الوقت- كشفت وكالة أنباء الإمارات مؤخراً عن حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل وذلك لأول مرة منذ توقيع اتفاقيات التطبيع بين الطرفين منذ سبتمبر 2020 .
وفي مقابلة خاصة مع وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد خلال زيارته للإمارات قبل أيام ، قال " التجارة الثنائية بين إسرائيل والإمارات وصلت إلى 2،2 مليار شيكل (700 مليون دولار) " ، حيث اعتبرت الوكالة أن لابيد يعتبر أول وزير إسرائيلي يزور الإمارات العربية المتحدة منذ توقيع اتفاقيات التطبيع أو ما تُعرف بالاتفاقات الإبراهيمية.
وافتتح الوزير سفارة إسرائيل في أبو ظبي، كما افتتح القنصلية العامة الإسرائيلية في دبي.
وأشار لابيد إلى أن ما وصفه "بالقرار الشجاع" الذي اتخذه قادة الإمارات ، يعتبر" بمثابة رسالة إلى الدول العربية والإسلامية الأخرى بأن السلام ممكن أن يكون".
وأوضح لبيد أنه "منذ سبتمبر 2020 ، تم توقيع عدد من الصفقات بقيمة عشرات الملايين من الدولارات بين شركات إسرائيلية وإماراتية في مجالات الذكاء الاصطناعي والإنترنت والطاقة المتجددة والأمن المائي والصحة وغير ذلك".
لا يبدو أن هذا التصريح والإعلان الرسمي عن حجم التبادل التجاري بين الامارات والكيان الاسرائيلي صادم لأنه منذ مطلع عام 2021 أعلنت الأمارات عن نيتها تأسيس صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في الكيان الاسرائيلي. وستكون مهمة الصندوق كما أعلن حينها الاستثمار ضمن قطاعات استراتيجية تشمل الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية وغيرها.
وسيركز الصندوق على مبادرات التنمية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وسيتم تمويل الصندوق من مخصصات الحكومة ومن مؤسسات القطاع الخاص.
استثمارات سياسة وليست اقتصادية
الإمارات ليست بحاجة لمثل هذه الاستثمارات في الكيان الاسرائيلي فالعالم أمامها مفتوح وممكن أن تستثمر في كل دول العالم لكن واضح تماماً أن الاستثمار هنا هو استثمار سياسي يراد له أهداف سياسية بعيداً عن القيم الاقتصادية، فصندوق الاستثمار الإماراتي يصل حجمه حوالي نصف تريليون دولار وهناك أرقام تقول حوالي سبعمئة مليار دولار، وعليه فلا توجد حاجة اقتصادية لمثل هذه المشاريع، وهذا طبعاً مرتبط بالعلاقات السياسية الموجودة في المنطقة.
فالإمارات تبحث عن حليف استراتيجي لها في المنطقة بعد أن فقدت الشراكة مع الحليف السعودي سواء في حربهم في اليمن أو حتى في المواجهة الاقتصادية بين الرياض وأبوظبي لذلك تعمل الإمارات على تقوية تحالفها مع الكيان الصهيوني لتخرج من الأزمات التي قد تواجهها مستقبلاً. كما أن الإمارات تخشى من أن يكون هناك تصادم أو عدم اتفاق بين بايدن والإمارات في كثير من الملفات و تدرك تماماً أن أي خلاف مع الإدارة الأمريكية سيكون من السهل تجاوزه في حال استمرار الدعم المتبادل بين الامارات والكيان الاسرائيلي واستمرار دعم اللوبي الصهيوني داخل الكونجرس الأمريكي لسياسات الإمارات الإقليمية وسياساتها الخاصة في مواضيع حقوق الإنسان وقضايا تدخلها في بعض الملفات الإقليمية.
التقارب بين الامارات والكيان الصهيوني يتزامن مع تصعيد اماراتي ضد الفلسطينين وخاصة من الجانب الاقتصادي حيث كانت الإمارات قد خفضت مؤخراً مساعداتها لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين الأونروا وخاصة بعد توقيعها لاتفاقية السلام مع الكيان الاسرائيلي حيث انخفض حجم التبرعات الإماراتية للوكالة 51 مليون دولار في 2019، إلى مليون دولار فقط في 2020!.
