الوقت- طرأت خلال السنوات الماضية تطورات كثيرة على الساحة الدولية والإقليمية، وكانت العديد من الدول الغربية تسعى إلى تهميش المقاومة وتقليص قوتها. وفي غضون ذلك، بذل الرئيس الأمريكي الأسبق "دونالد ترامب"، خلال سنوات حكمه الأربع، قصارى جهده لإخراج زمام المبادرة من أيدي المقاومة ووضع القوة في كفة الكيان الصهيوني. وتحقيقا لهذه الغاية، اتخذ الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية قرارات خطيرة في المنطقة. ففي الـ6 كانون الأول 2017، اتخذ "دونالد ترامب" قرارًا مثيرًا للجدل بتعيين "القدس المحتلة" عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس.
ولقد تسببت خطوة الرئيس الأمريكي السابق هذه في الكثير من الجدل، بل أدت إلى انتفاضة فلسطينية واسعة النطاق. وعلى الرغم من مقتل وجرح العديد من الفلسطينيين احتجاجا على قرار واشنطن العدائي، رفضت واشنطن إلغاء ذلك القرار. ومن ناحية أخرى، قطعت الحكومة الأمريكية مساعداتها المالية عن السلطة الفلسطينية، وسنت قوانين معادية ضد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) حتى لا تتمكن من مواصلة دعمها للاجئون الفلسطينيون ولكن هذا لم يكن نهاية الأمر، حيث تبنى المسؤولون الأمريكيون سياسات جديدة أخرى خلال الفترة الماضية.
وفي هذا الصدد، وصفت الإدارة الأمريكية السابقة المستوطنات غير الشرعية للكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة بأنها مشروعة. وكان هذا الإجراء كافياً للكيان الصهيوني لتسريع عملية بناء المستوطنات الصهيونية بشكل أكبر بهدف زيادة السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس المحتلة. وإدراكًا منهم أن محور المقاومة كان دائمًا "كيانًا واحدًا لا يتجزأ"، وسع المسؤولون الأمريكيون النطاق الجغرافي لسياساتهم العدائية، واعترفوا هذه المرة بالكيان الصهيوني في مرتفعات الجولان المحتلة. كما حاول الأمريكيون من خلال هذا الإجراء إضعاف المقاومة في تلك المنطقة بشدة، هذا على الرغم من حقيقة أنه خلال العقود القليلة الماضية، لم تعترف الحكومة الأمريكية رسميًا بالحكم الصهيوني على مرتفعات الجولان.
ومن ناحية أخرى، كان الكشف عن خطة "صفقة القرن" أحد الإجراءات الأخرى للأمريكيين في السنوات الأخيرة، والتي بذلوا من خلالها كل جهد لإعادة تصميم هيكل المنطقة بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني. ومع الكشف عن خطة "صفقة القرن"، سعى المسؤولون الأمريكيون إلى إنهاء القضية الفلسطينية وتحقيق التوازن بين معادلات المنطقة ومطالب الكيان الصهيوني. وخطة ضم الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة كان أيضا قرار خطير آخر اتخذته واشنطن في المنطقة في السنوات الأخيرة ولكن هذه الخطة قوبلت، بالطبع، بمعارضة واسعة من الفلسطينيين. كما أن تسريع تطبيع العلاقات بين الدول العربية المختلفة والكيان الصهيوني جزء من جهود تهميش محور المقاومة في المنطقة. وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" كان مؤسس تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، فقد صرح الرئيس الامريكي الجديد "جو بايدن" أيضًا أنه يدعم هذه السياسة ويعززها.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تعريف فرض عقوبات واسعة النطاق على سوريا، المعروفة باسم "قانون قيصر"، في سياق تكثيف الضغط على محور المقاومة في السنوات الأخيرة. وفي الوقت نفسه، فرض الأمريكيون عقوبات شديدة على الحكومة اللبنانية. إن كل هذه التطورات التي وقعت في السنوات الأخيرة تظهر بوضوح أن واشنطن وتل أبيب لم تدخرا جهداً لتحديد التطورات الإقليمية لصالحهما. إن الأمريكيون، الذين كانوا يأملون في تحقيق أهدافهم من خلال كل هذه السياسات، وخاصة في فلسطين، واجهوا فجأة معركة تسمى معركة "سيف القدس". غيرت هذه المعركة كل حسابات واشنطن وتل أبيب في المنطقة. وهكذا، يمكن القول أن معركة "سيف القدس" لم تجعل سياسات السنوات السابقة غير مثمرة فحسب، بل امتدت ساعدت المقاومة في فلسطين أيضًا على الوصول إلى ما وراء جغرافية غزة إلى القدس المحتلة والضفة الغربية.
