الوقت- لمّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى انضمام عدد من الدول العربية إلى قافلة التطبيع مع العدو الاسرائيلي بعد أن أقدمت كل من الإمارات والبحرين على هذه الخطوة، وبعد كلام ترامب اتجهت الأنظار نحو السعودية بسبب صمتها المطبق حيال تطبيع الامارات وعدم تنديدها به، بل على العكس تماماً باركته وحاولت في الوقت نفسه عدم اظهار عدائيتها للفلسطينيين ولكون تطبيع السعودية في الوقت الحالي غير ممكن، بسبب خلاف الملك سلمان مع نجله محمد بن سلمان حول هذا الموضوع كما يقال، اتجهت الانظار نحو السودان على اعتبار أنها الحلقة الأضعف في الوقت الحالي وتعاني من ضغوط اقتصادية وحصار غير مسبوق، يضاف إليه فوضى سياسية داخل البلاد وانقسام في الآراء حول السياسة الخارجية للبلاد.
ترامب سارع لاستغلال هذ الوضع المذري الذي تعاني منه السودان ووجد أن الخرطوم مهيأة للتطبيع أكثر من أي دولة عربية أخرى، نظراً لهشاشتها في الوقت الحالي وحاجتها الماسة لأي انتعاش اقتصادي وفك الحصار عنها، والأهم رفع اسمها من قائمة الإرهاب، لكن في الوقت نفسه الاتجاه نحو التطبيع سيساهم في زعزعة الأوضاع داخل السودان من جديد وسيؤثر هذا الكلام في عملية التحول الديمقراطي في البلاد، وخاصة في ظل ارتفاع الأصوات الرافضة للتطبيع داخل السودان، لكن الامارات وجدت ضالتها في نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد حمدان دقلو الملقب بـ حميدتي، نظراً لنفوذه العسكري داخل البلاد، وبالتالي تقديم الدعم له من قبل الامارات واسرائيل وأمريكا سيساهم في قمع الأصوات المعارضة للتطبيع.
الامارات لم تتمكن من اغراء السودان حتى اللحظة، ففي منتصف الشهر الماضي سافر الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات وأجرى محادثات مع المسؤولين الأمريكيين والإماراتيين حول إمكانية الحصول على رزمة مساعدات للسودان واقتصاده الضعيف، يمكن من خلالها تسويق عملية التطبيع مع "إسرائيل"، وانتهت المحادثات دون اتفاق بعدما فشل الطرفان بالموافقة على حجم الرزمة، وقال مسؤول سوداني إنه عُرض على بلاده 800 مليون دولار كمساعدات واستثمارات مباشرة، تدفع معظمها الإمارات والولايات المتحدة بمشاركة إسرائيلية بعشرة ملايين دولار.
وطالب السودانيون من جانبهم بـ3 – 4 مليارات دولار لمعالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، التي أدت إلى زيادة الأسعار ونقص المواد الأساسية وأضافت ضغوطا على الحكومة الهشة في الخرطوم. وأعرب المسؤولون الأمريكيون عن استعدادهم لرفع السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل دفعه تعويضات بقيمة 335 مليون دولار لعائلات ضحايا تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، والمدمرة كول عام 2000.
عمَّ يبحث ترامب؟
ترامب استشعر خطر السقوط في الانتخابات المقبلة، وخاصة بعد اصابته بكورنا وانخفاض شعبيته إلى حدودها الدنيا، وعدم قدرته على جلب استعطاف الشعب الأمريكي بعد مسرحية الكورونا وطريقة التعافي التي عرضها على الشعب الأمريكي، وعدم قدرته على ضبط انتشار الفيروس في البلاد وعجزه عن ايجاد دواء شافٍ لهذا المرض، ناهيك عن العنصرية التي برزت في امريكا من جديد وبقوة في فترة ولايته، هذه الأمور وغيرها جعلته يعيش أسوأ كوابيسه الانتخابية أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن، إذ يزداد الفارق بينهما بشكل مطرد، وبالتالي وجد ترامب أن الحل في الهروب من المشاكل الداخلية والبحث عن نصر خارجي، في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، بعد عجزه عن ارضاخ ايران بالرغم من جميع العقوبات التي فرضها عليها ونقضه الاتفاق النووي وممارسة سياسة "أقصى الضغوط" على طهران، وكذلك فشله في التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية رغم لقائه التاريخي مع الزعيم الكوري كيم جونغ أون، إلى جانب الإخفاق في إخضاع الصين لشروطه في الحرب التجارية القائمة بين واشنطن وبكين.
لم يبق امام ترامب سوى الاتجاه نحو الشرق الاوسط وتحديدا نحو دفع السودان للتطبيع مع اسرائيل، لتسويق ذلك كنصر لسياسته الخارجية وتعزيز فرصه الانتخابية في صفوف اليمين الأمريكي المحافظ واللوبي الإسرائيلي المتنفذ في الولايات المتحدة.
ما يريده ترامب تقديمه للسودان مقابل التطبيع هو حذف اسم السودان من الدول الراعية للارهاب، لكن هذا الأمر لا يمكن لترامب البت فيه، لكونه بيد الكونغرس، الذي يرفض حتى الآن رفع اسم السودان، وبالتالي قد تطبع السودان مع اسرائيل مقابل لا شيء، كما هو حال الامارات.
الموضوع أعقد مما يعتقده بعض السودانيين المطالبين بالتطبيع، وليس "حفلة شاي"، كما وصفه الأكاديمي الكويتي الشهير "عبد الله النفيسي"، الذي كشف النقاب عن وجود شروط أمريكية للموافقة على تطبيع السودان مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأكد النفيسي، في سلسلة تغريدات عبر حسابه في موقع "تويتر"، الجمعة، أن الولايات المتحدة وضعت 47 شرطاً أساسياً للمضي في عملية التطبيع مقابل طلب وحيد للسودان وهو رفع اسمه من قائمة الإرهاب.
وقال الأكاديمي الكويتي في تغريدة له: "فوجئ الوفد السوداني الذي يتفاوض مع الأمريكان حول التطبيع مع إسرائيل بوضع الأمريكان 47 شرطاً لتحقيق التطبيع. منها توطين ملايين من اللاجئين الفلسطينيين في السودان الشاسع، وسيطرة الأمريكان على المياه الإقليمية السودانية".
وأضاف في تغريدة أخرى: "منح السودان الأمريكان إنشاء قواعد عسكرية على أراضيه، ونقل قيادة أفريكيون إلى السودان، وإعادة النظر في كل القوانين السودانية، وإبعاد الصين من أي نشاط داخل السودان، واحتكار الأولوية للاستثمارات الأمريكية ".
حتى ان نتنياهو الغارق في فوضى قرارته السياسية وفساده، يبحث من خلال التطبيع مع السودان ليس فقط على ايجاد نصر خارجي كما هو الحال بالنسبة لترامب، بل إعادة آلاف السودانيين الذين لجؤوا لـ"إسرائيل"، إلى بلدهم السودان، وهم الذين يشكلون نحو خمس العمالة غير المسجلة فيها، وهي خطوة ستلقى الكثير من الترحاب بين الجمهور الإسرائيلي الرافض لوجود هؤلاء اللاجئين لأسباب تبدأ من منافستهم للعمالة الإسرائيلية وتنتهي بكونهم غير يهود. حيث كان يجادل هؤلاء اللاجئون أنهم سيواجهون عقوبات في حال العودة إلى السودان باعتبار "إسرائيل" دولة معادية يُمنع السفر إليها.