تُرخي بوادر التغيير في المشهد السياسي الدولي ازاء العدوان السعودي على الشعب اليمني، بظلالها على المشهد الميداني للرياض هناك. السعودية وبعد عملية «السهم الذهبي» للسيطرة على مدينة عدن، وجدت نفسها أمام مأزق جديد عنوانه "صراع الحلفاء".
تكشف المعطيات الواردة من الساحات العدنية، سعي الرياض لإفساح المجال أمام إرهابيي القاعدة في السيطرة على المدينة رغم تواجد العديد من الحلفاء (السابقين والحاليّين) هناك، بدءاً بمليشيات الرئيس المستقيل هادي وتنظيم القاعدة وحزب الإصلاح مروراً بالقوات الإماراتية وحليفها بحاح والمرتزقة وصولاً إلى الحراك الجنوبي الذي غدا وحيداً في أرضه.
بعدما تبين للرياض أن حوالي سبعة أشهر ونيّف من القصف والغارات لم تحقق أي هدف سياسي، لابل كبّدتها مزيداً من الخسائر البشرية والإقتصادية، وأفضت إلى إنسداد الأفق العسكرية السعودية، بالتزامن مع تراجع الحماسة الإقليمية والدولية لناحية دعم العدوان، تعمد السعودية إلى العودة مجدداً نحو سياسة "الحرب بالوكيل"، في خطوة تهدف لتخفيض الخسائر وتحقيق أي إنتصارات جديدة.
لا شك في أن الهدف الرئيسي للسعودية يتمثّل بإعادة صنعاء إلى فنائها الخلفي، وتقويض قوّة حركة أنصار الله والجيش اليمني بإعتبارها من أبرز القوى المخالفة للأجندة السعودية في اليمن، لذلك لم تتوان في ضرب أي تواجد لهذه الحركات حتى لو كان البديل القاعدة، أو حتى تنظيم داعش الإرهابي. إلا أن التطورات الأخيرة في عدن، كان أبرزها سيطرة تنظيم القاعدة على بعض الإدارات الرسمية في عدن ورفع علم القاعدة على هذه الأماكن في ظل تراخي الرياض وقوات هادي معهم، توضح أن الرياض بدّلت من إهتماماتها في بسط السيطرة على مدينة عدن، وتسعى اليوم لكسب أي نصر ميداني في أي محافظة آخرى، أبرزها تعز.
التراخي السعودي في مدينة عدن، خاصةً أنه جاء بعد فترة قليلة على جلب المرتزقة إلى المدينة، يميط اللثام عن خطة سعودية جديدة، لا تستهدف أنصار الله والجيش اليمني والحراك الجنوبي فحسب، بل حتى بعض حلفائها هناك، لذلك لا بد من الإشارة إلى التالي:
-تعتمد السعودية سياسة الأرض المحترقة في اليمن، فإجراءات محمد بن سلمان تتلخّص بعبارة واحدة "إما أنا أو الدمار والخراب". بعبارة آخرى، تريد الرياض السيطرة على المدينة وفي حال لم تنجح، كما هو الحال اليوم، فإن البديل هو القاعدة وبقيّة التنظيمات الإرهابية.
1- إن خطو جلب المرتزقة إلى مدينة عدن سواء السودانيين أو الداعشيين أو بلاك ووتر تصب في الإطار نفسه، فالرياض لا تريد أن تبقى المدينة بأيدي الإمارات خاصةً بعد الخلاف بين هادي حليف السعودية، وبحاح حليف الإمارات. هذا الخلاف تطور إلى إتهام هادي بمحاولة إغتيال بحاح في عدن قبل فترة، وهذا ما ظهر جلياً من خلال إغتيال الضابط الإماراتي هادف الشامسي يوم 16 أكتوبر 2015 ، حيث تبيّن أن أحد الجناة هو من عناصر مليشيات هادي في عدن، منطقة كابوتا، وفق مصادر أمنية.
2-لاشك في أن أحد أبرز أهداف الرياض من تمكين القاعدة في عدن، لاسيّما بعد بروز أفاق جديدة قد تجبرها على وقف العدوان، هو إبقاء اليمن ضعيفاً أمام الإنقسمات الداخلية والجماعات الإرهابية، حيث يسهل بذلك إستكمال العدوان، بصورة غير مباشرة، عبر هذه الأدوات ومن دون أي ضغط دولي.
3- إن الإجراءات السعودية في سبيل تمكين القاعدة تؤكد فشل الرياض في تحقيق أي نصر عسكري منذ بدء العدوان قبل حوالي السبعة أشهر. السعودية التي روجّت عبر آلتها الإعلامية لـ"نصر عدن"، وجدت نفسها أمام صورة معاكسة تماماً، ولكن لا ريب في أن الرياض تحاول إبراز صورة سياسة مخالفة، أي سيطرتها على مدينة عدن، بغية إستثماراها في المفاوضات.
4- تكشف هذه الإجراءات عن وجود خلافات حقيقة بين الإمارات والرياض في المدينة، وهذا ما دفع بالرياض لتمكين القاعدة وحزب الإصلاح هناك، للحد من سلطة القوّة الإماراتية.
من جهة آخرى، تسعى السعودية حالياً، لتحقيق أي نصر ميداني في أي ساحة عسكرية جديدة، أبرزها تعز، قبل عقد الجلسة المقبلة للأمم المتحدة التي ستبحث عن أي حل سياسي، وقد عمدت إلى الإستنجاد بالكيان الإسرائيلي هذه المرّة حيث ذكر مصدر عسكري يمني أنه تم رصد مشاركة إسرائيلية عسكرية مباشرة في الهجمات التي تشنها قوات العدوان السعودي ــ الأميركي على سواحل المخا عند البحر الأحمر، التابعة لمحافظة تعز .
هكذا تكتمل صورة المشروع السعودي في اليمن. لاشك في أنه عبثي، إلا أنه مآساوي أيضاً. لكن السؤال المطروح هو إلى متی سيستمر العدوان؟ سؤال عجز عن إجابته أي مسؤول سعودي أو يمني و أي مسؤول أممي.