبراء الذمة أمام الغرب الذي بات يلومها على الحرب التي تبدو بلا نهاية. ورداً على هذه المبادرة، اعتبرت حركة "أنصار الله" اليمنية، أن المبادرة السعودية الجديدة لإنهاء الحرب في اليمن لا تتضمن أي شيء جديد. وقال رئيس الوفد اليمني المفاوض، "محمد عبد السلام"، في حديث لوكالة "رويترز"، "هذه الخطة لا تتضمن شيئا جديدا، إن المملكة جزء من الحرب ويجب أن تنهي الحصار الجوي والبحري على اليمن فورا". وأضاف عبد السلام "أنصار الله ستواصل المحادثات مع السعودية وسلطنة عمان والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام". وشدد، على أن "فتح المطارات والموانئ حق إنساني ويجب ألا يستخدم كأداة ضغط"، كما جاء. كما أكد رئيس الوفد الوطني المفاوض في اليمن على "موقف حركة أنصار الله الثابت برفع الحصار ووقف الحصار"، مضيفاً أن "أي مبادرة لا تلتفت إلى الجانب الإنساني فهي غير جادة".
وعلى هذا الصعيد، قال "تشارلز فريمان" السفير الامريكي السابق في الرياض، أن "على السعودية أن تعترف بهزيمتها وأن تسارع للانسحاب من الحرب التي شنتها على اليمن". وفي حوار مطول مع الصحيفة الأمريكية "ذا كرادل". ويؤكد "فريمان"، أن المملكة إن لم تسارع بإعلان فشلها في حرب السنوات السبع والانسحاب من اليمن فإن اليمنيين لن يدعوها تتراجع دون أن يطالبوا بقدر أكبر من التنازل في المقابل". هذه الدعوة لم توجه للسعودية من قبل أعداءها بل إنها تأتي من أقرب حلفاء المملكة وأكبر داعميها في هذا العدوان الذي يدخل عامه السابع والسعودية لا تزال تائهةً عن تحديد أهدافها من هذه الحرب ناهيك عن تحقيق أي من تلك الأهداف.
هل تحتاج مملكة الشر حقاً لمن يذكرها بأنه مضى على اعلانها الحرب على اليمن سبع سنوات عجاف لم تحصد فيها غير الدمار والقتل والإجرام والحصار لشعبٍ بأسره دون أفق للنصر أو الخروج من هذا النفق المظلم الذي أدخلت نفسها فيه. ألا يدرك هؤلاء حقاً أنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق جملة أهدافهم التي رجوها من وراء إعلان الحرب على اليمن. أليس الأحرى بحلفاء "بن سلمان وبن زايد" واستخباراتهم وقادتهم العسكريين والسياسيين بدلاً من بيع الوهم لأسيادهم أن يخبروهم بأن الاستمرار في هذه الحرب سيتحول للعنة لن ينجو منها "آل سعود وعيال زايد". ألم يشاهد حكام الرياض وأبوظبي ما يحصل اليوم مع الأمريكان في كابل وكيف تحولت القوات الأمريكية من مهاجم ينتهك سيادة أفغانستان ويقتل أهلها منذ عقدين من الزمن إلى هارب ترك وراءه كل شيء لينجو من الموت الذي يرى أنه على بعد يومين منه فقط أي في الـ31 من هذا الشهر. قد تبدو دعوة السفير الأمريكي الأسبق في الرياض قاسيةً نوعاً ما بالنسبة لحكام "آل سعود" لأنه لم يكتفي بدعوتهم للانسحاب من اليمن بل دعاهم للاعتراف بأنهم فشلوا في هذه الحرب التي لم يكونوا أهلاً للدخول فيها.
وينوه "فريمان" في حواره المطول مع صحيفة "ذا كرادل" إلى أن الحاكمين في صنعاء لا يأبهون لأمريكا ولن يخضعوا لأي وساطة أمريكية بين السعودية وإيران حسب تعبيره. ويؤكد الدبلوماسي الديمقراطي إلى أن أي دور أمريكي للصلح بين إيران والسعودية لن يكون له تأثير على موقف أنصار الله في صنعاء في إشارة إلى الحوارات السرية الدائرة بين الرياض وطهران في العاصمة العراقية بغداد. دعوة "فريمان" الصريحة السعوديين للاعتراف بفشلهم في هذه الحرب تؤكد أن المزاج العام في الولايات المتحدة ينحدر نحو هذه الزاوية التي لم تكن ضمن حسابات الامريكان والسعوديين عندما انطلق هذا العدوان بضوء أخضر ودعم كامل من واشنطن. لربما ذكّرت مشاهد كابل كثيراً من السياسيين في واشنطن بأن من يبدأ الحروب على الشعوب لن يكون هو على الإطلاق من يحدد ساعة ختامها وطبيعته وما حصل لهم في افغانستان أعظم مثال وخير عبرة. وهنا يؤكد "فريمان" الدبلوماسي الأمريكي أن واشنطن دخلت الحرب في اليمن لإثبات دعمها وتحالفها مع السعودية فقط.
