الوقت-تمكن حزب العدالة والتنمية من تجاوز نكسته السابقة في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي، وبات بإمكانه تشكيل حكومة منفردا من دون الاضطرار إلى أي تحالفات مع أحزاب أخرى، ليواصل حكم تركيا لأربع سنوات مقبلة في مسيرة بدأها منذ عام 2002 .
العدالة والتنمية استطاع أن يحصد قرابة 49.4 في المئة ليستأثر بنحو 316 مقعدا في البرلمان مقارنة بنحو 258 نائبا في انتخابات الصيف الماضي .
ودعا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان العالم كله يوم الاثنين إلى احترام نتيجة الانتخابات البرلمانية التي جرت في بلاده يوم الأحد والتي أعطت لحزب العدالة والتنمية الذي أسسه نحو 50 في المئة من الأصوات .
وقال اردوغان للصحفيين بعد أن أدى الصلاة في مسجد باسطنبول إن الأتراك صوتوا لصالح الاستقرار في أول نوفمبر تشرين الثاني بعد اخفاق محادثات تشكيل ائتلاف عقب الانتخابات التي جرت في يونيو حزيران.
واعتبر الرئيس التركي إن هذه النتيجة تصويت من أجل الاستقرار ورسالة إلى المتمردين الأكراد في جنوب شرق البلاد بأن العنف لا يمكن أن يتعايش مع الديمقراطية.
نتائج الانتخابات على الأرض:
اعتبر رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أن نتائج الانتخابات نصر للديمقراطية في تركيا، حسب وصفه، وأضاف داود أوغلو في تغريدة على تويتر "الحمد الله " قبل خروجه من منزل عائلته في مدينة قونية بوسط الأناضول ليلقي كلمة أمام حشود من الأنصار المبتهجين، وخاطب الجماهير المحتشدة قائلاً: "نأمل أن نخدمكم جيدا على مدى السنوات الأربع القادمة وان نقف أمامكم مرة ثانية عام 2019"، وطالب أوغلو في وقت لاحق في المقر الرئيسي لحزب العدالة والتنمية في أنقرة الأحزاب السياسية على العمل معا لوضع دستور جديد قال اردوغان إنه يريد أن يتضمن سلطات تنفيذية للرئاسة .
وفي اول تصريح من قبل المعارضة التركية، قال مسؤول كبير من حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة الذي كان يفكر في "الحد من" نفوذ إردوغان من خلال حكومة ائتلافية إن النتيجة هي "ببساطة كارثة " ، بالرغم من أن الحزب عزز مواقعه قليلا وحصد 25.4 في المئة مقارنة بنحو 24.9 في المئة في الانتخابات الماضية ورفع تمثيله بنائبين جديدين ليفوز بـ 134 نائبا في البرلمان الجديد.
أما الحركة القومية فقد منيت بنكسة كبيرة إثر الانشقاقات الكبيرة والتحاق بعض أعضائها بالحكومة المؤقتة ما تسبب في خسارتها نصف مؤيديها مقارنة بالانتخابات الماضية، فلم تحقق أكثر من 12 في المئة ليهبط عدد نوابها إلى 41 مقارنة بـ 80 في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي، وربما دفع الحزب ثمن رفضه التحالف مع أي طرف لتشكيل حكومة، ولاحقا انحيازه للعدالة والتنمية في اختيار رئيس البرلمان .
وعلى الجانب الكردي، حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد والذي يتزعمه صلاح الدين ديمرطاش، فقد حصل على عشرة فاصلة خمسة بالمئة من الأصوات فقط ، وبذلك سيبقى في البرلمان عبر تسعة وخمسين نائبا في تراجع واضح عن النسبة التي حققها في انتخابات حزيران يونيو الماضية والتي حرمت وقتها حزب العدلة والتنمية من الغالبية الحكومية.
وعلى الأرض، هز انفجار قوي الأحد 1 نوفمبر/تشرين الأول أحد المحال التجارية في بلدة نصبين التابعة لمحافظة ماردين جنوب شرق البلاد مما تسبب في حالات اختناق لأكثر من 20 شخصا تطلب نقلهم إلى المستشفى سريعا .
وقالت شبكة "رووداو" الإخبارية الكردية إن الانفجار أسفر عن احتراق المحل بالكامل، كما لحقت أضرار بالأبنية المجاورة .
من جانبها قالت صحيفة "حريتيت" إن الحادث كان بسبب انفجار سيارة، فيما لم يتسن بعد معرفة ما إذا كانت السيارة انفجرت في حادث أو هجوم .
وكانت السيارة انفجرت أحد الشوارع نحو الساعة 18.30 بتوقيت غرينتش، بالتزامن مع متابعة إعلان نتائج الانتخابات العامة، وتسببت في أضرار لمبان ومتاجر وبحريق في أحد المحلات .
الى ذلك تجمهر مئات الشبان الاكراد الرافضين لنتائج الانتخابات في مدينة ديار بكر بجنوب شرق تركيا التي يغلب على سكانها الأكراد وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على محتجين الذين انطلقوا من أمام مقر حزب الشعوب الديمقراطي في المدينة.
تركيا ما بعد الانتخابات:
وتنافس في هذه الانتخابات المبكرة 16 حزبا، أبرزها حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي, على 550 مقعدا بالبرلمان، حسم الأول فيها الصراع بنسبة أولية تقدر بـ50 %.
ويبلغ عدد نواب البرلمان التركي 500 عضو، يحق لحزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يشكل الحكومة إذا حصل علي 267 مقعدا، وأن يعدل الدستور بعد استفتاء عام إذا حصل علي 330 مقعدا، وأن يعدل الدستور دون استفتاء إذا تجاوزت نسبته 376 مقعدا .
وبنجاح 319 نائب لحزب العدالة والتنمية، ستمنح هذه النسبة لأردوغان وحزبه الأحقية ليشكل الحكومة، كما يمكن له كتابة دستور جديد وطرحه للاستفتاء، باجتذاب مجموعة من النواب القوميين أو الأكراد .
بإمكان الحزب أيضا إن كان عازمًا أن يضع دستورا توافقيا مع حزب الشعب الجمهوري، والذي سيتميّز حينئذ بعدم حاجته لاستفتاء نظرًا لتجاوز مقاعد الحزبين معًا الأربعمائة مقعد .
وبالرغم أن سياسة أردوغان تتعرض لانتقادات كثيرة في الداخل التركي، ومن بلدان إقليمية ودولية، فإن نتائج التصويت تمنح أردوغان قوة إضافية لمواصلة سياسته الخارجية في الملفات الإقليمية وخاصة في الملف السوري في وقت تشهد فيه المنطقة تغيرات درامية مع دخول روسيا بقوة على خط الأزمة، ونوايا الولايات المتحدة بزيادة عملياتها ودعم أطراف لا تروق لأنقرة .
اذاً تمكن الرئيس التركي أمس من تحقيق أول خطوة في في طريق تحقيق مصالحه الشخصية، وسيبقى المشهد السياسي التركي المقبل هذا الفترة حبيس طموحات أردوغان في الهيمنة على السلطة وتغيير شكل النظام من برلماني إلى رئاسي، وبالتالي إحكام قبضته على البلاد بكل مفاصلها، وهو المسعى الأكبر الذي يضعه اردوغان نصب عينيه الذي تدور في فلكه جل التحالفات وجل الخطوات التي روج سابقا أنها ربما تصل حدّ توجهه إلى استفتاء الشعب التركي حول طموحه ذاك إذا لم يتمكن من تمريره وفق الوسائل القانونية التي أفرزتها الشرعية الانتخابية .