الوقت- بينما يُنظر إلى إعادة فتح معبر "عرعر" الشهر الماضي، بعد توقف دام لثلاثة عقود، على أنه تطور رئيس في العلاقات السعودية العراقية المضطربة، فإن تحركات الرياض الأخرى لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع بغداد تظهر تصميم السعوديين على التخطيط بجدية لعدم وقف هذا النهج في الأشهر المقبلة.
وبعد أيام فقط من إعلان العراق إعادة فتح معبر حدودي آخر مع السعودية يسمى الجميمة في محافظة المثنى وإعادة فتح طريق النجف الأشرف الواصل مع الحدود السعودية، يوم الاثنين 7 كانون الأول، أرسل السعوديون وفداً اقتصادياً برئاسة وزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي إلى بغداد مع عدد من رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين.
ووفق موقع روداونت، من المتوقع أن يتم في هذه الزيارة توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين السعودية والعراق، وقالت الأمانة العامة لمكتب رئيس الوزراء العراقي في بيان إنه سيعقد اجتماع للمستثمرين السعوديين والعراقيين على هامش هذه الزيارة.
ومن المقرر أيضا خلال هذه الزيارة أن تجتمع لجنة خاصة لمناقشة بناء مجمع رياضي كبير كهدية من حكومة الرياض في مدينة البسماية الجديدة جنوب شرق بغداد.
ويمكن تقييم هذه الزيارة بانها تتماشى مع تنفيذ الاتفاقية بين البلدين في 8 نوفمبر والتي تم توقيعها لتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والاستثمار. وفي ذلك التاريخ توجه وفد من الوزراء السعوديين برئاسة وزير البيئة عبد الرحمن الفضلي ووزير الصناعة بندر الخواريف إلى بغداد للمشاركة في اجتماعات اللجنة العراقية السعودية التي تم تشكيلها في شهر تموز.
وعقب هذا الاجتماع، قال وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، إن العراق يسعى إلى زيادة التعاون بين البلدين من خلال تنفيذ مشاريع جديدة في مجالات الكهرباء والبتروكيماويات والغاز.
صراع بين الحكومة والناقدين
أصبح الاستثمار السعودي في العراق، وخاصة في العام الماضي، قضية مهمة في مواجهة آراء منتقدي الحكومة العراقية.
لا تزال حكومة مصطفى الكاظمي، التي وصلت إلى السلطة بوعدها بإعادة اعمار البلاد وتعزيز التجارة وتوفير الأمن، تواجه أزمات اقتصادية وسياسية وفشلت في حل المشاكل المهيمنة على الوضع الداخلي في العراق. فحكومة الكاظمي هي حكومة تكنوقراطية كان من المفترض أن تخلق ظروفاً جديدة للعراق من خلال الحد من التوترات وتحقيق التوازن في العلاقات مع جيرانه.
وقد دفع هذا الكاظمي إلى الترحيب برغبة السعوديين في توسيع العلاقات الاقتصادية العراقية السعودية. وفي تاريخ 10 نوفمبر 2020 أجرى الكاظمي ندوة عبر الإنترنت مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمناقشة الاستثمار السعودي في العراق. كما أعلن خلال اجتماعه مع وفد الوزراء السعودي في بغداد في 8 تشرين الثاني أن فرص الاستثمار متاحة للشركات السعودية.
جاء هذا الموقف بعد أيام فقط من تحذير عدد كبير من الأحزاب السياسية العراقية من الاستثمار السعودي في صحراء محافظات العراق الأربع الجنوبية، وطالبوا الحكومة برفضه لدواعٍ أمنية.
مخاوف وتهديدات الاستثمار السعودي
في الأسابيع الأخيرة، انتقدت الدوائر السياسية والأمنية والاقتصادية العراقية على نطاق واسع النهج الاقتصادي الذي تتبعه حكومة الكاظمي. حيث حذرت هذه الدوائر من الانعكاسات الأمنية والسياسية والدينية لوجود السعودية على شكل استثمار في العراق وانفتاح السعوديين على العراق بسبب تاريخ السعودية السيئ في التعامل مع بلادهم، واعتبروا هذا الوجود بمثابة التهديد للأمن القومي العراقي.
وفي السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كان العراق دائما ضحية للعمليات الإرهابية السعودية التي كانت تهدف الى قتل العراقيين.
ويرى أغلبية العراقيين أن أي مساعدة اقتصادية أو عسكرية سعودية يمكن أن تمهد الطريق لاستئناف التدخل السعودي في الشؤون الداخلية للبلاد، كما فعلت الرياض للاقتصاد اللبناني في السنوات الأخيرة.
وفي هذا الصدد، حذرت علياء ناصيف، عضو مجلس النواب العراقي وائتلاف دولة القانون، من "وجود دوافع سياسية وراء أي تعاون تجاري واقتصادي مع السعودية".
وشددت على أن "معبر عرعر يجب ألا يستخدم إلا للأغراض التجارية، وعلى العراق ضمان الأمن وعدم التدخل في شؤونه الداخلية". وأضافت ان "التجارة العادلة ليست مشكلة، لكن الاستثمارات والمشاريع السعودية قد تفتح الباب أمام مشاريع استراتيجية اقليمية يخشاها الشعب العراقي، وبالنظر إلى أنه بحلول نهاية 50 عاما من المشاريع الاستثمارية، ستكون تلك المناطق مملوكة للسعودية".
هذا والتقت وفود عراقية وسعودية في الأسابيع الماضية في بغداد والرياض لمناقشة مستقبل استثمار 3 مليارات دولار في ملايين الكيلومترات من الأراضي الصحراوية العراقية في محافظات الأنبار والنجف والمثنى في مجال الزراعة والثروة الحيوانية.
ومع ذلك، وبغض النظر عن المخاوف السياسية والأمنية العراقية، فإن مزيدا من الفحص للمشروع السعودي أظهر أن تنفيذ هذا المشروع سيشكل تهديدا كبيرا للبيئة وتدمير احتياطيات المياه الجوفية في العراق، ونتيجة لذلك، تم إلغاء هذا المشروع.
وفي سياق متصل قال وزير الزراعة العراقي محمد الخفاجي إن الخطة تعهدت بتزويد مناطق محددة بالمياه لمدة 50 عاماً.
وشدد على أن وزارة شؤون المياه ردت بالقول إن حجم المياه الجوفية الموجودة في هذه المناطق لا يمكن ان يغطي هذه الاحتياجات للفترة المحددة، الأمر الذي أجبر السعودية على التخلي عن الخطة.
ومع ذلك، ونظراً للمخاطر الأمنية والتأثير الاقتصادي والبيئي السلبي للمشاريع الاستثمارية السعودية في العراق، يجب على الحكومة العراقية أن تكون أكثر حذراً بشأن تعطش الرياض الغامض للشراكة الاقتصادية مع بغداد.