الجدير بالذكر أن العدد الكبير وغير المسبوق للهجمات الصاروخية في الحرب الأخيرة، واستخدام أسلحة بعيدة المدى برؤوس حربية ثقيلة مثل صاروخ "عياش 250" أو صواريخ "بدر 3 و M75"، واستخدام طائرات "شهاب" الانتحارية الجديدة، شكّل تحدياً رئيساً لنظام الدفاع الإسرائيلي وذلك عقب ناجح قوات المقاومة الفلسطينية بضرب المنشآت العسكرية الصهيونية بدقة عالية، حيث أظهرت الضربات الصاروخية للمقاومة على مطارات الكيان ومخازن النفط في شمال الأراضي المحتلة إلى الجنوب خلال 12 يومًا من القتال أنه بمرور الوقت، نمت القدرة العسكرية للمقاومة بشكل كبير، وأكدت أنه في المعركة التالية التي قد تحدث في المستقبل القريب، سوف يتمكن أبطال المقاومة من استخدام المزيد من الأسلحة الحديثة وسوف يتمكنون من تغيير قواعد الحرب لمصلحتهم وتنفيذ هجمات قوية في أعماق الأراضي المحتلة.
وإضافة إلى ذلك، لقد تحطمت هيمنة الكيان الصهيوني مرة أخرى خلال حرب الـ 12 يومًا، وتعرض هذا الكيان للإذلال أمام الرأي العام في المنطقة والعالم. وحتى كبار قادة الكيان الصهيوني لم يعلنوا بعد، الانتصار على فصائل المقاومة في فلسطين. ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من الضغوط العديدة التي تمارسها أجهزة المخابرات الغربية والعربية، ستجرى الانتخابات السورية في الأيام القليلة المقبلة. ومما لا شك فيه أن هذه الانتخابات ستكون رمزا لانتصار المقاومة في سوريا، لأن الولايات المتحدة والغرب والدول العربية لم تألو جهدا في منعها. إن إجراء انتخابات رئاسية في سوريا يعني أنه على الرغم من الحرب والعقوبات والحصار، فإن سوريا تتجه نحو ساحل الاستقرار والسلام.
وفي غضون ذلك، وصلت معركة مأرب الاستراتيجية في اليمن إلى مراحلها الحرجة، وسيتم في المستقبل القريب إذاعة خبر التحرير الكامل لهذه المدينة الاستراتيجية على ايدي أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله". ولقد هز التقدم الذي حققه أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية "أنصار الله" على الأطراف الغربية لمدينة مأرب، السعوديين الذين أصبحوا يرون الهزيمة أقرب من أي وقت مضى ويسمعون صوت تكسير عظام مرتزقتهم، وخاصة مع بدء القتال حول البوابات الغربية لمأرب، حيث أصبح العد التنازلي لدخول الجيش اليمني واللجان الشعبية إلى المدينة أسرع، وهذا الأمر دفع النظام السعودي للاستعانة بتنظيم القاعدة الإرهابي كآخر فرصة له لمنع سقوط هذه المدينة الإستراتيجية في أيدي أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية. وعليه، فإن كل هذه التطورات في الأراضي المحتلة من فلسطين وسوريا واليمن ولبنان تشير إلى أن المقاومة تمر بأيام رائعة ومشرقة رغم كل سياسات بعض الدول الغربية والعربية العدائية من حرب وعقوبات وحصارات. ومن الواضح أن تطورات مهمة ستحدث في المنطقة في المستقبل القريب.