ويضيف الدبلوماسي الأمريكي، بأن المصلحة الوحيدة للولايات المتحدة في اليمن هي إظهار الدعم المستمر للسعودية حليفتها الرئيسية في المنطقة. وينتهي السفير الأمريكي الأسبق لدى الرياض في حواره مع الصحيفة الأمريكية إلى أنه لا يوجد دعم شعبي أمريكي للمشاركة في هذه الحرب بل إن هناك الكثير من المعارضة في الولايات المتحدة للاستمرار في مساعدة السعوديين على مواصلة مغامراتهم في اليمن. يبدو أن لغة حوار السياسيين الأمريكان مع حلفاءهم السعوديين ستتغير في المرحلة الراهنة كنتيجة طبيعية لآلام الوجع الامريكي في افغانستان الذي ستنكشف آثاره وملامحة اكثر واكثر بعد نهاية هذا الشهر الموعد النهائي للانسحاب الامريكي من افغانستان. وقد لا يمثل هذا السفير وجهة نظر الإدارة الأمريكية لكن كلامه هذا لا يمكن أن يأتي إلا من واقعٍ موجود في كواليس ودهاليز السياسية في واشنطن فهو ليس سفيراً سابقاً في الرياض فحسب بل إنه شغل منصب رئيس مجلس الاستخبارات الوطني في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق "باراك أوباما" الذي بدأ في عهده العدوان على اليمن.
"فريمان" الذي كان يشغل منصب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الأمن الدولي قال إن "القيم الأمريكية والإسرائيلية تباعدت منذ فترة طويلة. لا مصلحة لامريكا في حرب مع إيران". وفي حواره، تحدث "فريمان" بعدة مواضيع وبدأ بالحكومة اللبنانية التي وصفها بالدولة فاشلة. وعن دول الخليج الفارسي لا سيما فيما يتعلق بالسعودية ما بعد "ترامب"، حيث قال "فريمان": "لقد جادلت في مكان آخر بأن الأحداث في غرب آسيا وشمال إفريقيا مدفوعة الآن بالدول هناك، بدلاً من القوى العظمى الخارجية، كما في الماضي".
واضاف، "لقد مضى عصر الصعود الأوروبي الأمريكي العالمي وتسعى كل دولة في المنطقة، سواء كانت متحالفة مع امريكا أو ضدها، الآن إلى التكيف مع هذا الواقع من خلال تنويع علاقاتها الدولية. ويحاول البعض التوصل إلى حلول خاصة بهم للنزاعات طويلة الأمد التي كانوا قادرين على رفضها باعتبارها غير قابلة للحل ولكن يمكن تحملها عندما ساد السلام نسبياً. ومع انحسار امريكا عن المنطقة، سيتعين على الدول الموجودة فيها أن تجد توازنات إقليمية خاصة بها للحفاظ على الاستقرار والتنمية. في غضون ذلك، لا أحد يأخذ التوجيه من أي قوة عظمى خارجية أو حتى يتظاهر بالإذعان لقوة واحدة". وحول المأزق الإقليمي الحالي لـ"إسرائيل" مع ايران قال "فريمان": "هناك خيبة أمل متزايدة من إسرائيل بين اليهود الأمريكيين وغيرهم من المؤيدين السابقين لتل أبيب. ولقد تباعدت القيم الأمريكية والإسرائيلية منذ زمن بعيد. المصالح الإستراتيجية الأمريكية والصهيونية لم تعد متطابقة".
وأعرب أنه لا مصلحة للولايات المتحدة في الدخول في حرب مع إيران، وقال، "لا أعتقد أن إدارة بايدن، على الرغم من ارتباطها القوي المتبقي بالصهيونية، ستسمح لنفسها بالانجرار إلى صراع منخفض الحدة بين إسرائيل وإيران. لقد استنفدت إسرائيل بشكل أساسي خياراتها العسكرية. ويمكنها أن تفعل المزيد من الشيء نفسه ولكن المزيد من الشيء نفسه لن يجلب لها السلام. وفقط المصالحة مع الفلسطينيين وجيران إسرائيل العرب يمكنهم فعل ذلك". وعن إنهاء الحرب التي تقودها السعودية و الولايات المتحدة والإمارات على اليمن قال "فريمان"، إن "على السعودية الاعتراف بالهزيمة والانسحاب. ولن يدعها اليمنيون تتراجع دون أن يطالبوا بقدر كبير من الإذلال في المقابل".