الوقت- لم يُظهر مرور الوقت للرياض شيئًا أكثر وضوحًا من الهزيمة الحاسمة لتحالف العدوان السعودي واختلال توازن الحرب لمصلحة أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية، وهو ما يمكن رؤيته في زيادة تعرض عدد كبير من المدن السعودية للهجمات الصاروخية اليمنية وقد أعطا الضعف والثغرة الأمنية الكبيرة في دفاعات السعودية التي وقفت عاجزة أمام قوات وضربات "أنصار الله" المتنامية، صنعاء مزيدًا من الثقة وذلك بعد الأزمة المالية الحالية التي تواجهها الرياض، نظرًا لاعتماد الاقتصاد السعودي الكبير على عائدات النفط ولهذا فقد أعطت حكومة صنعاء السعوديين إنذارًا نهائيًا بشأن ضرورة قبول مطالبهم في ساحة المعركة. وعليه، حذر وزير الخارجية في حكومة صنعاء "هشام شرف عبد الله"، السعودية في الأيام الأخيرة من أن الهجمات الانتقامية على موانئ دول التحالف ستكون على جدول الأعمال إذا لم يعّدل التحالف سياسته ويُنهي الحصار المفروض على اليمن. وقال إن "صنعاء لن تبقى غير مبالية كما يعتقد البعض، وإذا استمر حصار الموانئ اليمنية فلن تكون موانئ أعداء اليمن آمنة".
وعلي صعيد متصل، دعا عضو المجلس السياسي اليمني "محمد علي الحوثي"، تحالف العدوان السعودي يوم الجمعة الماضي، إلى تغليب السلام من خلال ايقاف عملياته العسكرية ورفع القيود التي يفرضها على المنافذ البحرية والجوية والبرية اليمنية، ملمحاً إلى تصعيد عسكري "موجع". وقال "محمد الحوثي"، عبر حسابه على "تويتر": "اليمن يلد بفضل الله من جديد بقدرات في مجالات متعددة". وتابع الحوثي بقوله: "ننصح قبل الدخول في مرحلة الوجع الكبير (في إشارة إلى مهاجمة أهداف حساسة في السعودية) الذي تحدث عنه قائد الثورة (عبد الملك الحوثي) بتغليب السلام من بوابة فك الحصار وإيقاف العدوان عملياً". واستمر "الحوثي" قائلا: "إيقاف العدوان عملياً بعيداً عن السلام الشكلي للاستهلاك الإعلامي، أو تحسين صورة دول العدوان". واعتبر الحوثي "لو كان سيجدي غير هذا الخيار لتم نجاحه"، في إشارة إلى فشل الحل العسكري في اليمن.
وعلى نفس هذا المنوال كشفت العديد من المصادر الاخبارية، أن عام 2019 كان بالتأكيد بداية تغيير جدي في معادلات الحرب، حيث بدأت موجة من الهجمات الصاروخية على أهداف استراتيجية في عمق الأراضي السعودية أصابت الرياض بالشلل التام. ولقد جرت عملية الردع الأولى في 17 آب 2019؛ عندما استهدفت طائرات مسيرة تابعة للجيش اليمني والجان الشعبية حقل "الشيبة" النفطي التابع لشركة أرامكو جنوب شرق السعودية، على بعد نحو 10 كيلومترات من حدود الإمارات. ومن جهة أخرى، في 14 أيلول 2019، نُفذت العملية الرادعة الثانية، والتي استهدفت خلالها منشآت أرامكو النفطية في منطقتي "بقيق وخريص" شرق السعودية بعشر طائرات مسيرة، وألحقت أضراراً بنصف إنتاج النفط السعودي. ولقد عانت السعودية من آثار هذه الهجمات خلال الشهور الماضية، حيث منعت "ابن سلمان" من بيع بعض أسهم أرامكو التي يحتاجها لإنقاذ اقتصاد بلاده، وبعد ذلك جاءت عمليتي الردع الثالثة والرابعة في فبراير ويونيو 2020 على التوالي والتي استهدفتا مجدداً أرامكو وأهدافاً عسكرية واستخباراتية في عمق الأراضي السعودية.
لقد تنامت قدرات "أنصار الله" خلال الفترة الماضية بشكل كبير وهذا ما تؤكده الهجمات الصاروخية التي شنوها في السعودية، ونظرًا للدور الحاسم للموانئ في دورة التجارة الخارجية للمملكة العربية السعودية، فإن الضربات اليمنية التي قد تحصل في المستقبل على الموانئ السعودي سيكون لها أثر بالغ على الاقتصادي السعودي الذي يعاني من العديد من الازمات. ولفهم هذه القضية، يمكننا النظر إلى حجم الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها السعودية في قطاع الموانئ في السنوات الأخيرة. ففي عام 2014، عقدت السعودية أول مؤتمر تجاري بحري لها في مدينة الدمام الساحلية وخلال تلك الفترة قدمت الرياض العديد من الالتزامات بتوسيع القطاع البحري في جميع أنحاء البلاد، وعقدت جولتين أخريين من المؤتمرات التجارية خلال السنوات الماضية.
