الوقت- مجدداً، محاولة سعوديّة فاشلة لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ بسبب الجرائم التي يرتكبها حكام المملكة، حيث تلقت الرياض صفعة قويّة جديدة عقب سلسلة الأعمال الإجراميّة المتواصلة التي التصقت باسمها عالميّاً، حيث بيّنت تقارير صحافيّة، قبل بضعة أيام، أن نجم نادي يوفنتوس، اللاعب البرتغالي المشهور، كريستيانو رونالدو، رفض عرضاً من مجلس السياحة السعوديّ ليكون الوجه الإعلاميّ لحملة سعوديّة ترويجيّة تهدف إلى تعزيز السياحة في السعودية، ما أثار تساؤلات كثيرة حول الأسباب التي جعلت لاعب كرة القدم المعروف يرفض العرض السعوديّ.
صفعة قوية
تلقت السعودية بالفعل، صفعة قوية جديدة، بعد هذه القضيّة، فعلى الرغم من أنّ قيمة العرض السعوديّ المقدم تبلغ نحو5.3 ملايين جنيه استرليني سنوياً، وفق صحيفة "التيليغراف" البريطانيّة، إلا أنّ اللاعب البرتغاليّ المحترف، كريستيانو رونالدو، رفض ذلك العرض، لينتقل بعد ذلك إلى اللاعب الأرجنتينيّ المشهور، ليونيل ميسي، الذي لم يحسم موقفه حتى الآن.
وتشير المعلومات إلى أنّ ممثلين يعملون ضمن فريق المصالح التجاريّة لكريستيانو، رفضوا التعليق على الموضوع، وهو ما قام به أيضاً وكلاء ميسي، في الوقت الذي تسعى فيه المملكة لإطلاق حملة "زيارة السعودية" الشهر المقبل، ومحاولة إعطاء صورة إيجابيّة عن السعوديّة من خلال استخدام الرياضيين المحبوبين عالميّاً خلال الأحداث الرياضية الكبرى، بعد أن تعرضت لانتقادات دوليّة كبيرة من قبل المنظمات الإنسانيّة والحقوقيّة، كـ "هيومن رايتس ووتش" و "منظمة العفو الدوليّة لحقوق الإنسان" و "المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة الأمم المتحدة" و "منظمة الديمقراطيّة في العالم العربيّ"، بسبب ممارستها بحق شعبها والدول الأخرى.
ومن الجدير بالذكر، أنّ هذه المحاولة في الجانب الرياضيّ ليست الأولى، فقد فشل ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، في الاستحواذ على نايد "نيوكاسل يونايتد" الإنكليزيّ، كما استضافت المملكة مجموعة من المسابقات الأوروبية منها كأس السوبر الإسبانيّ عام 2019، وفي العام ذاته نظم الملاكم البريطانيّ، أنتوني جوشوا، المباراة العالميّة في الملاكمة ضد "آندي رويز" في موقع التراث العالميّ لليونسكو في العاصمة السعودية الرياض، فيما تعرضت إدارة سباقات "الفورمولا 1" مؤخراً لانتقادات عقب موافقتها على تنظيم السباق قبل الأخير من هذا العام في مدينة جدة السعوديّة.
استراتيجيّة مقصودة
كما يعلم الجميع، فإنّ السعوديّة أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة، حيث يقوم ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، بتلك الاستراتيجيّة لتلميع انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، والتغطيّة على الصورة البشعة التي طبعها عن بلاده ومسؤوليها في الأذهان الدوليّة، من خلال خلق "صورة إيجابيّة" للمملكة على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح الكبيرة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام الملكة للبقاء في سدة الحكم.
ومراراً فضحت منظمة "هيومن رايتس ووتش” المعنيّة بالدفاع عن حقوق الإنسان، المحاولات الحكوميّة في السعودية لاستغلال الفعاليات الدوليّة المهمة لحرف الأنظار عن جرائمهم الوحشيّة والحد من الانتقادات الدوليّة لانتهاكهم الخطيرة، بما فيها جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده باسطنبول، وتقويض الجهود المبذولة لمحاسبة المسؤولين السعوديين المسؤولين عن تلك الجريمة البشعة.
ورغم أنّ التغييرات التي قام بها ابن سلمان في إنشاء قطاع الترفيه بالتزامن مع تطورات لمصلحة النساء والشباب واسعة ومهمة، إلا أنّها ساعدت بشكل متعمد بالتعتيم على انعدام الحقوق المدنيّة والسياسيّة منذ توليه ولاية العهد عام 2017، حيث إنّ سلطات ولي العهد كانت تنّفذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، والمنافسين من العائلة الحاكمة.
وقد اعتبرت المنظمة الدوليّة أنّ تلك المشاريع والفعاليات كان لها دور كبير في تجنب التدقيق في دور السعوديّة في الحرب على اليمن، بقيادة محمد بن سلمان باعتباره وزيراً للدفاع، حيث قصف التحالف الذي تقوده الرياض منذ عام 2015، المنازل والأسواق والمدارس والمستشفيات والمساجد في هجمات غير قانونيّة قتلت مئات المدنيين، وقد يرقى بعضها إلى جرائم حرب.
