الوقت- إضافة إلى سياساته القمعية والسلطوية، حكم نظام آل سعود أرض الحرمين الشريفين على أساس استراتيجية "فرق تسد"، حيث يقوم هذا النظام على الفكر الوهابي المتطرف الذي يسعى إلى العداء لجميع المذاهب الإسلامية.
وقد أدى ذلك إلى انقسامات بين المكونات الشعبية والطائفية، والسلطات السعودية وآل سعود هم المستفيد الأول والوحيد من هذه الفتنة، لأن هذا يمكن أن يمنع وحدة الشعب ضد طغيان آل سعود.
لقد قام آل سعود حتى الآن بتعذيب وإعدام كل من دعم التظاهرات السلمية التي اندلعت في "القطيف" و"الأحساء" عام 2011. ومن الواضح تماماً أن هناك العديد من النشطاء والعلماء ورجال الدين في المنطقة الشرقية من السعودية، الذين حكم عليهم بالإعدام لإبداء رأي معين بسبب تغريدة أو تصوير مظاهرة أو رفع لافتات احتجاجاً على آل سعود، لأن حرية التعبير، وفق النظام السعودي، تصنَّف على أنها خيانة للوطن.
من هو الشهيد الشيخ نمر باقر النمر؟
قبل خمس سنوات، تم إعدام الشيخ نمر باقر النمر رجل الدين الشيعي السعودي في 2 يناير 2016، بتهمة المحاربة والعمل ضد الأمن القومي، ورفض المسؤولون السعوديون إعادة جثمانه إلى عائلته.
استشهاد الشيخ نمر أثار العديد من ردود الفعل السلبية بين المسؤولين السياسيين والشخصيات الشيعية والسنية البارزة، وخاصةً أن جريمته الوحيدة كانت الاحتجاج على القيود المفروضة على الأقلية الشيعية السعودية.
ولد رجل الدين الشيعي السعودي البارز هذا عام 1968 في مدينة "العوامية" بمحافظة "القطيف" شرق السعودية في عائلة متدينة، أكمل تعليمه الابتدائي في مدينة "العوامية"، وفي عام 1989، ومن أجل التعرف على الثورة الإسلامية الإيرانية والتعليم الحوزوي، هاجر أولاً إلى إيران للحضور في حوزة الإمام القائم (عج) العلمية في طهران.
وبعد 10 سنوات من الدراسة في حوزة الإمام القائم (عج) العلمية، غادر الشيخ نمر إلى سوريا والتحق بحوزة السيدة زينب (ع) العلمية لمواصلة تعليمه في العلوم الدينية، ودرس بين يدي أساتذة هذه المدرسة.
بذل نمر باقر النمر جهوداً جادةً لإعادة بناء قبور الأئمة المضطهدين في "البقيع"، وفي كل عام من 2004 إلى 2007، دعا إلى إحياء ذكرى هدم مقابر الأئمة، لكن في كل مرة عارضه النظام السعودي.
لكن على الرغم من الحظر من قبل الحكومة السعودية، يقام هذا الحفل منذ عام 2007. وإضافة إلى ذلك، تم تنظيم مسيرات في أوروبا وأمريكا للتنديد بهدم مقابر الأئمة ودعم إعادة بنائها.
نشاطات الشيخ نمر السياسية
اعتقل النظام السعودي الشيخ نمر باقر النمر عام 2012، وكان قد اعتقله مرتين من قبل في عامي 2006 و2008.
يعود تاريخ أول اعتقال للشيخ نمر إلى مايو 2006، عندما ألقت قوات الأمن السعودية القبض عليه لحضوره مؤتمراً دولياً حول القرآن الكريم، فور عودته من زيارة قصيرة إلى البحرين والعودة إلى السعودية.
وفي فبراير 2009، حذَّر نمر باقر النمر المسؤولين السعوديين، قائلاً لهم: "إذا لم تعد كرامتنا إلينا، فأنا أدعو الشيعة إلى الانفصال عن السعودية، كرامتنا أهم من وحدة الوطن". كما دعا في هذا الخطاب إلى انتخابات حرة.
وكان الشيخ نمر يتهم في خطاباته دائماً النظام السعودي باتباع السياسات الطائفية التمييزية المنظمة، وخاصةً في المناطق الشرقية من السعودية، وفي منطقتي الإحساء والقطيف على وجه الخصوص.
وكان الشيخ نمر النمر قد قال في إحدى كلماته تعبيراً عن آرائه المتشددة تجاه النظام السعودي: "أعلم أنكم ستأتون إلى اعتقالي غداً. أهلا بكم! هذا هو منطقكم وطريقتكم، الاعتقال والتعذيب والقتل، نحن لا نخاف القتل، نحن لا نخاف من شيء".
وكان يعتبر توريث العرش بين حكام الدول العربية بأنه غير شرعي، ويشكك في شرعية النظام الملكي في السعودية، واصفاً آل سعود وآل خليفة بأنهم أتباع بريطانيا وأمريكا.
كما كان الشهيد الشيخ نمر يندِّد علناً باستبداد وديكتاتورية وفساد النظام السياسي لآل سعود، داعياً الجميع إلى إصلاح وتعزيز أسس الحرية ونقل السلطة، وكذلك الموافقة على تأسيس الأحزاب.
كذلك، دعا الشيخ نمر في خطاباته باستمرار إلى التغيير السياسي، والاعتراف بالحريات العامة، والاعتراف بحقوق الأقليات، والقضاء على التمييز الطائفي في السعودية.
وكان يعبر رجل الدين الشيعي البارز هذا عن استيائه من الإساءة لكرامة المواطنين السعوديين، وخاصةً الشيعة، مؤكداً أنه يدعم كرامة وحقوق المواطنين الشيعة السعوديين.
