الوقت- التقى وزراء خارجية الكيان الصهيوني وقبرص واليونان والمستشار الدبلوماسي الإماراتي أمس في اجتماع رباعي في قبرص لبحث الشراكة الاستراتيجية. حيث يأتي الاجتماع الرباعي في وقت تشهد فيه تركيا خلافات في شرق البحر المتوسط مع قبرص واليونان وإسرائيل، ومن ناحية أخرى تحاول تركيا إعادة تطبيع العلاقات مع الصهاينة خلال الأشهر الثلاثة الماضية لتقليل التوترات مع الإمارات وكذلك فتح الباب للمفاوضات مع اليونان.
أهداف القمة الرباعية القبرصية
حضر هذا الاجتماع الذي عقد في بافوس في قبرص، وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، ووزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، ووزير الخارجية القبرصي نيكوس كريستودوليدس، ومستشار رئيس الامارات للشؤون الدبلوماسية أنور قرقاش.
وفي خطاب استفزازي، وصف غابي أشكنازي الاجتماع بأنه شراكة استراتيجية جديدة تمتد من شواطئ الخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا. وحاول ممثلو الإمارات والكيان الصهيوني إبراز الأبعاد الجيوستراتيجية للقاء وإعلانه علامة على تغيير في وجه الشرق الأوسط.
ومن ناحية أخرى، تحاول اليونان، التي لديها خلافات جيوسياسية عميقة مع تركيا والذي تسببت الاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا بتعميق هذه الاختلافات، استخدام هذا الاجتماع كوسيلة للضغط على تركيا. حيث ان اليونان تعارض التدخل التركي في ليبيا، لذلك أكد وزير الخارجية اليوناني في خطاب متلفز لتركيا أن بلاده ملتزمة بحل الصراع وفق القانون الدولي وتدعو إلى انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا. وقال ان "اليونان تسعى لاقامة علاقات ايجابية مع دول الجوار ودعا وزير الخارجية التركي لزيارة اثينا". وقالت الإمارات التي تعتبرها تركيا كضيف غير مدعو ان "الحلول السياسية هي السبيل الوحيد لإنهاء النزاعات في المنطقة، والاجتماع الرباعي هو فرصة لتبادل وجهات النظر وتنسيق التعاون على أعلى المستويات". الى ذلك فان هذا الاجتماع، الذي كان له توجه فعلي معاد لتركيا، سكب الماء على مواقف أردوغان خلال الأشهر الثلاثة الماضية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ومحاولاته تهدئة التوترات مع الإمارات.
تركيا في مضيق سياسي
منذ أن تقلد أردوغان تاج العثمانية الجديدة وتحول من ليبيا إلى شمال إفريقيا والقوقاز وأرمينيا وجعلها بؤرة للنفوذ وعرض القوة، فقد قبل أي مساعدة من أي دولة في هذا الصدد من خلال تقديم امتيازات اقتصادية وسياسية. وكان من بينها المساعدة العسكرية الإسرائيلية لجمهورية أذربيجان في حرب ناغورنو كاراباخ، والتي غيرت فجأة السياسة التركية تجاه الكيان بعد عشر سنوات من العلاقات المتوترة مع الصهاينة. حيث قطعت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني بعد أن هاجمت القوات الخاصة الإسرائيلية قافلة تحرير تركية عام 2010 لمساعدة أهالي غزة. وعلى الرغم من تحسنها قليلاً في عام 2016، إلا أن مستوى العلاقات ظل قاتما. هذا ورأى الرئيس الأذربيجاني إلهام علي اوف، الذي هاجم ناغورنو كاراباخ بدعم سياسي وعسكري تركي، أنه من المناسب التوسط بين تركيا والكيان الصهيوني، وأبدت أنقرة على عجل استعدادها لتطبيع العلاقات.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أنشأت أنقرة قناة سرية مع تل أبيب، والتقى هاكان فيدان، رئيس وكالة المخابرات الوطنية التركية، عدة مرات بمسؤولين أمنيين إسرائيليين، بمن فيهم رئيس الموساد يوسي كوهين. ومن ناحية أخرى، يرى الكيان الصهيوني، الذي يرى في مصلحته تطبيع العلاقات مع الدول العربية، أقل حاجة من ذي قبل لتطبيع العلاقات مع تركيا. إضافة إلى ذلك، يستغل الكيان الصهيوني الخلافات بين السعودية والإمارات وتركيا، ويلعب حاليا مع تركيا بورقة هذه الدول.
والامر الذي جعل قمة قبرص الرباعية ساحة أقوى لمواجهة سياسات تركيا الإقليمية هو وجود الإمارات. حيث انه ليس لدولة الإمارات مصالح جيوسياسية وخاصة في الانحياز إلى الكيان الصهيوني وقبرص واليونان في شرق البحر المتوسط، باستثناء خلافاتها مع تركيا في ليبيا. لذلك فإن وجود الإمارات في هذا اللقاء يربط البعد الأيديولوجي بالبعد الجيوسياسي، لأن الإمارات معارضة بشدة لسياسات الإخوان الأتراك في المنطقة.
كما ان الكيان الصهيوني يحصد مكاسبه الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية أمام مرآى أنقرة. ففي أوائل عام 2019، أنشأت إسرائيل اتحاداً للغاز مع ست دول: وهي قبرص واليونان وفلسطين وإيطاليا ومصر والأردن. وفي مارس 2021، وقع هذا الكيان مذكرة تفاهم بشأن مشروع نقل الطاقة الكهربائية الذي يرعاه الاتحاد الأوروبي بين اليونان وقبرص وإسرائيل. حيث ان الاتحاد الأوروبي تمدد الان لشرق البحر الأبيض المتوسط. فكلما ارتبطت المصالح الجيو-اقتصادية للاتحاد الأوروبي بالدول المطلة على شرق البحر الأبيض المتوسط، زادت احتمالية المواجهة بين تركيا وأوروبا وعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد تركيا.
وليس لتركيا حليف في هذه المياه باستثناء شمال قبرص والحكومة الليبية، البعيدة عن شرق البحر الأبيض المتوسط. لذلك فهي في أضعف موقف، ومن ناحية أخرى فإن أردوغان مصمم على تطوير واستغلال حقول النفط والغاز في البحر المتوسط. ومع ذلك، فإن تحالف الإمارات مع الدول الثلاث في القمة القبرصية استهدف في الوقت نفسه عثمانية أردوغان ومصالح تركيا الجيوستراتيجية.
وقال أردوغان في رد حاد يوم أمس بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة إن "هجوم إسرائيل على غزة هو سياسة إسرائيلية واضحة تجاه المسلمين". وقال "ما دامت اسرائيل مصرة على استمرار هذا الموقف فان علاقاتنا الثنائية لن تصل الى المستوى الذي نأمله". هذه المرة، كانت لهجة خطاب أردوغان أكثر حدة من الانتقادات التي وجهها في الأشهر الثلاثة الأخيرة لسياسة الكيان الصهيوني تجاه غزة.
الى ذلك شكلت التغييرات الأخيرة على اطراف تركيا وأهمية البعد الاستراتيجي للقمة القبرصية تحديا خطيرا لسعي أردوغان لاتخاذ سياسة إقليمية مناسبة ضد الخطوط الحمراء السياسية والجيوسياسية. وهكذا، اضطرت تركيا إلى إعادة النظر جذريا في سياساتها الإقليمية. وبسبب الأعمال الاستفزازية للكيان الصهيوني وتصميمه على تطوير موارد الطاقة، تتزايد صراعات تركيا مع هذا الكيان يوما تلو الاخر.
