الوقت- غادر الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" متوجهاً إلى باريس، في زيارة مهمة للقاء "إيمانويل ماكرون" بقصر الإليزيه، وسط تنامي المشاكل الداخلية والخارجية.
ووفق بيان صادر عن الإليزيه، تأتي زيارة السيسي بعد زيارة ماكرون للقاهرة في يناير 2019، بهدف تعزيز العلاقات بين باريس والقاهرة، التي تعتبر "شريكًا استراتيجيًا للاستقرار في الشرق الأوسط".
وإضافة إلى القضايا الثنائية، من المتوقع أن تركز الزيارة على مناقشة الأزمات الإقليمية، وخاصةً في ليبياً، والتوترات في شرق البحر المتوسط.
حقوق الإنسان أداة بيد ماكرون
من أهم القضايا التي تهتم بها وسائل الإعلام وكذلك قصر الإليزيه في زيارة السيسي لباريس، هي قضايا حقوق الإنسان. حيث لطالما شدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة الاهتمام بمؤشر حقوق الإنسان، في تحديد السياسة الخارجية لأعضائه.
کذلك، في وقت تتشكل فيه موجة جديدة من الاحتجاجات في فرنسا، وشهدت شوارع باريس مظاهرات مناهضة للحكومة في الأيام الأخيرة، فإن منتقدي ماكرون بالإضافة إلى انتقاد القمع الداخلي، يتهمونه بتجاهل الحملة التي شنتها حكومة السيسي على المعارضة في مصر، وخاصةً في الأشهر الأخيرة.
وفي ظل هذه الظروف، تجد حکومة ماكرون نفسها بطبيعة الحال تحت الضغط لإثارة قضية حقوق الإنسان في مصر في المحادثات مع السيسي، ويبدو أنه مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، فقدت القاهرة تجاهل ترامب للتطورات الداخلية في مصر، وتستعد لتقليل الخلافات مع أوروبا حول هذه القضية.
لكن من ناحية أخرى، يرى ماكرون أن زيارة السيسي تمثِّل فرصةً لتخفيف الضغط على مواقف حكومته المناهضة للإسلام في الأشهر الأخيرة، والتي تسببت في توترات بين باريس مع الجالية المسلمة في فرنسا وأماكن أخرى.
وفي هذا الصدد، يراهن قصر الإليزيه علی جهود الحكومة المصرية للتشاور مع "جامعة الأزهر" للحد من غضب المسلمين، وخاصةً أن الحكومة المصرية تعارض بشدة الإخوان المسلمين، ويستخدم أردوغان التوترات بين ماكرون والمسلمين لزيادة النفوذ التركي.
وكان شيخ الأزهر قد أبلغ وزير الخارجية الفرنسي في وقت سابق خلال زيارة "لودريان" لمصر في تشرين الثاني(نوفمبر) الماضي، أنه يجب التمييز بين حرية التعبير وإهانة المقدسات.
لكن قبل زيارة السيسي لباريس الاثنين، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية "بسام رادي"، إن عبد الفتاح السيسي يؤکد علی أنه لا بد من التشديد علی وجود فرق واضح بين الإسلام والأعمال الإرهابية التي تُرتكب باسم الدين.
وأضاف إن "(الإسلام) ليس له علاقة بمثل هذه الأعمال بأي شكل من الأشكال. ويجب على الجناة عدم تبرير أعمالهم (الإرهابية) باسم أي دين سماوي". وهذا الموقف يدعم بشكل واضح باريس في الخلاف بين ماكرون وأردوغان.
توسيع التعاون بين باريس والقاهرة
مصر، التي تعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية، كانت بحاجة دائماً إلى المساعدات العسكرية الأجنبية، لمواجهة التحديات الأمنية في الداخل وعلى المستوى الإقليمي.
کما أن الموقع الجيو سياسي لمصر كان دائماً ذا أهمية کبيرة بالنسبة للدول الأوروبية، وذلك بسبب استضافتها لقناة السويس وقربها من البحر الأحمر وشرق المتوسط، ولکونها جسر وبوابة شمال ووسط إفريقيا، ودورها في معادلات فلسطين ومرجعية تيار الإخوان المسلمين وحضور الأزهر، والدور المصري التاريخي في الشرق الأوسط العربي.
لقد سعت فرنسا في السنوات الأخيرة، وخاصةً في عهد إيمانويل ماكرون، إلى زيادة دور باريس وحضورها في التطورات في إفريقيا وغرب آسيا، وتوسيع العلاقات مع القاهرة هو جزء من جهود باريس لزيادة وجودها في إفريقيا.
کما نمت العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا في السنوات الأخيرة، لتصل إلى 2.2 مليار دولار في 2018. وأعرب السفير الفرنسي لدى مصر "ستيفان روماتيه" في أكتوبر، على هامش اجتماع للشركات الفرنسية في مصر حضره ممثلو 70 شركة، عن ارتياحه للعلاقات بين البلدين، معلناً عن أنشطة أكثر من 160 شركة فرنسية في مصر.
كذلك، کان تصدير الأسلحة وإبرام المعاهدات العسكرية، طريقةً أخرى لزيادة نفوذ فرنسا ودورها في التطورات الأفريقية. بحيث أنه في عام 2019، بلغت صادرات الأسلحة الفرنسية إلى مصر أكثر من سبعة مليارات دولار ونصف.
المواجهة المشتركة مع تركيا
زيارة السيسي إلى فرنسا مهمة أيضًا في بُعد آخر، وهو الأهداف المشتركة للبلدين في الأزمة الليبية، ومواجهة نفوذ تركيا المتزايد ودورها في ليبيا.
فبينما تدعم فرنسا ومصر في الأزمة الليبية - إلى جانب أطراف أخرى مثل الإمارات والسعودية وروسيا - برلمان طبرق في الشرق بقيادة الجنرال "خليفة حفتر"، تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأزمة في ليبيا على مر السنين، والتي تعدّ من أهم أصحاب الاحتياطيات النفطية في إفريقيا.
تنتقد فرنسا ومصر بشدة الوجود العسكري التركي في البحر الأبيض المتوسط والمياه الليبية، وتتهمان أنقرة بإرسال أسلحة وميليشيات من سوريا إلى ليبيا، ولهذا السبب أجرتا عدة مناورات بحرية مشتركة في مياه البحر الأبيض المتوسط خلال العام الماضي.
کما أعلنت فرنسا الشهر الماضي عن إطلاق خطة جديدة ومشتركة مع مصر، في إطار جهد دولي لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، ترکز على وقف إطلاق النار الدائم وتشجيع الأطراف الليبية على متابعة أجندات سياسية مشتركة، فضلاً عن ضرورة وقف التدخل الأجنبي وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تحظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا.
وفي ظل هذه الظروف، فإن زيارة السيسي لفرنسا ستبعث حتماً برسالة إلى أنقرة، حول تعزيز التحالفات المناهضة لتركيا.