الوقت- في ظل الوساطة الرامية لإنهاء الأزمة الخليجيّة، وجهود إدارة الرئيس الأمريكيّ المنتهية ولايته، دونالد ترامب، لتسوية الأزمة التي نشبت بين الدول الخليجية في الـ 5 من حزيران عام 2017، والتي كان آخرها زيارة صهر ترامب ومستشاره، جاريد كوشنر، للسعودية ومن ثم قطر، خفضت الاتهامات التي وجّهتها الدوحة إلى المنامة بشأن قيام مقاتلات من سلاح الجو البحريني باختراق الأجواء القطرية، من احتمالية حدوث المصالحة مع ازدياد التساؤلات حول المحاولات الإماراتيّة والبحرينيّة لتخريب المصالحة الخليجيّة قبل أن تبدأ.
غضب قطريّ
بدا الغضب القطريّ واضحاً من حادثة "الاختراق الجويّ" الذي نفذته طائرات بحرينيّة وفق ادعائها، حيث أبلغت الدوحة مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة عما أسمتها "خروقات جوية" من قبل أربع طائرات مقاتلة بحرينيّة اخترقت الأجواء القطريّة في يوم الأربعاء الـ 9 من كانون الأول الحاليّ، فيما نفت وزارة الخارجية البحرينيّة الاتهامات القطريّة، ووصفتها بأنها "ادعاء لا مسؤول وعار عن الصحة ولا يمت للحقيقة بصلة".
وبعد أن وجّهت قطر رسالتها التي تضمنت إخطارا رسميا من حكومة البلاد، باختراق الطائرات العسكرية البحرينية المجال الجوي لقطر فوق المياه الإقليمية، وجّهت البحرين بالأمس رسالة إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، قالت فيها إن ادعاءات قطر بشأن اختراق 4 طائرات مقاتلة بحرينية الأجواء القطرية غير صحيحة، وفي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اعتبرت البحرين أن الادعاءات القطرية تهدف إلى زعزعة الأمن في المنطقة، ودعتها إلى الالتفات إلى أزمتها المتمثلة في استمرار سلوكها العدائيّ ودعمها للإرهاب وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
وزعمت المنامة أنّها أجرت في اليوم نفسه طلعة جوية تدريبية مشتركة لطائرتين نوع (إف 16) تابعتين لسلاح الجو الملكي البحرينيّ وطائرتين من نفس النوع تابعتين لسلاح الجو الأمريكيّ في منطقة التدريب المخصصة في أجواء السعودية، وذلك ضمن التمرين الجوي المشترك بينهما، وبعد قرب انتهاء الوقت المخصص للرحلة تحديدا الساعة 15:50، قامت الطائرات الأربع بالاندماج في تشكيل جوي واحد ومن ثم التوجه إلى أجواء مملكة البحرين عبورا بأجواء السعودية باتجاه الشرق استعدادا للهبوط بقاعدة عيسى الجويّة، حيث إن هذا المسار يعتبر الممر الجوي للخروج من منطقة التدريب والدخول إلى أجواء مملكة البحرين، ولم يتم خلال رحلة العودة التحليق على الأراضي القطريّة، ولم يتم استخدام المجال الجوي القطريّ.
المصالحة الخليجيّة
بالتزامن مع المباحثات الكويتيّة لحل الأزمة الخليجيّة، كان خبر إصدار الديوان الملكيّ السعوديّ لافتا، حيث أمر كل الجهات في المملكة بوقف الهجوم الإعلاميّ على قطر، ومنذ بدء تلك المباحثات لم تعبر البحرين ومصر والإمارات بشكل واضح عن مواقفها الصريحة من إعلان الكويت، بعد أن عطلت أبو ظبي قبل أشهر، اتفاقا خليجياً بوساطة أمريكية لإنهاء الأزمة الخليجيّة، بعد سلسلة من المناقشات بين كبار قادة قطر والسعودية والإمارات وأمريكا، حيث تسعى إدارة ترامب منذ أشهر لإعادة المياه إلى مجاريها مع قطر، لكن الإمارات غيرت المعادلة في اللحظة الأخيرة، وطلبت من الرياض أن ترفض مقترح المصالحة الأمريكيّ، الذي يحاول تعزيز الجبهة المعاديّة لطهران، وعلى ما يبدو فإنّ البحرين تتشارك مع الإمارات في الهدف نفسه.
