الوقت- انضم الكيان الصهيوني إلى الاتحاد الأفريقي لأول مرة في 22 يوليو 2021. وذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن الكيان الصهيوني لديه علاقات مع 46 دولة أفريقية، وأنه استأنف في السنوات الأخيرة العلاقات الدبلوماسية مع تشاد وغينيا، ولفت البيان إلى أن السودان انضم إلى اتفاق التطبيع خلال الفترة الماضية. ولقد قوبل انضمام الكيان الصهيوني إلى الاتحاد الأفريقي برد فعل كبير من التيارات المعارضة والمراقبين السياسيين. وفي هذا الصدد، نرى أن حركة "حماس" أعلنت في 24 تموز 2021 ردًا على هذه القضية بالقول: "كان هذا قرارًا صادمًا ومستهجنًا وذلك لأن هذا القرار يُضفي شرعية لهذا الكيان المحتل لبلدنا، ويمنحه المزيد من الفرص لمواصلة المؤامرات وتجاهل حقوق الفلسطينيين، وكذلك مواصلة جرائمه الوحشية ضد الشعب الفلسطيني". واضافت حركة "حماس" في بيانها: "لسوء الحظ، اتخذت هذا القرار الدول الاعضاء في الاتحاد الافريقي التي كانت تحت سيطرة الاستعمار والعنصرية لقرون وبذلت جهودا كبيرة للتخلص منها". وتابعت: "كنا وما زلنا نرى في دول هذه القارة امتدادًا طبيعيًا لنضالنا العادل من أجل الحرية والاستقلال، ونتطلع لدعمها القوي والمستمر". وطالبت "حماس" بـ"طرد الاحتلال الإسرائيلي من الاتحاد فورًا، وفرض العقوبات الرادعة عليه حتى يرضخ للحق والعدل".
وعلى صعيد متصل، علقت الجزائر على انضمام "إسرائيل" عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي. وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية، يوم الأحد الماضي، أن قرار مفوض الاتحاد الأفريقي ضم "إسرائيل" كعضو مراقب إلى المنظمة، "اتُّخذ من دون مشاورات موسعة ومسبقة مع الدول الأعضاء"، مشيرة إلى أن "هذا القرار لن يؤثر في دعم الاتحاد الثابت للقضيّة الفلسطينية العادلة". وأصدرت الخارجية الجزائرية بياناً بشأن انضمام "إسرائيل" إلى الاتحاد الأفريقي، قالت فيه إن "القرار الأخير لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بشأن قبول مُراقب جديد، والذي يدخل ضمن صلاحياته الإدارية، ليس من شأنه أن يؤثر في الدعم الثابت والفعّال للمنظمة القارية تجاه القضية الفلسطينية العادلة، والتزامها تجسيد الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة". وأضاف البيان إنّ هذا "القرار لا يحمل أيّ صفة أو قُدرة على إضفاء الشرعية على ممارسات المُراقب الجديد وسلوكياته، والتي تتعارض تماماً مع القيم والمبادئ والأهداف المنصوص عليها في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي". وذكّر البيان بأن "نُظم عمل الاتحاد الأفريقي لا تمنح أيّ إمكان للدول المراقبة الـ 87 من خارج أفريقيا للتأثير في مواقف المنظمة القارية، والتي يعد تحديدها اختصاصاً حصرياً للدول الأعضاء". ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما هي أهداف الكيان الصهيوني من انضمامه إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب، وما هي العواقب المحتملة لهذه القضية؟
تاريخ الكيان الصهيوني وأهدافه وإنجازاته المحتملة
كان الكيان الصهيوني أيضًا عضوًا في منظمة المراقبة في المنظمة السابقة المسماة "الوحدة الأفريقية" حتى عام 2002، عندما تم حل تلك المنظمة وأصبحت الاتحاد الأفريقي. وفي ظل الوضع الحالي ، يقيم الكيان الصهيوني علاقات مع 46 عضوًا في الاتحاد الأفريقي، ولقد استأنف علاقاته مع "غينيا" عام 2018 ومع "تشاد" عام 2019. وفي أكتوبر 2020، وقع السودان اتفاق تطبيع بسبب ضغوط أمريكية لشطبه من قائمة العقوبات الاقتصادية. وبعد هذه العملية، انضم الكيان الصهيوني مؤخرًا إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب. وفيما يتعلق بأهداف وإنجازات الكيان الصهيوني من انضمامه إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب، يشار إلى أن هذا النظام عانى من قضية العزلة الجيوسياسية وعدم وجود عمق استراتيجي له منذ عقود عديدة، ولهذا فقد حاول دائمًا اغتنام الفرص للتخلص من هذه القضية. في الواقع، خلال فترة رئاسة "بنيامين نتنياهو" لمجلس الوزراء التي استمرت 12 عامًا، رأى الصهاينة في القارة الأفريقية مركزًا مهمًا لاستثماراتهم في مجال السياسة الخارجية. وفي يوليو 2016، أصبح "نتنياهو" أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور إفريقيا بعد عدة عقود بدعوة من أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا الواقعة في الجزء الشرقي من القارة السمراء. كذلك، وقبل بداية تطبيع العلاقات الصهيونية مع الأنظمة العربية، كان الأمر بالغ الأهمية لـ"تل أبيب" لتحسين علاقاتها في مجال السياسة الخارجية مع هذه البلدان العربية ولكن يبدو أنه بعد التوقيع على اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية، ظن القادة الصهاينة أنهم ليسوا بحاجة كبيرة للتواجد في إفريقيا، ولكن بعد عدم تحقيق التطبيع للأهداف التي كان يطمع بها الكيان الصهيوني، يبدو أن هذا الكيان قد ركز تأثيره مرة أخرى على هذه القارة السمراء.
