الوقت- لم تمض سوى بضع ساعات على إعلان قناة عدن التلفزيونية التابعة للحكومة اليمنية المستقيلة نقلاً عن مصادر رسمية قطع الحكومة اليمنية لعلاقتها الدبلوماسية مع إيران، وكذلك عن وزير الخارجية اليمني، رياض ياسين، الذي يصر الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، على إبقائه في منصبه، حتى جاء النفي اليمني على لسان المتحدث الرسمي باسم هذه الحكومة المستقيلة، راجح بادي، الذي وصف أحاديث قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بـ"السيئة"، نافياً الخبر جملةً وتفصيلا.
لم يكتف المتحدث باسم الحكومة اليمنية المستقيلة بالنفي، بل أوضح بادي أن "الحكومة منذ عودتها إلى عدن لم تناقش موضوع قطع العلاقات مع إيران، ولم يتخذ قرار رسمي حتى الآن"، بهذا الشأن، مطالبا جميع وسائل الإعلام بتحري الدقة والمهنية في نقلها للأخبار من مصادرها الرسمية، وعدم الانجرار خلف المهاترات الإعلامية.
إن ظروف الأخذ والرد في قطع
العلاقات مع طهران، سواء على الصعيد الداخلي والخارجي تفضي إلى جملة من الدلالات
التي ترسم صورة واضحة المعالم عن واقع الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، ورئيس
الوزراء خالد بحاح، البديل الطبيعي لهادي في أي تسوية مقبلة تسعى لفرضها السعودية،
بصرف النظر عن فرص النجاح وحظوظه بين أبناء الشعب اليمني، كونه من المؤيدين
الرئيسيين للعدوان السعودي على اليمن، وإن
حاول أن ينأى بنفسه عن إتخاذ مواقف هادي العدائية تجاه الأطراف اليمنية. وأبرز هذه
الدلالات:
على الصعيد الخارجي، يأتي الحديث عن قطع العلاقة مع طهران، بعد أقل من 24 ساعة على إعلان البحرين، سحب سفيرها راشد سعد الدوسري من طهران، واعتبار القائم بأعمال سفارة إيران لديها محمد رضا بابائي، شخصاً غير مرغوب فيه، وإمهاله 72 ساعة لمغادرة البلاد، بعد فبركة العديد من الأخبار حول إلقاء القبض على خلايا إرهابية مرتبطة بإيران، إضافة إلى العثور على كميات كبيرة من الأسلحة ذات المصدر. إذاً، يبدو أن السعودية التي تتعرض لهجمة إعلامية شرسة، سواء من إيران أو من الإعلامين العربي والإسلامي، جرّاء الإهمال السعودي في التعاطي مع أجساد الحجاج والمصابين في فاجعة منى، فضلاً عن سوء الإدارة أو التواطئ السعودي الذي أودى بحياة أكثر من 2000 حاج (بعض التقارير تحدّثت عن 4000 ضحية) في حادثتي رافعة الحرم المكي وتدافع منى. تحاول السعودية صرف الأنظار عن أفعالها، وكذلك الضغط على طهران عبر سيناريو "قطع العلاقات". ويمكننا القول إن قضية قطع اليمن للعلاقات مع ايران تأتي في إطار الحملة السعودية التي بدأت بالبحرين، ومرّت عبر اليمن، ووصلت كذلك بالأمس، بعد بضع ساعات على الحديث اليمني، إلى الإمارات. فقد جدّد وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، الجمعة، رفض بلاده لمحاولات إيران للتدخل والعبث بالأمن الداخلى للدول العربية في المنطقة، حسب زعمه، موضحاً أن "الإمارات تقف مع المملكة العربية السعودية بحزم، أمام أي محاولات إيرانية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية".
وأما على الصعيد الداخلي، فلماذا الحديث عن قطع العلاقات من قبل وزير الخارجية اليمني المستقيل رياض ياسين، المدعوم من قبل الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي؟ في المقابل، لماذا سارع المتحدث باسم الحكومة اليمنية المستقيلة التي يرأسها بحاح إلى تكذيب مزاعم ياسين، ونفي الخبر جملة وتفصيلا؟ أليس من المستغرب، رغم كافّة التصريحات العدائية للرئيس المستقيل هادي مقابل الدعم السياسي الإيراني التام لثورة الشعب اليمني، وكذلك رفض ايران للعدوان السعودي على اليمن، أن تُبقي الحكومة اليمنية على سفارتها في طهران؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة ترسم صورة واضحة لواقع المشهد اليمني الداخلي الذي يتنابه الكثير من الضبابية، التي تشير بدورها إلى جملة من الدلالات، أبرزها:
أولاً: تكشف الإختلافات في الآراء حول هذا القرار الإستراتيجي مدى عمق الفجوة الحاصلة بين حلف هادي-ياسين من جهة وحكومة بحاح من جهة أخرى. الإختلاف حول هذا القرار، بعد مرور أكثر من 6 أشهر على العدوان يعيد إلى الأذهان فشل المعارضة السورية، في الداخل والخارج، في توحيد موقفها ازاء الرئيس الأسد، فهل سنشهد في المستقبل القريب ظهور هذا الخلاف إلى العلن، بعد فترة من ظهور بعض روافده بين هادي وبحاح؟ وهل من الممكن أن تتحول المعارضة اليمنية إلى جبهتين الأولى خارجية ممثلة بهادي وحليفه وزير الخارجية رياض ياسين وأخرى داخلية ممثلة بخالد بحاح وحكومته المستقيلة في عدن؟
ثانياً: إن تأكيد المتحدث باسم الحكومة اليمنية على زيف الإدعاءات حول قطع العلاقات مع طهران، بعد ساعات فقط على إعلان وزير الخارجية المستقيل رياض ياسين في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط، قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وأن مبنى سفارة طهران في صنعاء، غير محصن دبلوماسيًا، مطالبا جميع أعضاء السفارة الإيرانية، بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة، ومعتبراً إياهم غير مرغوب فيهم، فيما طالب أعضاء بعثته الدبلوماسية في طهران، بمغادرة البلاد في أقرب فرصة ممكنة، تؤكد حقيقة الفجوة القائمة بين حلف هادي-ياسين وحكومة بحاح.
ثالثاً: تحاول الحكومة اليمنية المستقيلة من خلال إعلانها عدم قطع العلاقة مع طهران، تقديم نفسها للمجتمع الدولي كصاحبة شرعية، حتى لدى الحكومة الإيرانية، وبالتالي فإن طهران لا تزال تعترف بسفير هادي ممثلاً رسمياً وقانونياً لليمن. لذلك يكشف هذا الإدعاء عن حاجة الحكومة اليمنية للإبقاء على سفارتها في طهران، ولو بصورة شكلية، مع العلم أن السفارة الإيرانية لا تزال تزاول أعمالها في صنعاء، وتتعاطى مع أبناء الداخل كجهة رسميّة ممثلة للبلاد.