الوقت- في ظل مطالبة العديد من الدول العربيّة بعودة سوريا إلى مقعدها بما تُسمى "جامعة الدول العربية"، بعد أن أفلست بعض الدول العربيّة التي دعمت الإرهاب في سوريا، تحت شعار "حماية الأمن القوميّ العربيّ، ومواجهة التدخلات الخارجيّة في المنطقة"، اتهم الممثل الخاص للرئيس الروسيّ في سوريا، السفير ألكسندر يفيموف، بعض العواصم الغربيّة بعرقلة الجهود الراميّة إلى عودة دمشق إلى “بيتها العربيّ”، في إشارة إلى الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبيّة، وذلك بعد توافق عربيّ (شبه تام) على إعادتها إلى عضوية الجامعة وتسلم مقعدها لتكون ضمن المنظومة العربيّة بدلاً من استمرار عزلها.
بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها سوريا في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، بدعم من الحلفاء خاصة محور المقاومة، وبالتزامن مع مساعي روسيا منذ فترة لكسر العزلة العربيّة المفروضة على دمشق منذ العام 2012، أوضح السفير يفيموف، في حوار مع وكالة الأنباء السورية (سانا)، أن بعض العواصم الغربيّة تسعى لاستمرار حالة الانقسام في العالم العربيّ لأطول فترة ممكنة وبكل وسيلة بما في ذلك منع عودة سوريا إلى "البيت العربيّ"، لافتاً إلى أن بلاده مقتنعة بأن عودة العلاقات الطبيعيّة بين دمشق والدول العربية ستفيد منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وستلعب دوراً مهماً للغاية في تجاوز الأزمة السورية.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه تقارير إعلاميّة أنّ سوريا وصلت إلى بداية نهاية أزمتها التي دخلت عامها الحاديّ عشر، اعتبر السفير الروسيّ أنّه لا يزال لدى سوريا العديد من الأصدقاء الأجانب والشركاء في الرأيّ، وأكّد حقيقة أنّ عدد الدول التي تهتم بإعادة العلاقات مع سوريا وتطويرها أكبر مما نراه الآن، وعندما يحين الوقت ستعلن عن نفسها بالتأكيد، وقد كشفت مصادر دبلوماسيّة غربيّة في سوريا، في وقت سابق، أنّ عدداً من السفارات الأوروبية تستعد لاستئناف نشاطها في دمشق في القريب العاجل، فيما رُفعت أعلام كل اليونان وهنغاريا وصربيا، إلى جانب علم الاتحاد الأوروبّي، على سفاراتهم في دمشق، وأشار يفيموف إلى أن العديد من ممثلي الدوائر الدوليّة أدركوا منذ مدة طويلة أن الخطاب المعادي لدمشق والذي تفرضه بعض العواصم الغربيّة "لا يلبي سوى مصالح دائرة ضيقة للغاية من اللاعبين الأجانب".
بناء على ذلك، تُصر الإدارة الأمريكيّة وحلفاؤها على عرقلة عودة دمشق إلى الحضن العربيّ لمنع إعادة النبض إلى قلب الجامعة العربيّة الميّت منذ أن غُيبت سوريا قبل عقد من الزمن، إضافة لمنع تحقيق أيّ انفراج في الشارع السوريّ المُنهك من الحصار الأمريكيّ والغربيّ الذي استهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر، في ظل هشاشة لا توصف للدور العربيّ المرتهن لأوامر القيادات الأمريكيّة.
وعقب الفشل الدوليّ والعربيّ في إيجاد حلول سياسيّة للأوضاع المتأزمة منذ عشر سنوات في سوريا الجريحة، تسعى الولايات المتحدة ومن معها لعرقلة جهود بعض الدول العربيّة في التدخل الايجابيّ في هذا الملف، لإيقاف محاولة توفير مظلة عربيّة جيدة لسوريا وبالتالي عرقلتها في تجاوز عثرتها الحالية، ويُعد الملف السوريّ من الملفات الأكثر تعقيداَ بالمنطقة، بالنظر إلى كثرة اللاعبين الدوليين ووجود قوات عسكريّة لعدّة دول على أراضيها بشكل غير شرعيّ (دون موافقة الحكومة السوريّة).
وباعتبار أن عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية يُعد صفعة لأمريكا والدول الغربيّة التي تساندها في مشاريعها العدوانيّة، فلابد من عرقلة حدوث ذلك لحفظ ماء الوجه بعد أن دفعوا بكل ما أوتوا من قوة لإسقاط "معادلة سوريا" وتشريد وتجويع شعبها، وبما أن عودة دمشق للحضن العربي تعني باختصار "فشل المشروع الغربيّ في المنطقة" وانتصار السوريين وحلفائهم في هذه الحرب الشعواء، فمن الطبيعي أن يكون احتلال سوريا مقعدها الطبيعيّ باعتبارها من الدول المؤسسة للجامعة، أمراً مرفوضاً بالنسبة لأصحاب المشاريع الاستعماريّة والعدوانيّة في منطقتنا.
كذلك، فإنّ الهدف الأول والأخير يصب في منع حدوث أيّ تعاون شامل بين الدول العربيّة، لأن تتضافر الجهود لدعم العمل العربيّ المشترك، وخاصة عودة سوريا لممارسة دورها سينعكس بأهميّة على العالم العربي بأكمله، وهذا بالطبع ما لا يودون حدوثه، ويواجهون بقوة عودة سوريا للجامعة، لأنّها رسالة من الدول العربية بأنها لا تزال تحظى باهتمام عربيّ كبير، وعودة لملء الفراغ الذي تركته خلال الفترة المنصرمة، كما أن لها انعكاسات إيجابية بإحياء فكرة النظام الإقليميّ العربيّ في مواجهة النظام شرق الأوسطي التي تدعو إليه بعض الدول الأخرى.
نتيجة لكل ذلك، إنّ الموقف العربيّ شبه مُجمع على عودة سوريا للجامعة لكن الخلاف على توقيت عودتها، وإنّ حجم الضغوط التي ستفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها هي التي ستحدد سرعة حدوث ذلك، وخاصة أنّ أغلب الأنظمة العربيّة تسير وفقاً للأوامر والتعليمات الأمريكيّة، وإنّ الجامعة العربيّة نفسها أظهرت بشكل جليّ خلال سنوات الحرب على سوريا، أنّها أداة طيعة في يد القوى الأجنبيّة بعد أن طردت سوريا عام 2011 بأوامر أمريكيّة، وهي بعيدة كل البعد عن الدفاع عن مصالح الدول العربية وزيادة تضامنها وتعاونها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، والتحرر من السيطرة الأجنبيّة وتحقيق الوحدة بين الدول الأعضاء، والمقابل شراء صمت واشنطن ورضاها عمّا تقوم به بعض الحكومات العربية من سياسات قمعيّة أو إجراميّة، وضمان حماية عروشهم المتهالكة وأنظمتهم المتخلفة.