كما انتقد الحكام الآخرين في الخليج الفارسي، ودعم الحركات الثورية في الدول العربية، وخاصةً البحرين. وكان يعتقد أن الإصلاح الحقيقي في العالمين العربي والإسلامي ليس ممكناً إلا بسقوط حكام الدول الخليجية.
ووصف نمر آل خليفة في البحرين وحكام عرب آخرين في الخليج الفارسي بأنهم أدوات أمريكية، قائلاً: كل الدول الخليجية بلا استثناء تعيش تحت مظلة أمريكا، والأسطول الأمريكي الخامس موجود في المنطقة لنهب آبار النفط في البحرين والدول العربية الأخرى".
عداء آل سعود المتجذر للشيعة
غالباً ما يعيش الشيعة في المناطق الشمالية من السعودية، مثل القطيف والأحساء. وكان آل سعود دائماً يعتبرونهم تهديداً خطيراً لبقاء حكومتهم، وقد شكلت هذه القبائل معظم الحركات والأنشطة الاحتجاجية على مدار التاريخ السعودي ضد الأسرة السعودية.
كما ينظر آل سعود إلى الشيعة السعوديين على أنهم "مواطنون من الدرجة الثانية"، مع نظرة طائفية للسياسة. وكما أكد الشهيد الشيخ نمر، فإن النظام السعودي يعتبر الشيعة مواطنين من الدرجة الثانية، وقد حرمهم من أي حقوق مواطنة .
وأشار تقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية في سبتمبر 2005، بعنوان "قضية الشيعة في السعودية"، إلى غياب التمثيل الشيعي في المناصب العامة باعتباره شكلاً من أشكال التمييز.
حيث إنه ليس فقط لا يُنتخب شيعي وزيراً أو عضواً في النظام الملكي، بل يحظر توظيف الشيعة في وظائف مثل القوات المسلحة والحرس والأجهزة الأمنية والطيران والوظائف الإدارية في شركات النفط.
مسؤولو النظام السعودي يواصلون حربهم الوحشية ضد أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في محافظة القطيف، ويريدون القضاء على أي موضوع يتعلق بالشهيد النمر، ولكن مهما فعلوا فإن الشهيد آية الله نمر سيبقى ملهماً لجميع الأحرار.
وفي هذا الصدد، دمرت قوات النظام السعودي في ال 8 من كانون الأول 2020، مسجد الإمام الحسين(ع)، موقع إلقاء الشهيد الشيخ نمر باقر النمر لخطبه وكلماته.
كما تحرك نظام آل سعود في عمليات اعتقال واسعة النطاق لرجال الدين في هذه المنطقة في الأسابيع الأخيرة، من أجل إزالة بذور فكر الشهيد آية الله نمر وطلابه وأنصاره.
واستمراراً لسياسة آل سعود المتمثلة في اجتثاث الشيعة، هاجمت قوات النظام منطقة العوامية في 10 مايو، واشتبكت بشدة مع سكان المنطقة منذ البداية.
ووفق صحيفة "إندبندنت" البريطانية، فإن الوضع في العوامية يزداد سوءاً كل يوم، وإذ تشير الإندبندنت إلی أن العديد من سكان العوامية لا يغادرون منازلهم خوفاً من استهدافهم من قبل القناصة وقذائف الهاون التي يطلقها الجيش السعودي، تؤكد: أن شوارع العوامية تذكِّر الإنسان بالمدن المدمرة في سوريا أكثر من أي شيء آخر.
ووصفت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تصرفات آل سعود بحق أهالي القطيف، بأنها عمل إجرامي يتعارض مع حقوق الإنسان وينتهك القيم والتقاليد الإنسانية، ويحارب علانيةً دين الإسلام الذي تزعم آل سعود أنها تطبقه.
کما أعلنت شبكة ثوار النمر (شبكة ثوار الشيخ نمر باقر النمر)، أنه في عام 2020 حوكم 47 شيعياً في منطقتي القطيف والإحساء من قبل السلطات السعودية. وكان العشرات من شبان القطيف قد اعتقلوا خلال الشهرين الماضيين، أثناء توغل لقوات الأمن المدعومة بالسيارات المدرعة، كما اعتقلت عناصر من النظام السعودي عدة نساء شيعيات في المنطقة، بعد اعتقال "الشيخ حسين النمر" نجل الشهيد نمر باقر النمر (الذي أعدمه النظام السعودي المجرم).
الشيخ حسين النمر هو رابع رجل دين شيعي في شرق السعودية تعتقله القوات السعودية مؤخراً. وكانت القوات السعودية قد اعتقلت في وقت سابق السيد "هاشم الشخص" والسيد "خضر العوامي" والشيخ "عباس السعيد"، واعتقلت من قبل "محمد بوجبارة" أحد رواديد أهل البيت(عليهم السلام).
ويحاول نظام آل سعود هذه الأيام إطلاق موجة جديدة من الاتهامات ضد النساء العالمات والمعتقلات من منطقتي القطيف والإحساء الشيعيتين، بسيناريوهات كاذبة.
على الرغم من أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حاول إظهار رؤية إصلاحية في السعودية وقضاياها، ولكنه تبنى نهج آل سعود السابق تجاه الشيعة.
يرى آل سعود أنهم بسفك دماء الشيخ نمر وغيره من دعاة الحرية في الدول الإسلامية، سيمنعون نشر الثقافة النقية لآل البيت، بينما لا يعلمون أن طلاب الشيخ نمر وأنصاره سيواصلون دربه.