المثلث الذهبي في الفكر الصهيوني
صحيح أن الدلالات الجيوسياسية لإقامة علاقات طبيعية بين الإمارات والكيان الإسرائيلي تفوق بكثير في الوقت الحاضر أهميتها الاقتصادية إلا أن هذه العلاقات تمنح الكيان الإسرائيلي الضلع الغائب في علاقاتها مع كل من مصر والأردن، وحتى مع الفلسطينيين أنفسهم. هذا الضلع الغائب هو المال الخليجي؛ فقد كان حلم الكيان الإسرائيلي دائماً هو إقامة مثلث ذهبي للعلاقات مع الدول العربية تكتمل فيه ثلاثة أضلاع هي التكنولوجيا الإسرائيلية، والمال الخليجي، والكم العربي؛ بما يعنيه من سوق كبيرة وأيدي عاملة وفيرة. التطبيع مع الإمارات سيفتح السوق الإماراتية والخليجية للمنتجات الإسرائيلية من خلال منطقة جبل علي التي تمثل أكبر مركز لإعادة التصدير في العالم العربي، كما سيفتح خزانة رؤوس الأموال الخليجية لتمويل مشروعات في الكيان الإسرائيلي، أو بالمشاركة معها في الإمارات، وكذلك التمويل من خلال سوق ناسداك دبي للأوراق المالية، الذي تستطيع حكومة وشركات الكيان الإسرائيلي أن تستخدمه في إصدار سندات لتمويل كل الأنشطة الاقتصادية باكتتابات من البنوك الإماراتية والخليجية.
الإمارات الدجاجة التي تبيض ذهباً
يبدو أن الإمارات هي الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة للكيان الاسرائيلي الذي يطمح في تحقيق قفزة استثمارية محلية بواسطة سيل من تدفقات البترودولار من الإمارات. وقد عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو عن ذلك الحلم بوضوح عندما أشار إلى توقعه بأن تضخ الإمارات حصة من استثمارات صناديقها السيادية في قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي، وخصوصا في شركات التكنولوجيا الرائدة المتعطشة إلى التمويل الخارجي وفي مناطق التنمية الإسرائيلية الجديدة وخصوصا في الجنوب. وتدير الإمارات أكبر حجم من الأصول الاستثمارية العربية في الخارج من خلال صناديق وهيئات الاستثمار الحكومية مثل هيئة أبو ظبي للاستثمار ومؤسسة دبي للاستثمار وصندوق مبادلة وهيئة الإمارات للاستثمار وصندوق إدارة الأصول الاستثمارية لإمارة الشارقة. وهناك تباين في تقدير قيمة الأصول الاستثمارية للإمارات، ولكن بعض خبراء التمويل يقدرون مجموعها بنحو 1.2 تريليون دولار بما يعادل 14.6 في المئة من قيمة كل أصول صناديق الاستثمار السيادية في العالم.
ويطمح الكيان الإسرائيلي في تحويل منطقة صحراء النقب في الجنوب إلى محرك جديد لدفع النمو بقوة في كل المجالات، واستخدام المنطقة جيوسياسياً واقتصادياً لخلق درجة أعلى من التقارب والاندماج مع كل من الأردن والسعودية ومصر، حيث تلتقي مع مناطق التنمية الأردنية من جنوب البحر الميت إلى خليج العقبة، ومع مصر في مناطق التنمية في جنوب سيناء، ومع السعودية في مصيفها الجديد الذي يتم ترويجه عالميا تحت اسم “نيوم” إضافة إلى خلق فرص عمل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذا فإن رؤوس الأموال الإماراتية قد تلعب دور الممول الأول، على الأقل في البداية، ما يعزز فرص مشاركة أطراف عالمية أخرى مثل الصين واليابان والاتحاد الأوروبي والشركات الأمريكية.
الإمارات باتباعها هذا النهج تخدم مصالحها على المدى القصير أما على المدى البعيد فلن يكون لها إلا الضرر. فالحليف الإسرائيلي سيعمل على حلب الإمارات كما كان ترامب يحلب السعودية وماذا قدم لها في المقابل؟!
والكيان الإسرائيلي يكرر الموقف الأمريكي السابق مع السعودية ويحلب الإمارات مستغلاً حاجتها لحليف استراتيجي. والمؤمن لا يلدغ من جحره مرتين ولكن يبدو أن حكام الخليج ليسوا بمؤمنين أو أنهم مؤمنون ولكن بأسيادهم الأمريكيين والإسرائيليين فقط.