الوقت- لطالما كانت العلاقات بين أبناء الشعب التونسي وأبناء الشعب الفلسطيني قوية ومتينة خلال العقود الماضية، حيث تربط الشعب التونسي صلة وطيدة بالشعب الفلسطيني، إذ احتضنت تونس منظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينيات من القرن الماضي تحديداً منذ سنة 1982 بعد خروجها من لبنان، كما تم اقتراح تونس كمقر لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد شهدت تونس آنذاك دخول الآلاف من الفلسطينيين بحفاوة شعبية عارمة، وخلال تلك الفترة الزمنية دعمت السيدة "وسيلة بورقيبة"، زوجة الزعيم الراحل "الحبيب بورقيبة"، وجودهم في تونس وتابعت ظروف إقامتهم آنذاك. وتعود هذه العلاقات الطيبة بين البلدين الشقيقين إلى سنوات طويلة، إذ هاجر عشرات التونسيين من مختلف أنحاء الجمهورية التونسية شمالاً وجنوباً إلى فلسطين المحتلة من أجل الالتحاق بالمقاومة ضد العصابات الصهيونية، وكان هذا القرار نابعاً من إرادة ذاتية دون توجيهات رسمية تحثهم على اللحاق بالمقاتلين الفلسطينيين. وبلغ عدد التونسيين الذين ذهبوا إلى فلسطين 2676 متطوعاً حتى 20 يوليو 1948. وحول هذا السياق، يذكر تقرير للاستعمار الفرنسي تضمنه أرشيف الوثائق العامة للحكومة التونسية تحت الرقم 1030، أن عدداً من الشباب التونسيين الذين تراوحت أعمارهم بين العشرين والخامسة والعشرين، بعضهم من العاطلين عن العمل وبعضهم ممن يشتغلون بالخدمات اليومية، سافر إلى الأراضي الفلسطينية سنة 1948 وقاموا بالالتحاق بالمقاومة الفلسطينية للدفاع عن الأراضي الفلسطينية وطرد الاحتلال الصهيوني.
وخلال السنوات الماضية كانت الجمهورية التونسية تجدّد دعمها الثابت للقضية الفلسطينية العادلة، ووقوفها الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، في دفاعه الثابت عن حقوقه المشروعة والتي لن تسقط بالتقادم، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على أراضيه ضمن حدود العام 1967، وعاصمتها القدس الشريف. وكانت الجمهورية التونسية تذكر بدعواتها المتكررة للمجموعة الدولية حتى تتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، وتضع حدّاً للممارسات الاستيطانية التوسعية الاستفزازية، التي ترمي إلى فرض سياسة الأمر الواقع، وتستخف بالمواثيق والقوانين والأعراف الدولية، في غياب أي نوع من المساءلة. ولطالما حذرت تونس من أن استهتار الاحتلال بالمعاناة الإنسانية والاقتصادية للشعب الفلسطيني سيمثل عامل توتر يهدد الأمن والسلم ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل في كل العالم. ولقد أكد الرئيس التونسي "قيس سعيد"، قبل عدة أيام، موقف بلاده الثابت من الحق الفلسطيني، وأشار إلى هرولة بعض الدول العربية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وقال، "لا نتدخل في اختيارات بعض الدول ولا نتعرض لها، ونحترم إرادة الدول، فهي حرة في اختياراتها وأمام شعوبها". وأضاف: "لكن لنا أيضا مواقفنا التي نعبر عنها بكل حرية، بعيدا عن إصدار بيانات للتنديد بهذا الموقف أو ذاك"، معتبراً أنه "من المفارقات اليوم هو أن يندد البعض بالشيء ونقيضه". وأردف أن، "الحق الفلسطيني لن يضيع ما دام هنالك أحرار"، لافتا إلى أنه "ليس صفقة، ولا بضاعة أو مجرد سهم في سوق تتقاذفها الأهواء والمصالح".
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن رئيس الوزراء التونسي "هشام المشيشي" قال، "إن تطبيع علاقات بلاده مع إسرائيل ليس مسألة مطروحة". مضيفاً "هذا خيار اعتمده بعض الدول العربية بحرية، نحترم خياراتهم ولكن بالنسبة لتونس هذه المسألة ليست مطروحة". وأكد على أنه: "لكل بلد واقعه وحقيقته، ولكل بلد دبلوماسيته التي يرى أنها الفضلى لشعبه". وتأتي هذه التصريحات قبل عدة أيام على قيام الكتلة الديمقراطية بمجلس نواب الشعب التونسي، بتقديم مقترح قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني بمناسبة مرور 4 سنوات على اغتيال المهندس التونسي "محمد الزواري" عضو كتائب "عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي اتهمت الموساد الإسرائيلي باغتياله أمام منزله في محافظة صفاقس مسقط رأسه في 15 كانون الأول 2016.