وتشمل الأهداف الصهيونية الرئيسية الأخرى صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى الدول الأفريقية، والدعم السياسي لتغيير الرواية الدولية للوضع في فلسطين، ومواجهة النقد العالمي لجرائم "تل أبيب" كنظام فصل عنصري واستعماري، والسيطرة على الدعم الأفريقي العربي للأنشطة السياسية والعسكرية الفلسطينية، والتي كانت أكثر بروزًا في الماضي، وكانت تشمل إدارة الهجرة، وخاصة نقل اليهود السود كعمال وجنود، وعمليات التعدين، والتنمية الزراعية. إجمالاً، تعود قصة توسع نفوذ الكيان الصهيوني في القارة السوداء، إلى أزمات العقود الأخيرة التي وقعت في الدول الأفريقية، حيث تتكرر الآثار والتدخل الصهيوني في تلك الازمات. وفي الستينيات، كان الكيان الصهيوني يتعامل مع حكومات الدول الأفريقية، ولكن بعد ذلك الحين، كان للجهات الفاعلة غير الحكومية مثل الجيش والأنظمة الانقلابية روابط وراء الكواليس مع "تل أبيب" التي كانت تدعمها استخباراتيا وأمنيا ولهذا فقد اصبحت تلك الجماعات وتلك الانظمة الانقلابية بشكل متزايد اللاعبين المهيمنين في القارة السمراء.
المنافسات الإقليمية من أجل التوغل في إفريقيا
هناك قضية مهمة أخرى في مناقشة انضمام الكيان الصهيوني إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب، تتعلق بالمنافسة الإقليمية بين مختلف الجهات الفاعلة على النفوذ في القارة الأفريقية، وخاصة في الجزء الشمالي من القارة والدول المجاورة للبحر الأبيض المتوسط. قفي السنوات الأخيرة، حاولت جهات فاعلة مختلفة التدخل بنشاط في أزمات دول هذه القارة. وعلى سبيل المثال، لعبت الإمارات العربية المتحدة دورًا خبيثاً في جيبوتي، وفي صحراء تغرا في إثيوبيا، والسودان، وليبيا ، وما إلى ذلك، من خلال إنشاء قواعد عسكرية، وتقديم الدعم العسكري والسياسي للقوات الموالية لها.
وتنطبق مثل هذه التدخلات والتنافسات على النفوذ في القارة الأفريقية على دول أخرى، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر والكيان الصهيوني وهذا يعني أن كل من هذه الجهات الفاعلة قد دخلت في منافسة على النفوذ في القارة الأفريقية في شكل تحالفات منفصلة. وحتى الآن، يبدو أن انضمام الكيان الصهيوني إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب يمكن تقييمه من خلال التنافس مع الجهات الفاعلة الأخرى، وخاصة الحكومة التركية. وهذه القضية بالغة الأهمية لدرجة أن وزير الخارجية الإسرائيلي "يائير لبيد" أكد أن "اليوم هو يوم مبارك في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية". واضاف: أن "انجاز العلاقات الدبلوماسية تحقق بفضل جهود وزارة الخارجية والجيش الافريقي وسفارات الكيان الصهيوني في القارة السمراء". حقيقة الأمر أن الكيان الصهيوني يستخدم نفوذه في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط كأداة لتحسين هيبته وشرعيته وموقعه على المستوى الإقليمي من أجل كسر العزلة الجيوسياسية والسياسية التي يعيش فيها. ونتيجة لذلك، يمكن القول إنه في المستقبل القريب ستزداد المنافسة بين الجهات الفاعلة للانضمام إلى الاتحاد الأفريقي كمراقبين.