الوقت- قررت السلطات السعودية تخفيف عقوبة الإعدام بحق ثلاثة شبان تم اعتقالهم في فبراير 2012، والحكم عليهم بالسجن عشر سنوات بدلاً من ذلك والثلاثة شبان، هم علي النمر، ابن شقيق رجل الدين البارز نمر النمر، الذي أثار إعدامه في 2016 جدلاً كبيراً في العالم الإسلامي إلى جانب داود المرهون وعبد الله الزاهر.
وكان النمر يبلغ من العمر 17 عاما عندما تم اعتقاله في فبراير 2012 لمشاركته في احتجاجات في المنطقة الشرقية من البلاد، بينما كان المرهون 17 عاماً أيضاً، والزاهر، 15 عاما، وحكمت عليهم المحكمة الجزائية المتخصصة حينها بالإعدام.
جاءت مراجعة هذه الأحكام في أعقاب مرسوم ملكي يقضي بأن الأفراد المحكوم عليهم بالإعدام لجرائم ارتكبوها بينما كانوا قصر، يقضون بدلاً من ذلك ما يصل إلى عشر سنوات في مراكز احتجاز الأحداث.
ولم يتم نشر المرسوم على وسائل الإعلام الرسمية ولم ينشر في الجريدة الرسمية كما هو معتاد !.
السعودية لها خبرة طويلة في انتهاك حقوق الانسان
تمارس سلطات الرياض العديد من الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان من اعتقالات تعسفية وإعدامات للمواطنين وحصار وحروب مع الدول المجاورة بشكل يومي، كذلك تعمل المنظمات الحقوقية على تسليط الأضواء على الانتهاكات والتي بدأت تؤثر على سمعة سلطات الرياض وتؤرق كبار المسؤولين.
وشن الأمير محمد بن سلمان حملة اعتقالات تعسفية واسعة ضد أمراء ورجال الأعمال ورجال الدين والكفاءات والنخب من كل المناطق والتيارات والتوجهات والمهن، وامتلأت السجون بالمعتقلين والمعتقلات وهذه أول مرة يتم فيها اعتقال عدد كبير من النساء لأسباب تتعلق بحرية الرأي والعمل الحقوقي. سياسة التهميش والتغييب والاستخفاف بالشعب لم تتغير في عهد الملك سلمان وابنه ولي العهد الأمير محمد الذي يروج للانفتاح والترفيه، فهو في الحقيقة كبقية العهود السابقة الحاكمة في السعودية من حيث عقلية الاستبداد وتهميش للشعب المغيب والمطلوب منه في كل عهد وسلطة أن يطبل ويمجد سياسة الملك سلمان وابنه ولي العهد.
تجدر الإشارة هنا إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان والحريات في السعودية تتسع وتسجل أرقاماً قياسية حسب تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وقد طالبت العديد من الدول في العالم بمحاسبة سلطات الرياض عن تلك الانتهاكات الخطيرة، إثر قيامها بحملة اعتقالات تعسفية للآلاف. وتشير التقارير إلى تعرض المعتقلين للتعذيب، والنساء للتحرش، إضافة إلى الآلاف من المحرومين من حرية السفر والانتقال وتوقيف الخدمات ومنها الحكومية كإجراء عقود الزواج أو تسجيل واستخراج أوراق رسمية لأفراد العائلة أو التمكن من الحصول على الخدمات كرقم هاتف أو استئجار سيارة.
وقد طالت الاعتقالات التعسفية علماء ومفكرين وكتاب وإعلاميين وشخصيات معروفة، بسبب التعبير عن الرأي والمطالبة بالإصلاح والتغيير، كما أن هناك اعتقالات جرت لبعض أفراد السلطات الحاكمة بسبب الصراع على عرش الحكم، وأخرى طالت آلاف رجال الأعمال بمبررات كثيرة والسبب الحقيقي هو إخضاع وإضعاف كل الشخصيات في البلاد، وهذه تعد جرائم ضد الإنسانية وتقع بأوامر من الحكومة الرسمية.
وبرزت انتقادات دولية واسعة لسجل انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية منذ عهد الملك سلمان وابنه الأمير محمد بن سلمان، وأصبح حديث الصحافة ووسائل الإعلام الدولية حول حقوق الإنسان نقلا عن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان متكرراً وبشكل أسبوعي وحتى يومي.
رسائل جديدة من السعودية إلى بايدن
أعطت السعودية بقرارها هذا إشارة جديدة على مزيد من الانفتاح فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان المتعثر في المملكة الغنية بالنفط؛ وذلك تحسباً للضغوط التي بدأت تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي لم يخف خلال حملته الانتخابية امتعاضه من ملف الرياض الحقوقي.
ولأجل تهيئة المناخ مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بادرت الرياض بتسريع الإجراءات لإغلاق الملفات الساخنة والمثيرة لدى الإدارة الأمريكية والعالم، وفتح صفحة جديدة مع الرئيس الجديد بايدن بأقل الخسائر، وبالخصوص ملف اعتقال الحقوقيات والناشطات وبالذات ملف الحقوقية لجين الهذلول. حيث طلب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من القضاء فتح ملف المعتقلات وبالخصوص لجين وإصدار أحكام مخففة تحفظ سمعة السعودية واستقلال القضاء ولا يظهر أن الرياض ترضخ للضغوط الأمريكية والدولية. ويبدو أن قرار تخفيف أحكام الإعدام بحق الشبان الثلاثة ينصب ضمن نفس المسار الوالطريق الذي بدأت الرياض تسير به لعلها تجد حلاً مع إدارة بايدن.
فالسعودية كانت تأمل في استمرار حكم ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع إيران، وعاد لسياسة فرض العقوبات على طهران، ومع بداية الدورة الرئاسية للرئيس الأمريكي جو بايدن يزداد قلق الأمير محمد بن سلمان بسبب ما أعلنه بايدن لأكثر من مرة عن نيته محاسبة الحكومة السعودية وجعلها تدفع ثمن سجلها في مجال حقوق الإنسان والانتهاكات واغتيال الصحافي جمال خاشقجي، واعتقال الناشطات والحقوقيات والمفكرين والكتاب، وحث على أهمية إعادة النظر في العلاقات بين واشنطن والرياض.
وكان بايدن قد أعلن إنهاء الدعم الأمريكي لحرب الرياض في اليمن، مؤكداً أولوية التزام الولايات المتحدة بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان حتى مع أقرب الشركاء الأمنيين. وتعهد أيضاً بالدفاع عن حق النشطاء والمعارضين السياسيين والصحفيين حول العالم في التعبير عن آرائهم بِحرية ودون خوف من الاضطهاد والعنف، ومن ضمنها السعودية التي ينشط نواب أمريكيون في انتقاد حرية الرأي والتعبير، والدفاع عن سجناء الرأي فيها.
محمد بن سلمان الذي كان يتمتع بحصانة في عهد ترامب، بعدما أقنعه بأن "السعودية على استعداد لشراء أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات، ومعارضة إيران، والتواصل مع إسرائيل. بات الآن يفقد هذه الحصانة الأمريكية مع فوز بايدن والتلويح بمحاسبة الرياض على جرائمها ضد الانسانية وضد المعتقلين وضد الشعب اليمني، كما يبدو أن ابن سلمان سيقدم المزيد من التنازلات للإدارة الأمريكية التي تعتاد على حلب البقرة السعودية سواء في المال أو في التنازلات السياسية.