الوقت- في حكم يجسد طبيعة النظام الحاكم في مملكة آل سعود ويعكس حجم ظلمه واستبداده، قضت محكمة سعوديّة بسجن الناشط الإغاثيّ، عبد الرحمن السدحان، 20 عاماً ومنعه من السفر 20 عاماً أخرى، بتهمة "إدارة حساب ساخر" على موقع تويتر، ما أظهر النظام السعوديّ مجدداً على صورته الحقيقيّة، بعد أن تفوقت السعودية على جيرانها واحتلت المرتبة الأولى في القمع والاستبداد، بحسب نتائج المسح الذي أجراه مركز “البيت الخليجيّ للدراسات والنشر” كأول إصدار بحثيّ متخصص بقياس درجة “المشاركة السياسيّة” بدول الخليج قبل مدة، والذي صنف السعودية كمملكة للقمع والحكم الاستبداديّ، وحلّت في المرتبة الأخيرة على مستوى دول الخليج في مؤشر المشاركة السياسيّة في ظل حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة، في الوقت الذي تخلى فيه الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، عن عهوده الانتخابيّة حول أنّه سيجعل من السعودية بلداً منبوذاً دوليّاً، على خلفية جريمة قتل وتقطيع الصحافيّ السعوديّ، جمال خاشقجي، البشعة في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركيّة قبل سنوات، وعلى خلفية المأساة الإنسانيّة في اليمن بسبب العدوان السعوديّ - الإماراتيّ المتصاعد على هذا البلد المكلوم منذ أكثر من 6 سنوات.
أسلوب استبداديّ
سجلت السعودية تدنيّاً واضحاً في عدة مقاييس من أهمها العلامة “صفر” في مقياس التنظيمات السياسيّة، ودرجات شديدة الانخفاض في مقاييس الحياة الدستوريّة، والانتخابات العامة، والشفافيّة، وحرية الرأي والتعبير، إضافة إلى إشكاليات بالغة التعقيد في مختلف هذه المقاييس وخاصة فيما يتعلق بالحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، واللافت في الأمر أنّ بايدن وفور دخوله البيت الابيض انقلب وبشكل دراماتيكيّ على كل وعوده الانتخابيّة، بغض النظر عن بعض الاجراءات الفاشلة التي لم تردع الرياض ولم تمنعها من مواصلة ذات السياسة القمعيّة.
وبناء على ما ذُكر، لم تتغير سياسة الولايات المتحدة في عهد بايدن عمّا كانت عليه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث إنّ السعودية مازالت تحاصر اليمن براً وبحراً وجواً، وتمنع عشرات السفن المحملة بالمساعدات الإنسانيّة والوقود من الوصول الى الشعب اليمنيّ، رغم أنّ المجاعة تهدد أكثر من 20 مليون يمنيّ بالموت، في ظل القصف السعوديّ المتصاعد بصواريخ وقنابل أمريكيّة تستهدف العُزل في بلادهم.
ومع غياب أيّ قانون يحمي السعوديين من المعاقبة بهذا الأسلوب الساديّ، لا تنفك أجهزة النظام السعوديّ عن إصدار الأحكام المُجحفة بحق شعبها، والتي كان آخرها الحكم القاسي وغير المبرر على الناشط السعودي السدحان، وإنّ أكثر ما يجعل الرياض غير آبهة بالأنظمة والقوانين، عدم تضحية واشنطن بمصالحها مع السعودية من أجل أيّ شيء ولو أنّ ذلك على حساب أرواح الأبرياء، فأمريكا تجد نفسها مضطرة للتعامل مع ولي العهد محمد بن سلمان على أنّه ملك السعودية القادم، ما يعني ضوءاً أخضر منها لمواصلة نهجه الإجراميّ.
ورغم أنّ رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، أصدرت بياناً حول الحكم الصادر بحق عامل الإغاثة السعوديّ، ووصفت الحكم بـ"الوحشي"، قائلة إنّ ذلك الحكم بعد اختفاء الأخير لسنوات طويلة وسجنه دون محاكمة، يعد ظلماً فادحاً ومروعاً، إلا أنّ كل ما يقال في الصحافة الأمريكيّة والكونغرس حول ضرورة معاقبة ابن سلمان، والاعراب عن القلق وما إلى ذلك، لا يعدو عن كونه "تقاسم أدوار"، بين البيت الابيض والكونغرس، ولا سيما عندما يتعلق الامر بالسعودية، والدليل أنّنا لا نسمع سوى التصريحات التي تشير إلى أنّ اعتداء السعودية على حرية التعبير ونمط انتهاكاتها لحقوق الإنسان "مقلق للغاية"، لكن السؤال الكبير ما هي الفائدة التي نجنيها من القلق الأمريكيّ؟.
