الوقت- قبل عدة أيام تم الكشف عن اسم "مروان عيسى" نائب "محمد الضعيف" القائد العام لكتائب عز الدين القسام الفرع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، عندما شارك في برنامج على قناة الجزيرة يدعى "ما خفي كان أعظم". ولكن من هو "مروان عيسى" وكيف وصل إلى هذا المستوى والمكانة في المقاومة الفلسطينية ولماذا يعتبر رائد "حرب الأدمغة" ضد الكيان الصهيوني.
من هو "مروان عيسى" ؟
ولد مروان عيسى الذي يكنى بـ"أبو البراء" عام 1965 لأسرة لاجئة من بلدة بيت "طيما" قرب مدينة "المجدل" إبان النكبة عام 1948. واعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى (1987-1993) مدة 5 أعوام، بسبب نشاطه التنظيمي في صفوف حماس التي التحق بها في سن مبكرة. وكان في شبابه رياضي بارع في لعبة "كرة السلة" يرعب حضوره الخصوم في الملاعب، وبحسب ما أورد موقع "الأقصى الرياضي" -التابع لحماس- فقد كان يلقب بـ"كوماندوز فلسطين"، وله صولات وجولات في ملاعب كرة السلة ضمن فريق "نادي خدمات البريج" بالمخيم الذي ولد وترعرع بين أزقته وشوارعه. ورغم تألقه في هذه الرياضة، لم يكتب لمروان أن يكمل طريقه الرياضي، واعتزل نتيجة اعتقاله مجددا من قبل إسرائيل، ثم لبضع سنوات من قبل السلطة الفلسطينية التي خرج من سجونها مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.
وتقول مصادر محلية إن عيسى كان شابا دمثا خلوقا ومنضبطا في شؤون حياته كافة، سواء داخل الملاعب أو خارجها. وانتقل "مروان عيسى" من ملاعب كرة السلة إلى ساحات المقاومة ومقارعة الاحتلال، وارتقى إلى أن أصبح الرجل الثاني في قيادة كتائب القسام، نائبا لقائد الأركان فيها محمد الضيف، وخلفا لأحمد الجعبري الذي اغتالته إسرائيل عام 2012. وإضافة إلى دوره العسكري، فهو عضو في المكتب السياسي لحركة حماس، ويعتبر حلقة الوصل بين المستويين السياسي والعسكري في الحركة.
خوف الصهاينة من "كوماندوز فلسطين"
نشرت حماس في مارس/آذار الماضي بعد انتخابات الحركة الداخلية في قطاع غزة، صورة للفائزين بعضوية مكتبها السياسي في دورته الجديدة، حيث حرص فيها "عيسى" على الوقوف في الصف الخلفي وهو يغطي وجهه بقناع "كمامة"، بخلاف جميع من حوله. وفسّر المحلل العسكري الإسرائيلي "أمير بوخبوط" ذلك بأنه حرص على إخفاء ملامح وجهه، ولم يكن ذلك وقاية من فيروس كورونا. وكرّس "بوخبوط" تقريرا مطولا نشره موقع "ويلا" المقرب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في مارس/آذار الماضي، سرد فيه مسيرة عيسى الذي قال عنه إنه "رضع كراهية إسرائيل منذ مولده"، والتحق بحركة حماس وهو بعمر 19 عاما، وتدرج في صفوفها التنظيمية حتى أصبح اليوم يقف خلف "جزء ليس بالقليل" من قرارات كتائب القسام، بشكل مستقل أو بالتشاور مع "يحيى السنوار" قائد الحركة في غزة.
ونقل عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إن "مروان عيسى ذكي جدا لدرجة أنه يمكنه تحويل البلاستيك إلى معدن"، وهو "رجل أفعال لا أقوال، ومن هنا مصدر قوته، فقد أثبت للجميع أنه عندما يعد، يفي". وعندما اعتقلته إسرائيل في تسعينيات القرن الماضي ضمن حملة اعتقالات لنشطاء حماس، ظهر عيسى بوضوح "رجلا في غاية الصلابة". وبحسب المحلل العسكري الإسرائيلي، اعتنق "عيسى" في سجون الاحتلال فكر كتائب القسام، وانضم إليها عضوا فاعلا، وبدأ الصعود إلى القمة، ثم مع مرور الأيام صار جزءا من قيادة حماس وجهازها العسكري.
الأدوار المختلفة لنائب قائد قوات "عز الدين القسام" في تطوير المقاومة
بعد خروجه من سجون السلطة مع اندلاع انتفاضة الأقصى، لعب "عيسى" دورا محوريا في الانتقال بكتائب القسام من خلايا نصف عسكرية منظمة على أساس هيكلة عسكرية، إلى كتائب ووحدات وألوية طبقا لهرم إداري واضح. وبمرور السنوات، تطور عيسى على صعيدين: الأول التدرج على سلم الدرجات في التنظيم، والثاني هو المحور التقني الصناعي، بحسب التقرير العسكري الإسرائيلي.