وحول هذا السياق، أكد النائب عن الكتلة الديمقراطية "رضا الزغمي"، أن الكتلة الديمقراطية، وهي كتلة معارضة تضم حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، أودعت يوم الثلاثاء الماضي مكتب الضبط مقترح قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني. وبيّن "الزغمي"، أن المبادرة تتزامن مع الذكرى السنوية الرابعة لاغتيال الشهيد "محمد الزواري" الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي داخل الأراضي التونسية. ولفت "الزغمي" إلى أن مشروع القانون هذا سيكون بمثابة لحظة فرز حقيقية أمام الشعب والتاريخ لمن يساومون على القضية الفلسطينية واعتادوا رفع الشعارات في المناسبات. وأضاف "الزغمي" قائلاً، إن "اغتيال الزواري سيبقى وصمة عار على جبين كل مطبع داخل تونس وخارجها، وأن عرض المبادرة على أنظار البرلمان سيكون بمثابة لحظة فرز حقيقية أمام الشعب والتاريخ لمن يساومون على القضية الفلسطينية واعتادوا رفع الشعارات في المناسبات".
ومن جانبه أكد النائب عن الكتلة الديمقراطية "هيكل المكي"، أن هناك "مخططًا كاملًا لإلهائنا بقضايانا اليومية عن القضية الأم القضية الفلسطينية"، مشدداً على أنها "ستظل دائمًا قضية مركزية مهما يفعلون". وأضاف "المكي": "فلسطين ليست مجرد مسألة وجدانية، بل هي مفتاح حلّ مشاكل كامل المنطقة"، وأن "هناك سرطانًا صهيونيًا في جسم هذه المنطقة، يجب الشفاء منه". ولفت النائب إلى أنه "تم الإعلان عن مبادرة تجريم التطبيع اليوم بالتزامن مع ذكرى اغتيال الشهيد محمد الزواري الذي اغتالته يد الغدر الصهيونية بالتواطؤ مع بعض أصحاب النفوس المريضة في تونس"، مشددًا على أن: "دم الشهيد الزواري وصمة عار على وجوه كل المطبعين سرًّا والمعلنين ولاءهم لفلسطين كذبًا"، وفق تعبيره. ووجه "المكي" كلمة إلى من نعتهم بـ"الأصوات الناعقة في تونس" التي تقول إن الخروج من الأزمة الاقتصادية يمكن أن يكون طريقه عبر التخفيف في حدة العداء لإسرائيل، قائلًا: "إن هذا التفكير في حدّ ذاته هو بداية التطبيع، ولن يحقّق ذلك شيئًا لا لهذا الشعب ولا لهذا الوطن".
وعلى صعيد متصل، أوضح "عثمان الجرندي" وزير الشؤون الخارجية التونسي، أن الموقف التونسي من القضية الفلسطينية مبدئي وثابت، حيث تقف تونس إلى جانب الحق الفلسطيني في استرجاع حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهي حقوق غير قابلة للتصرف ولا تسقط بالتقادم، وأكد "الجرندي" أن تونس مع ما يقرره الفلسطينيون أصحاب القضية والحق والأرض، وضمن تصور للسلام يقوم على احترام قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، وكافة المرجعيات الأممية ذات الصلة.
ويرى مراقبون أن عرض مقترح قانون التطبيع يتزامن مع اتساع رقعة المطبعين بين الأنظمة العربية، بإعلان الولايات المتحدة الأميركية أخيراً عن تطبيع المغرب مع إسرائيل، بعد فترة وجيزة من انخراط السودان في هذه الموجة التي تلعب فيها الإمارات دور الوساطة والريادة. ويتضمن مقترح الكتلة الديمقراطية "ديباجة و8 بنود" تعّرف جريمة التطبيع في مختلف المجالات السياسية والرياضية والفنية، وتضبط العقوبات على المطبعين التي تتراوح بين سنتين وخمسة سنوات سجناً وبغرامات مالية تصل إلى 100 ألف دينار تونسي.