ومن الجدير بالذكر أنّ كل التصريحات الأمريكيّة حول معاقبة السعودية لا تعدو عن كونها "زوبعة في فنجان"، لأنّ واشنطن لا يمكن أن تتخذ أيّ إجراءات صارمة بحق الرياض، فالسعودية بالنسبة لأمريكا كالبئر الماليّ الذي لا ينضب، لذلك من "السذاجة" في السياسة الأمريكيّة أن ترمي واشنطن الحجارة في ذلك البئر وتحرم نفسها من عائداته المخيفة، أما بالنسبة لديمقراطية وحقوق الانسان وحرية التعبير والكرامة الإنسانية، فهي مُجرد شعارات في تصريحات المسؤولين الأمريكيين، وليس لها أي أهميّة فعليّة على أرض الواقع، والأمثلة على ذلك لا عد لها.
مصير معروف
في مملكة ولي العهد محمد بن سلمان المعروفة باستبدادها، يُعتبر المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعلهم يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها.
وقد جعلت سلطات آل سعود هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً، حيث لجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، وخاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
ولتطبيق مبدأ "القبضة الحديديّة"، شنّت السلطات السعوديّة حملات على النقاد والنشطاء السلميين بالاعتقالات التعسفيّة والتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، إضافة إلى المحاكمات التي لا تفي بمعايير المحاكمة العادلة والأحكام المطولة، وقامت بمضايقة أفراد عائلاتهم، وفرضت عليهم حظر السفر، ما جعل حياة أيّ شخص يرغب في التعبير السلميّ عن أيّ رأيٍ مستقل أمراً مستحيلاً، حيث إنّ معظم النشطاء السلميين في السعودية هم إما في المنفى أو مكمّمي الأفواه داخل وطنهم.
وقبل عام تقريباً، وظّفت سلطات آل سعود انتشار جائحة كورونا، كذريعة لمواصلة أنماط قمع الحق في حرية التعبير الموجودة مسبقاً، وحذرت مواطنيها من المسؤولية الجنائيّة المترتّبة على ما تُطلق عليها نشر "أخبار كاذبة" أو "معلومات مضلّلة"، وفي كثير من الحالات، قاضت الرياض المواطنين الذين نشروا محتوى على وسائل التواصل الاجتماعيّ حول الوباء أو كيفية استجابة الحكومة، بينما أطلقت سراح مئات السّجناء للمساعدة في احتواء الوباء، باستثناء سجناء الرأيّ.
ولأن العائلة المالكة في السعودية ترتعب من أدنى انتقاد لها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، لا توفر جهداً في التجسس على حسابات المستخدمين وبالأخص على موقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر"، واختراق حسابات لمعارضين، وكانت الرياض عبر عملاء لها داخل شركة تويتر، تمكنت من كشف آلاف الحسابات التي تنتقد النظام السعوديّ وأفراداً في عائلة آل سعود، وهو ما دفع العديد من النشطاء إلى رفع دعاوى ضد الانقلابيّ محمد بن سلمان، ومسؤولين استخباراتيين في المحاكم الأمريكيّة.
ولم تترك المنظمات الدوليّة المعنيّة بحقوق الإنسان، كلمة تنديد إلا واستخدمتها في بياناتها المتعلقة بحقوق الإنسان وحريّة الرأي والتعبير في المملكة ومع ذلك تصر سلطات البلاد على الاستمرار بنهج الاعتقالات التعسفيّة والانتهاكات ضد النشطاء المعارضين ودعاة الإصلاح، وقد ملّت المنظمات من كثرة ما انتقدت السلوك القمعيّ لسلطات ابن سلمان ضد المواطنين، فيما أكّد ناشطون سعوديون أنّ الأوامر التي تتلقاها الأجهزة الأمنيّة تأتي بشكل مباشر من ولي العهد.
وتؤكّد تلك المنظمات الدوليّة، أنّ الاعتقالات داخل السعودية تتم دون التقيد بالإجراءات القانونيّة والقضائيّة، ناهيك عن منع المعتقلين من أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية الصحيّة مع غياب كامل لتقديمهم إلى محاكم عادلة، وقد أشارت المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان، في وقت سابق، إلى أنّ السلطات السعودية تواصل احتجاز جثامين عشرات المواطنين الذين جرى قتلهم دون محاكمات قضائيّة أو نفذت في حقِّهم عمليات إعدام تعسفيّة، ودعت المنظمة سلطات البلاد إلى الاستجابة لمطالب أسرهم وتسليمهم جثامين أبنائهم بشكل فوريّ.
ولم تهتم مملكة آل سعود للانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة كـ "هيومن رايتس ووتش"، ولا حتى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، ولم يصغ المجتمع الدوليّ لدعوات لجنة "الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربيّة"، التي تطالب بإيقاف الدعم السياسيّ عن نظام آل سعود، ما يطرح تساؤلات عديدة حول آلية التعامل الدوليّة مع الرياض وغياب محاسبة قياداتها، ويعتقد البعض أنّ المجتمع الدولي إما منخرط مع السعودية مع إجرامها الداخليّ والخارجيّ، أو أنّه يقبض ثمن صمته كما كان يفعل الرئيس الأمريكيّ السابق دونالد ترامب.