الوقت- تصاعدت التوترات في مياه المنطقة بعد مزاعم من قبل دول غرب الناتو والدولة الصهيونية بشأن انفجار وقع لسفينة شحن صهيونية في مياه الخليج الفارسي يوم الجمعة 30 يوليو الماضي، أعقبته تهديدات استفزازية من قبل مسؤولي الكيان الصهيوني ضد جمهورية إيران الإسلامية. وبينما اتهمت الدول الغربية طهران بالهجوم المزعوم على السفينة الإسرائيلية دون متابعة القضية وتقديم أي دليل، فهي تريد من ذلك شد انتباه العامة الآن على رد مجلس الأمن و وذلك من أجل التستر على سبب زيادة التوتر وانخفاض الاستقرار البحري في منطقة الخليج الفارسي. ولهذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إلى أي مدى تم أخذ عواقب محاولة ضرب مصالح إيران في الاعتبار في التهديدات الأخيرة؟
التطبيع والآثار الأمنية الضارة لمنطقة الخليج الفارسي
منذ بداية اتفاقية التطبيع بين الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني، أثير موضوع الآثار السلبية لمثل هذا العمل غير العقلاني على ترتيبات نظام الأمن الإقليمي، وخاصة أمن الخليج الفارسي. ولطالما سعت "تل أبيب" إلى تطبيع العلاقات واستبدال الصراع العربي الإسرائيلي بالصراع العربي الإيراني، وقد أدى ذلك إلى انفتاح الصهاينة على مياه الخليج الفارسي في صراع أساسي يهدد الاستقرار والسلام الإقليميين. ولهذا السبب، حذرت طهران منذ البداية من الوجود المثير للانقسام للكيان الصهيوني في المنطقة. وقد كثفت "تل أبيب" الآن من استفزازاتها وأعمالها المعادية لإيران بحجة النقل في المياه الدولية، والتي ترددت مرارًا وتكرارًا من قبل مسؤولي الكيان. من الواضح أن "تل أبيب" تعتزم التوصل إلى اتفاق مع الإمارات والبحرين للسماح بالتجسس وتهديد مصالح إيران. وبطبيعة الحال، فإن الصهاينة استفادوا خلال الفترة الماضية من أي حادث من شأنه أن يؤدي إلى توترات بين الدول العربية في مجلس التعاون والدول الغربية مع إيران، وذلك لأنهم غارقون في حالة أزمة داخلية بعد حرب الـ11 يومًا مع قوات "حماس" في غزة وقلقون من المحادثات القائمة بين إيران والسعودية ومفاوضات إحياء الاتفاق النووي ولهذا فإن القادة الصهاينة مستعدون لاتخاذ خطوات لتغيير هذه الأوضاع.
وخلال فترة رئاسة "ترامب"، قامت الولايات المتحدة، بخرق المعاهدة والانسحاب غير القانوني من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران، خاصة في قطاع النفط، وقامت أيضا بشن حرب اقتصادية واسعة النطاق ضد إيران، ولقد لعب الصهاينة دوراً كبيراً في هذه الأمر. وحسب نائب الرئيس الإيراني السابق "إسحاق جهانغيري"، فإن الصهاينة كانوا متواطئين في عمليات التخريب الأمريكية ضد ناقلات النفط الإيرانية. ولقد صرحت إيران مراراً وتكراراً أن التوقع بأن تهديدات التجارة الحرة في الخليج الفارسي والمياه الدولية ستكون فقط على حساب طهران هو توقع خاطئ تمامًا. وفي السياق الحالي، يواصل مسؤولو البيت الأبيض اتباع المسار الخاطئ لعهد "ترامب" في الاستمرار في فرض عقوبات غير قانونية على تجارة النفط الإيرانية، ما أدى إلى عدم الاستقرار في مصالح جميع دول الخليج الفارسي.
نيران لا يمكن السيطرة عليها
لكن بصرف النظر عن مناقشة جذور عدم الاستقرار في منطقة الخليج الفارسي، والتي تعود إلى وجود قوى إقليمية وانفتاح الصهاينة على المنطقة، التي ترتبط مصالحها بعدم الاستقرار، فبعد التهديدات القاسية والحادة في الايام الأولى، أصبح الأمريكيون اليوم أكثر اعتدالًا. حيث أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي عن الحاجة إلى مزيد من التحقيق في الحادث، وصرحت نائبة وزير الخارجية الأمريكية "ويندي شيرمان" مساء الثلاثاء الماضي، أن الولايات المتحدة وبريطانيا تسعيان إلى صياغة رد على الهجوم الإيراني المزعوم وقد يكون هذا مؤشرا على تراجع البيت الأبيض بعد تحذيرات جدية من طهران بشأن أي مغامرة ضد مصالح إيران في المنطقة.