ولقد تمكنت قوات الدفاع الجوية التابعة لأبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله" قبل عدة أيام من تحقيق نجاح مميز تمّثل في إسقاط طائرة استطلاع من طراز "سي اتش 4" تابعة لقوات تحالف العدوان السعودي في سماء مديرية "مدغل" التابعة لمحافظة مأرب اليمنية. وهذا النجاح اليمني المميز في إسقاط هذه الطائرة المسيرة وأنواع أخرى وحتى الطائرات الحربية المأهولة سابقاً يعتبر إنهاء لخدمة منظومات الرادارات الحديثة المتطورة التي تملكها الرياض ومجموعات بطاريات صواريخ الباتريوت الأمريكية المتمركزة في العديد من المناطق والمدن السعودية إلى الأبد. فقد فشلت كلياً في إسقاط أي طائرة من أسراب الطائرات اليمنية المسيرة التي كانت وما زالت تجوب سماء السعودية بحرية تامة وتختار أهدافها من بنك الأهداف في العمق السعودي بدقة متناهية متى تشاء وأينما تشاء وايضاً فشلت في اعتراض الصواريخ اليمنية الباليستية المحلية الصنع رغم الحصار الجائر المستمر منذ أكثر من خمس سنوات ونصف السنة.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الإنجازات اليمنية الاخيرة المتمثلة في تطوير أجهزة الرادار، وربطها بصواريخ مضادة للطائرات وكاميرا تتابع انطلاق الصاروخ حتى إصابة الهدف؛ قد أخرجت وإلى الأبد بطاريات صواريخ الباتريوت والرادارات الحديثة والمتطورة من الخدمة الفعلية وأهالت التراب على نعش تجارة تلك الصناعات. وتجدر الاشارة الى أبطال الجيش واللجان الشعبية "أنصار الله" إذا قطعوا وعداً لأبناء الشعب اليمني فإنهم سوف يقومون بالوفاء به وهذا ما أثبتته الايام الماضية، حيث خذّر وزير الدفاع في حكومة صنعاء خلال الفترة الماضية السعودية بأنها سوف ترى أياماً سوداء جراء الجرائم التي تقوم بها في حق أبناء الشعب اليمني وبالفعل لقد قامت القوات الصاروخية التابعة لأبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية بإمطار المنشآت النفطية والاقتصادية خلال الاشهر الماضية بالعديد من الصواريخ والطائرات المسيرّة.
وفي الختام ينبغي القول إنه لم تعد مناورة التأثير المعنوي على العدو بالاعلان عن القدرات النوعية ضرورية كما في بداية المواجهة، فاليوم، حققت الوحدات الصاروخية والجوية التابعة لأبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية الكثير من النقاط المتقدمة فيما خص الضغط المعنوي والاعلامي على العدوان، وأصبحت حاجة المعركة الأساسية والتي يمكن القول إنها في مراحلها الأخيرة، تتعلق بتحقيق المفاجأة في الميدان، وهذا ما لمسناه من متابعة اغلب معارك التحرير الاخيرة، مثل "نصر من الله" و"البنيان المرصوص" و"فأمكن منهم"، وأيضًا معركة تحرير مناطق البيضاء والضالع من الوحدات الارهابية، حيث تم الاعلان عن كل تلك المعارك والتي امتد بعضها لأسابيع أو أشهر بعد انتهائها وبعد الانتصار فيها واستثمار النجاح. لقد كان اليمن على مر الزمان وسيبقى مقبرة للغزاة؛ ولكن علينا أن نقول منذ اليوم أن اليمن مقبرة للغزاة وساحة خردة لطائراتهم وكل انواع آلياتهم وحتى المصفحة منها. ويشير التهديد الذي أطلقه "محمد علي الحوثي"، نظرًا لبعد المنشآت النفطية السعودية الكبير عن الأراضي اليمنية، إلى زيادة واسعة في المستويات العسكرية والدفاعية لجماعة "أنصار الله" ضد المعتدين، ويؤكد على حدوث تحول كبير في معادلات الحرب، وأن السعودية ليس لديها خيار سوى الامتثال لمطالب اليمن بإنهاء حصارها اللاإنساني.