الوقت -مع رحيل ترامب، يتركز الاهتمام منذ فترة على الرياض وتوجه السياسة الإقليمية السعودية في سياق التغييرات والتطورات المتوقعة في العلاقات مع امريكا. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قال في مقابلة مع قناة العربية يوم الخميس إنه "متفائل" بشأن العلاقات مع امريكا في عهد جو بايدن، لكن قلق القادة السعوديين، وخاصة محمد بن سلمان واضح جداً من وصول منتقدي حماية ترامب للرياض الى البيت الأبيض، على نحو أنه من الواضح تماما أن التسوية مع قطر مذكورة كأول تبعيات مهمة لتدمير قصر أحلام ابن سلمان بفوز بايدن. وفي غضون ذلك، فإن السؤال الرئيس يتمحور حول ماهية التغييرات التي يمكن ملاحظتها في السياسة الخارجية السعودية، وخاصة في المجال الإقليمي؟
ومع ذلك فمع تحرك السعودية لإنهاء أزمة العقوبات المفروضة على قطر منذ سنوات، إضافة إلى منح تركيا الضوء الأخضر لبدء التهدئة، ارتفعت التوقعات بأن الرياض قد تستمر في القيام بذلك في حالات إقليمية أخرى مزقتها الأزمات في السنوات الأخيرة؛ حيث أعلنت قطر استعدادها للتوسط في العلاقات بين طهران والرياض، لكن تصريحات وزير الخارجية السعودي يوم الخميس الماضي، أظهرت أن قادة البلاد ما زالوا في حالة صدمة من نتائج الانتخابات الأمريكية وينتظرون الإعلان عن سياسات الفريق الامريكي الجديد في وزارة الخارجية الامريكية في ظل عدم وجود استراتيجية مناسبة.
يتجلى هذا الموضوع في تصريحات وزير الخارجية السعودي بشأن سياسته تجاه الحرب اليمنية، والمحادثات مع إيران، وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، والتأكيد على استمرار التنافس الجيوسياسي مع تركيا رغم تراجع التصعيد الأخير.
وفي حالة الحرب اليمنية، لم تظهر الرياض إرادة جادة لإظهار المفاوضات السياسية مع صنعاء وإنهاء الحرب والحصار وقتل المدنيين، على الرغم من اليأس الكامل من تقدم العمليات العسكرية وحتى على الرغم من تغيير المعادلات وخلق توازن الرعب من قبل أنصار الله. وهي تشكو بشكل غير مباشر من استعداد البيت الأبيض لإعادة النظر في وضع أنصار الله على قائمة إدارة ترامب للجماعات الإرهابية.
وسيتضح هذا الارتباك الاستراتيجي مع إدراك عنصرين: الأول، دور العدوان على اليمن في خلق الأزمة الاقتصادية الكبرى للرياض في السنوات الأخيرة، ما دفع ابن سلمان إلى اتخاذ خطوة غير مسبوقة لبيع جزء من أسهم أرامكو مع الضرائب ومصادرة أملاك الأمراء السعوديين الأغنياء، وثانيا، تعالي الأصوات المعادية للحرب على اليمن بين السياسيين الأمريكيين نتيجة تراجع اعتمادها المباشر على طاقة الشرق الأوسط وتضاؤل أهمية الخليج الفارسي في قلب استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية، ما يعني تضاؤل الدعم السياسي والعسكري لاستمرار الحرب.
يشير كلا العنصرين إلى ضرورة تغيير وجهات النظر والسياسات العدائية للسعودية في اليمن، لكنهما يصرّان على وجهات نظر غير واقعية للماضي وخطط فاشلة لمواصلة مواجهة صنعاء، مثل تاريخ انتهاء "اتفاق الرياض" بين منصور هادي والانفصاليين التابعين للإمارات. والذي يشير بدوره إلى أن السياسة الخارجية للامارات تعاني من نقص في الديناميكية للتكيف مع الوضع الجديد في اليمن.
يمكن رؤية هذا الضياع بطريقة أخرى فيما يتعلق بعرض المحادثات والمفاوضات مع طهران. من جهة، تحدث وزير الخارجية السعودي عن استعداد طهران لإجراء حوار شامل مع الرياض، بشأن الدعم السعودي لنهج تفاوض السياسة الخارجية، لكنه يواصل عرقلة عملية التفاوض من خلال إطلاق مزاعم متكررة ضد إيران.
وفي هذا الموضوع أيضاً فان تأثير الانتخابات الأمريكية واضح. في الواقع، وضعت السعودية كل بيضها في سلّة كيفية التعامل مع إيران في القضايا المتنازع عليها في قائمة الانتظار لثمار سياسة ترامب بالضغط الأقصى، على سبيل المثال، إجبار طهران على التراجع في قضية الصواريخ وتعديل سياساتها الإقليمية نتيجة الضغوط الاقتصادية. وفي هذا الصدد، تحدث أمس وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف عن سبب عدم جدوى اجراء صباح أحمد الصباح، أمير الكويت السابق الرامي محادثات بين إيران ودول حاشية الخليج الفارسي بسبب تعليق السعودية آمالاً على سياسة الضغط الأقصى الفاشلة التي انتهجها ترامب ضد ايران، ولكن مع رحيل ترامب وتعزيز محور المقاومة، زادت المخاوف السعودية بشكل كبير، وحتى الآن أصرت الرياض بشدة على المشاركة في أي اتفاق جديد مع طهران، حيث فشل الاتفاق النووي السابق مع إيران في احتواء التهديدات.