الوقت- استقبل لبنان منذ بداية الأزمة السورية ما يقارب 1.1 مليون لاجئ سوري مسجلين قانونيا في لوائح اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. كما يأوي هذا البلد الصغير بمساحته (10452 كلم مربع) أكثر من مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في مخيمات مكتظة تنتشر على معظم الأراضي اللبنانية. ويعيش الإقتصاد اللبناني منذ مرحلة ما بعد الحرب الأهلية (1975_1990) وضعا حرجا حيث تراكمت الديون على الخزينة اللبنانية بسبب الخلافات والفساد والتدخلات الخارجية. ومنذ فترة ليست ببعيدة انتشرت ظاهرة الهجرة الى بلدان الإتحاد الأوروبي بشكل واسع بعد تسهيل ألمانيا وغيرها إجراءات الهجرة واللجوء، هذه الحالة أوجدت الرغبة لدى الكثيرين بترك لبنان مع الحالة الصعبة التي يعيشونها في لبنان، فكانت الهجرة غير الشرعية عبر البحر ونشطت سوق تهريب البشر بأشكال مأساوية أودت بحياة العشرات غرقا. ومنذ أيام صدر عن قيادة الجيش بيان يفيد بان دورية تابعة للقوات البحرية اوقفت عند الواحدة فجرا، على مسافة 3 أميال من جزر النخيل قبالة طرابلس، مركباً لبنانياً قدرته التحميلية لا تتعدى 15 شخصا، كان على متنه 53 شخصا، هم 8 لبنانيون و28 فلسطينياً و14 سوريا و3 اشخاص مكتومي القيد، وذلك في اثناء محاولة تهريبهم الى خارج لبنان بطريقة غير شرعية .
روايات الهجرة غير الشرعية من لبنان تكشف عن أعداد كبيرة من المهاجرين تنطلق من طرابلس، حيث تحولت عاصمة الشمال اللبناني إلى وجهة رئيسية لمن ينوي التوجه إلى أوروبا طلبا للجوء. هذه الهجرة تأخذ شكلين: الأول يبدأ شرعيا بالسفر عبر مرفأ طرابلس نحو تركيا، والثاني غير شرعي، عبر التهريب . ومن الناحية الرسمية، تتحدث المعلومات عن أن عدد من غادروا مرفأ طرابلس بحراً إلى تركيا، وأغلبهم من السوريين، فاق مئة ألف شخص، وهؤلاء يغادرون لبنان ويدخلون تركيا بشكل شرعي، وقد زاد نشاط خط السير البحري بين طرابلس ومرسين التركية الذي افتتح عام 2010م بمعدل أربع رحلات يوميا بعد أن كان يشهد رحلتين أسبوعيا. لكن الهجرة غير الشرعية عن طريق التهريب بحراً يشوبها الكثير من الغموض، لأن أغلبها يجري على نحو غير معلن، إلى حد أن أفراداً وعائلات لم يعرف أحد أنها هاجرت إلى تركيا إلا بعد أيام أو أسابيع، بعد وصول أخبار أنها غرقت في البحر أو أنها محتجزة في أحد المعسكرات في دول أوروبية، وسط شائعات يومية عن غرق طرابلسيين وشماليين في البحر، سرعان ما يجري نفيها كما حصل في الايام الماضية .
وتبدو الهجرة غير الشرعية موضوعا نائما لا يسلط الضوء عليه إلا عندما تحصل كارثة غرق ووفاة بعض المهاجرين، كما حصل منذ أيام بعد غرق معظم افراد عائلة صفوان، التي غادرت الى تركيا عبر مرفأ طرابلس، وغرق 9 أشخاص فلسطينيين من مخيم اليرموك، كانوا على متن قارب يحمل قرابة 40 منهم قبل نحو شهرين . حادثان أليمان كشفا عن وجود "مافيات" منظمة تعمل على تسهيل التهريب من لبنان باتجاه تركيا واليونان، مقابل مبالغ كبيرة من المال تتراوح بين 2000$ للوصول الى تركيا و3500$ إلى اليونان كون الأخيرة من دول الإتحاد الأوروبي.
تتحدث الوقائع عن غض نظر رسمي اتجاه تلك الممارسات وترد مصادر مطلعة هذا التجاهل الى سببين رئيسين، الاول: تراجع المساعدات التي تأتي إلى الدولة اللبنانية لمواجهة مشكلة النازحين السوريين، كما أن الهجرة تخفف من ضغوط الأزمة الإجتماعية والإقتصادية. والسبب الثاني: أن إتصالات أجريت مع أكثر من جهة أمنية طلبت منها التساهل في موضوع مغادرة أشخاص للبلد بهذه الطريقة، سواء كانوا لبنانيين أو سوريين او فلسطينين او من جنسيات أخرى، بمن فيهم الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف، أو المطلوبون قضائيا، لأن مغادرتهم لبنان تخفف المخاطر الامنية عليه. وكشفت مصادر طرابلسية أن أفرادا وجهات لبنانية وسورية وفلسطينية تعمل في طرابلس ومخيم البداوي، وأن الأجهزة الأمنية تعرف كل ما يجري، ولكنها تغض الطرف عن تهريب الأشخاص، وتحديدا النازحين الفلسطينيين والسوريين، بعدما ضاقت السبل بهم في أعقاب توقف المنظمات الدولية ووكالة الأونروا عن تقديم المساعدات لهم، ولا سيما لجهة دفع بدلات الإيجار الشهرية لايوائهم، ما جعل عائلات كثيرة تجد نفسها مرمية في الشارع بلا مأوى أو معيل. ما يثير التساؤل عن دور الدولة اللبنانية المثقلة بأعباء النازحين ودور المنظمات الدولية التي وعدت الحكومة اللبنانية بتأمين احتياجات النازحين وتخفيف العبء عن الدولة.