وعلى صعيد متصل، صرح المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان، مدير القسم الآسيوي الثاني في وزارة الخارجية، "ضمير كابولوف"، بأنه لا يوجد دليل بأن تكون إيران متورطة في الهجوم على ناقلة النفط "ميرسر ستريت"، مؤكدا على أنه لم يتم تقديم أي حقائق. وقال "كابولوف" لوكالة "ريانوفوستي": "ليس لدينا أدنى دليل للاعتقاد بأن إيران متورطة في الهجوم، حيث إنه لا توجد لدينا حقائق". واضاف: "في الوقت الذي تتهم الدول الغربية ايران بالضلوع في هذا الحادث، لا يوجد اي دليل يثبت هذا الادعاء". وتابع "كابولوف": "ليس لدينا أدنى سبب للاعتقاد أن إيران متورطة في الهجوم، حيث إنه لا توجد لدينا حقائق. وسنعلن موقفنا عندما تكون هناك حقائق".
وقبل عدة أيام، هدد اللواء "سلامي" مرة أخرى الدول الغربية بأن سياساتنا واستراتيجياتنا الدفاعية سوت تتصدى لأي عدو، وعند قيام الدول الغربية بأي تهور فإن طهران لن تتسامح. وأعلن استعداد إيران لأي سيناريو، وقال إن "قواتنا الدفاعية والهجومية مستعدة تمامًا لردود الفعل القاسية على أي عدو". وتحدث "سلامي" خلال زيارة تفقدية للقوى البحرية في سواحل "نيلغون" ومضيق هرمز، للاطلاع على الاستعدادات الدفاعية والقتالية، معلقاً على المجريات في الخليج والتهديدات الإسرائيلية، وقال: "إن الأعداء الذين يعمدون إلى تهديد نظام الجمهورية الإسلامية، وخصوصاً الكيان الصهيوني الغاصب، عليهم أن يدركوا بواقعية القدرات الدفاعية والعسكرية والهجومية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وحرس الثورة. من خلال سياساتنا وطرقنا الدفاعية، لن نتقبل هذا الوضع من أي عدو، في أي نقطة من نقاطنا، وسنرد بشكل قاطع وحازم". ولفت إلى أن "التزعزع الأمني في المنطقة سببه السياسات التدخلية للأعداء، وعليهم أن يعلموا أن الفصل في هذه المسألة أصبح مختلفاً، وأن أي تهديد من جانبهم سيواجه بالرد". وختم سلامي كلامه قائلاً إن "رسالتنا هذه ليست رسالة دبلوماسية، بل رسالة عسكرية، ونحن نتكلم كلام الميدان. إن الذين يتحدثون معنا بأسلوب التهديد، ومن جملتهم رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وسائر المسؤولين في الكيان، عليهم أن يلتفتوا إلى خطورة كلامهم وما قد يتسبب به، وأن يحسبوه بدقة".
وفي وقت سابق، اعتبر المتحدّث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، "محمود مشكيني"، أن حجم "إسرائيل لا يؤهّلها لتنفيذ تهديداتها ضد إيران"، مضيفاً إن "الإسرائيليين يعرفون حجمهم، ويدركون أنهم لا يملكون القدرة على ترجمة تهديداتهم". ومن جانبه، علق المتحدث باسم الخارجية الايراني "سعيد خطيب زادة" على الاتهامات التي ساقها الكيان الصهيوني وأمريكا ضد ايران باستهداف السفينة الصهيونية في بحر عمان الخميس الماضي، ودعاهما الى الكف عن توجيه الاتهامات الواهية. وشدد "خطيب زادة" في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الأحد الماضي في العاصمة طهران على أن توجيه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الاتهامات لايران لن يحل المشكلة. وقال "خطيب زادة"، هذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها الكيان الصهيوني الاتهامات لايران، وهذا الكيان أينما ذهب أخذ معه الفوضى وعدم الاستقرار والارهاب والرعب. وأكد "خطيب زادة" أن المسؤولية تقع على عاتق أولئك الذين فتحوا الباب للكيان الصهيوني في المنطقة، وندد بالاتهامات الموجهة لايران وقال: "من يزرع الرياح عليه أن يحصد العاصفة".
وفي الختام يمكن القول إن الأمريكيين عاشوا عامًا قاسياً في العراق وسوريا بعد العمل الإرهابي الجبان باغتيال اللواء الشهيد "سليماني" و"أبو مهدي المهندس"، ما أدى إلى طرد قواتهم من العراق. ورأى البريطانيون أيضا ردا حاسما من طهران العام الماضي بعد الاستيلاء غير القانوني على ناقلة النفط الإيرانية في المياه الدولية، لذلك يمكن القول إن الغربيين يدركون جيدا تداعيات تصاعد التوتر مع محور المقاومة وأنها النار التي ستبتلع بالتأكيد مصالح هذه الدول وحلفائها.