وسواء صح الاختراق أم لا، فإنّه حقق الرغبة الإماراتيّة والبحرينيّة في زيادة حدة التوترات بين الدول الخليجيّة، رغم محاولة الرياض ضبط حركات حلفائها في حصار قطر، حيث عبرت القضيّة بينهما، عن محاولة سلطات البحرين وبنشوة العلاقة المستجدة مع العدو الغاصب، للقول إن لها، هي أيضا، رأيها في موضوع التوازنات الخليجية، عقب التصريحات شبه الرسميّة من الإمارات بأنّ قطار المصالحة الخليجية لن يتحرك مليمتراً واحداً دون علم وموافقة ومباركة الإمارات المسبقة.
وبناء على ذلك، تنضم البحرين بشكل علنيّ إلى مشروع الإمارات الذي شكل "حجر الزاوية" في إشعال فتيل الأزمة بين الدول الخليجية وتصعيدها، من خلال إفشال جهود التوصل إلى حل الأزمة الخليجية، بعد أن فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على قطر، بسبب إعلامها المضلل واتهامات بدعمها للإرهاب إضافة إلى علاقتها مع طهران.
ومن الجدير بالذكر أنّ الحلف الإماراتيّ لا يرغب في ردم الهوة مع قطر، رغم أنّ السعودية صعدت من جهودها في الفترة الأخيرة من خلال تراجعها عن مواقفها السابقة لحل أزمتها المستمرة مع قطر منذ أكثر من ثلاث سنوات، بالتزامن مع خسارة الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، والذي كان يعرف بمدى تقاربه مع آل سعود، وترغب السعودية في إنهاء القطيعة مع الدوحة في محاولة من ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، لكسب ود الإدارة القادمة للرئيس الجديد جو بايدن من جهة، وتقديم "ذكرى الوداع" إلى ترامب الذي حول المملكة إلى "بقرة حلوب" لواشنطن في عهده، من جهة أخرى.
من ناحية أخرى، تُتهم قطر بأنّها متمسكة بوأد مساعي تعزيز الحوار الخليجيّ، وأنها اختلقت خروقات جوية مزعومة لطائرات مقاتلة بحرينية لأجوائها في تصعيد غير مسؤول من الدوحة، قبيل ساعات من انطلاق اجتماع وزاري خليجيّ للتحضير لقمة الرياض، وأن قطر تريد أن تفرض على دول القطيعة (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) إبقاء خلافاتها في المجالين البحري والجوي مع مملكة البحرين خارج التسوية والمصالحة، وبناء عليه فإنه حتى بعد توقيع وثيقة المصالحة سوف تستمر في حرمان صيادي الأسماك البحرينيين من العمل بحرية في المياه الإقليمية البحرينية، متحججة بأنها مياه قطرية وأيضا سوف تستمر مثلما كانت تفعل في السابق قبل الحصار في منع الطائرات البحرينية العسكرية والمدنية من التحليق فوق اليابسة الجغرافية لشبه جزيرة قطر، وبالتالي فإن الطائرات البحرينية سوف تضطر إلى التحليق بعيدا عن قطر لمواصلة رحلاتها الجوية.
يشار إلى أن قطر شاركت يوم أمس في اجتماع المجلس الوزاري التحضيري للدورة الـ41 لقمة مجلس التعاون لدول الخليج بالتزامن مع الذكرى الـ50 لتأسيسه، عبر تقنية الفيديو، وأفادت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) أنه تمت خلال الاجتماع مناقشة كل البنود المدرجة على جدول الأعمال والقرارات والتوصيات المعنية بدعم وتعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما تضمنته البنود المدرجة كذلك من قضايا ومواضيع تتعلق بالتطورات الراهنة في المنطقة، ومن المقرر عقد القمة الخليجية المقبلة في العاصمة السعودية الرياض، يوم الـ 5 من كانون الثاني المقبل، فيما ترجح أوساط سياسية عربية ودولية أن تشهد القمة توقيعا بالأحرف الأولى على وثيقة مبادئ لإرساء أسس جديدة لمصالحة قطرية مع دول المقاطعة، أو مع السعودية بمفردها.