حرب الأدمغة ومحاولات اغتيال "مروان عيسى"
نظرا لدوره الرئيس في صفقة تبادل الأسرى المعروفة شعبيا باسم "صفقة شاليط" عام 2011 إلى جانب "الجعبري"، علم "مروان عيسى" أنه في دائرة الاستهداف الإسرائيلية، ولذلك فإنه تحرك بسرية تامة، وهيأته غير معلومة لأغلبية سكان غزة الذين ينسجون حكايات عن بطولة الرجل الذي قاد -إلى جانب القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف- الحرب الأخيرة على غزة التي تسميها المقاومة "معركة سيف القدس". وتقول أوساط أمنية وعسكرية إسرائيلية إن إسرائيل حاولت الوصول إلى مروان عيسى لتصفيته أكثر من مرة، وقد أصيب في غارة جوية عام 2006، كما دمرت مقاتلات حربية منزله مرتين خلال العدوان الأخير وفي عدوان 2014.
واللافت أن تقارير إسرائيلية كشفت قبل العدوان الأخير بنحو شهرين أن "الحرب القادمة ضد حماس ستكون قاسية ومؤلمة بالنسبة للجيش والجبهة الداخلية الإسرائيلية"، وأن هذه الحرب "ستكون مغايرة ومليئة بالمفاجآت، ليس فقط على المستويين البحري والجوي، ولكن بشكل خاص على المستوى التكنولوجي وتطوير وسائل قتالية خاصة". وأظهرت كتائب القسام خلال 11 يوما من الحرب الأخيرة أنها حققت قفزات نوعية على صعيد تطور الصواريخ، من حيث المدى والقوة التدميرية ومعدلات الإطلاق. وتضع تقارير أمنية واستخباراتية إسرائيلية "مروان عيسى" من بين أبرز المسؤولين عن تطور القدرات العسكرية للكتائب، وأنه طالما ظل على قيد الحياة فإن ما تصفه بــ"حرب الأدمغة" بين حماس وإسرائيل ستبقى متواصلة.
الرجل الذي حرم أجهزة الأمن الإسرائيلية من النوم
لقد زاد الدور اللافت له بعد خروجه والقيادي في "حماس"، "محمود الزهار"، في جولة خارجية شملت إيران. آنذاك، تحدث الإسرائيليون عن ربط عيسى مصير الحركة بـ"محور المقاومة"، ومساهمته في صياغة اتفاق يقضي بوحدة الساحات بين دول المحور ومكوناته. نفت «حماس» ذلك المضمون حينها، لكن هذا لم ينفِ ارتقاء العلاقة والتنسيق إلى مستوى أفضل، ثم قيل بعد سنتين إن لعيسى دوراً في محاولات الحركة إصلاح علاقتها بسوريا. ولقد برز اسمه أكثر حين شارك في وضع الأفكار العسكرية وتحويلها إلى أفعال على الأرض، فضلاً عما يحوزه من قدرات على المناورة. ووفقاً لوصف أحد الضباط الإسرائيليين، فإن لديه قدرة "على لحام البلاستيك بالمعدن" وهذه دلالة على صنع المستحيل، إلى أن حدث هجوم الكوماندوز البحري على شاطئ "زيكيم" في حرب 2014، ما أظهر أن جعبة "حماس" مليئة بالمفاجآت براً وبحراً وجواً. ثم بعد 2014، قفز "عيسى" بين المستويين الأمني والسياسي، وبات موفداً للتفاوض في القاهرة مع إسرائيل بوساطة مصرية، على ملفات من ضمنها إمكانية إبرام تبادل أسرى. لكن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، حين كشفت "حماس" عن القوة الإسرائيلية الخاصة في خانيونس، وفي جزء من جولات التصعيد في غزة، والضربات الجوية التي استمرت 44 ساعة، ظهر انطباع بأنه سيتم القضاء على مروان في أي لحظة، كما تدّعي التقارير الإسرائيلية.
وسبق أن كشفت عدد من المصادر الاخبارية، أنه في كانون الثاني 2019، أحبطت الأجهزة الأمنية للمقاومة خطة إسرائيلية للتجسس على قادة جناحها العسكري باستخدام أجهزة إلكترونية وُضعت على شبكة الاتصالات الخاصة بالجناح العسكري، ومراقبة الأجهزة المحمولة، وظهر "عيسى" على قمة أهداف هذا التجسس. يقولون عنه في "الشاباك" الصهيوني: "مروان عيسى بات اليوم عملياً إحدى أقوى شخصيات حماس في غزة. وهو لا يتحدث لكنه يفعل، وهنا مصدر قوته. ولا يركز عمله في المجال العسكري والأمني فقط، بل في المستوى السياسي".