ويُذكر أنَ مملكة آل سعود فشلت بشكل كبير في تلميع سجلها الحقوقيّ وهو غرضها الأساس من كل الفعاليات التي تقوم بها، وما يبرهن ذلك رفض عدد من المشاهير والأشخاص المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعيّ السفر إلى الرياض، بسبب سجلها الحقوقيّ المريع.
وحول هذا الموضوع، كشفت نتائج انتخابات مجلس حقوق الإنسان أواخر العام الفائت، بعد فرز الأصوات النهائيّة لمقاعد آسيا والمحيط الهادئ، عن فوز باكستان وأزباكستان ونبال والصين، بالمقاعد الأربع المتنافس عليها في المجلس، فيما خسرت السعوديّة بعد حصولها على المرتبة الأخيرة، وفق مدير الإعلام والمتحدث باسم الجمعية العامة للأمّم المتحدة، برندان فارما، وقد رحبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" وقتها بتلك النتيجة، معتبرة أنّ مجلس حقوق الإنسان وجّه توبيخاً شديد اللهجة إلى السعودية في ظل قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، الدولة الوحيدة غير المنتخبة، والمنبوذة من قبل أغلبيّة الأمم المتحدة، موضحة أنّ المملكة نالت ما تستحقه وأنّ إخفاقها بالفوز بمقعد في مجلس حقوق الإنسان، جاء لانتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب في الخارج.
ومن ينسى دعوة البرلمان الأوروبيّ إلى تخفيض مستوى التمثيل في قمة مجموعة الـ 20 الاقتصاديّة، التي استضافتها الرياض، أواخر تشرين الثاني الماضي، بسبب "انتهاكات حقوق الإنسان"، وكان البرلمان قد أوضح في بيان للاتحاد الأوروبيّ ودوله الأعضاء، أنّ الهدف هو تجنب إضفاء الشرعيّة على إفلات السعوديّة من العقاب بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، والاعتقالات غير القانونيّة والتعسفيّة في البلاد.
وهنا لا بد من التذكير بما لفتت إليه المديرة التنفيذيّة لمنظمة الديمقراطيّة في العالم العربيّ، سارة ليا ويتسن، حول أنّ محمد بن سلمان ألحق ضرراً كبيراً بمكانة بلاده عالميّاً، رغم أنّ الرياض أنفقت ملايين الدولارات للتغطيّة على انتهاكاتها البشعة في هذا المجال، معتبرة أنّ المجتمع الدوليّ لا يقيم وزناً للسعوديّة، والتي في حال لم تقم بإصلاحات جذريّة بالإضافة إلى الإفراج عن السجناء السياسيين وإنهاء حربها الكارثيّة على اليمن والسماح لمواطنيها بالمشاركة السياسيّة الهادفة، ستظل منبوذة عالميّاً.
وفي هذا الصدد، تُتهم السعودية بمحاولة شراء المواقف الدوليّة بعد أن أصبحت في السنوات الثلاث الماضية، قبلة فنية وثقافية وترفيهية عالميّة، يتوافد عليها نجوم الفن والغناء من مختلف دول العالم، في إطار خطط البلاد للانفتاح على ثقافات العالم بعد عقود من الانغلاق استنادا لتفسيرات دينيّة ما لبثت المملكة أن تخلت عنها، للتغطية على جرائم الحكومة بحق مواطنيها، ولكي تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة في ليلة وضحاها، من خلال خلق "صورة مختلفة" للمملكة على الصعيد الدوليّ، بعد فضائحها المشينة.
وقبل أسابيع، انتقد الموقع الاستقصائيّ الفرنسيّ “ميديابارت”، انطلاق النسخة الجديدة من سباق "رالي باريس داكار" لمنافسة للسيارات على أشد الطرق وعورة والتي تنظمه منظمة ASO الشهير مجدداً من السعودية، وفي مقال بعنوان “رالي داكار في خدمة الديكتاتوريّة السعودية”، أشار الموقع إلى أنّ منظمي السابق لم يبيعوا المملكة تنظيمه من أجل الترويج لرياضة السيارات في الشرق الأوسط، ولكن لمساعدة النظام الديكتاتوريّ السعودي لتحسين صورته الدوليّة، بمباركة من الرئاسة ووزارة الخارجية الفرنسيتين، المصممتين على صرف النظر عن الطغاة والديكتاتوريين عندما يكونون زبائن جيدين لصناعات الأسلحة الفرنسيّة.
إذن، تعلم السعوديّة أنّها بحاجة ماسة لتحسين صورتها القبيحة دوليّاً، ما يجعلها تسعى بكل ما أوتيت من قوة لشراء المواقف الدوليّة والتغطية على جرائم محمد بن سلمان بحق مواطنيه وجيرانه وأبعد من ذلك، لكن محاولات خلق صورة جميلة للرياض على الصعيد الدوليّ، تفشل في كل مرة بسبب الحقيقة الوحشيّة، بل تذكرنا أكثر فأكثر بالممارسات الدمويّة للسعودية على الصعيدين الداخليّ والخارجيّ.